الحياة أنثى

الحياة أنثى

افتتاحية الأزمنة

السبت، ١٦ أغسطس ٢٠١٤

تمنحنا مساحات حضورنا، تغرينا نحن جنس الإنسان بالكثير مما يحيط بنا، تشعرنا من خطواتنا الأولى المتجسدة في وعينا بأن هناك مشكلات ستصادفنا، وعلينا أن نبدأ في حلّها، تَحثُنا على أن نتابع، وهي الصامتة بوقارها الألق، دون أن تنبس ببنت شفة، تغرينا بما لديها، تتابعنا رغم صخبنا فيها، تمثل قاموساً ودستوراً وسلالم نصعد ونهبط عليها، إنها الحقيقة والأسطورة والخرافة، الواقع والخيال، عارية تحت ضوء القمر، ومنصهرة في نور نهارها، هي ليست غانية أو غاوية؛ إنما روح الأحلام والآمال والأمان غير المنظور، ومهما بعدت مسافاتها نصلها بسرعة الحركة اللامرئية، إنها أعمق وأوسع وأكبر من عمق مجموع المرأة الأنثى، وأدق من إدخالها في مجال جنس محدد، كونها حاضنة جميع الأجناس، ولنا ما شئنا منها، شريطة شعورنا بأننا نعتلي ظهر أرضها، ونحن نتطلّع إلى سمائها، تدعونا للتأمل فيها، وكأنّها بداخلنا لا تريد الانفلات عنّا، وفي الوقت ذاته تأمل أنْ لا ندعها وأنْ نشكمها بقوة، فهي تؤمن بأننا قلبها نبضها؛ كونها لا تمتلكه، فإذا ما غادرناها انتهت، تيبّست رويداً رويداً، ومن ثم تصحّرت، تقول: ما نفعي إذا لم تكونوا معي؟! في ليلي أُنصت لحواراتكم دون أنْ تدرون، وأستمع لدبيبكم المتواصل على أرضي من نهاري، أراكم  ساعين. لاهثين. حائرين. مضطربين. هادئين. فاعلين ومنفعلين. متقاتلين ومقتولين. متأملين وسائلين عمّا إذا كان الله ذكراً، والروح ذكر غير مُعَرّفة، والكون ذكر، والعلم ذكر، والقرآن ذكر، والنور ذكر، والإنجيل ذكر، والماء الذي لا طعم له ولا لون وشفاف ذكر، والغدر ذكر، والتوراة أنثى، والشهادة أنثى والشِّعرُ ذكر، والوقت (يوم. أسبوع. شهر...) ذكر، والسنة أنثى، والكذب ذكر، والغدر ذكر، والغباء ذكر، والقبح والإثم ذكران، النهار ذكر، والليل ذكر وأنثاه ليلى أو ليليث صديقة آدم وعشيقة الذكر الأولى منجبة حواء أم قابيل وهابيل؛ ليكون كذلك الحبّ ذكراً، والفَرْجُ ذكر ينتظر الولوج فيه كي تستمر حياتها من خلال العضو الذكر، حيث فلسفة سننها القائمة منها على ذلك؛ التي تشي بأن في داخل الذكر أنثى، وفي داخل الأنثى ذكر، وبهذا التكوين البيولوجي تستمر الحياة الأنثى، مُحدِثَةً اللقاء والالتقاء، والفَرَجُ ذكر يحضر من الكلي المحيط الذكر، ونجد أن الكامل والكمال يحملان صفة الذكر، الحيّ ذكر والحيّة أنثى، القاضي ذكر والقاضية أنثى، النائب ذكر، والنائبة أنثى، المصيب ذكر، والمصيبة أنثى، الهاوي ذكر والهاوية أنثى، والجمال ذكر، وللعلم فإن الذكر لدى جميع المخلوقات الحيّة هو الأجمل؛ إلا أن الاستثناء يقع في جمال الأنثى من النساء التي تجذب إليها الذكر، والصفح ذكر، والسؤال ذكر، فأين هي أنثاكم التي تقول إن الإجابة أنثى، والدنيا أنثى، والسعادة أنثى، والطبيعة أنثى، والحماقة أنثى، والجريمة أنثى، والكرامة أنثى، والمشاعر أنثى، والخيانة والبشاعة أنثيان، والفتنة أنثى، والكينونة أنثى، والمعرفة أنثى، والخديعة أنثى، النصر ذكر، والهزيمة أنثى، وصحيح أن القلب ذكر إلا أنّه يخفق في الذكر والأنثى، وكذلك العقل أيضاً ذكر يسيِّر ويقود طرفي الحياة من جنس الإنسان والأجناس الأخرى والجنس ذكر، الحرية أنثى، والسياسة أنثى، والديمقراطية أنثى، الحكم ذكر، والقرار ذكر، والاقتصاد ذكر، والمال ذكر، القفل أنثى والمفتاح ذكر، والدين ذكر، والأمن ذكر، والوطن ذكر والوطنية أنثى، والأرض أنثى، والسماء ذكر، والمطر ذكر، والإغراء ذكر، فكيف بكل ذلك يكون في الحياة ولا تكون كينونة الحياة أنثى، تتجول ضمن الذاكرة الأنثى تطاردها الثقافة الأنثى حتى نصل إلى التربية الأنثى.
 الحياة أنثى تملؤها قيم الحياة، تخصّنا نحن جنس الإنسان بشكل خاص، معاييرها فطرية، تصوراتها أنْ نطوّعها كي نرفع من شأنها الذي ينعكس علينا، لذلك تجدها تخضع لمن يفهمها تحيّيه ويحيّيها، ينجز رسائله المطلوبة منه فيها، تعرف من جوهرها أنه يستحقها، تمنحه قواها المرئية واللامرئية؛ لكنها لا تستسلم له أبداً، فإنْ غاب بصره عنها أخذت بصيرته واقتصت منه شرَّ قصاص؛ من باب (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ) والقِصاص هنا ذكر؛ إما أنْ تدعه وشأنه أو تأخذ به إلى درجات العلى أو ترميه في أسفل السافلين، هي هكذا تعود دائماً لتحقيق انتصاراتها على المتعلق بحبالها؛ بعد أنْ كان قد أنهى جميع صراعاته مع ذاته أولاً، وأبناء جنسه والأجناس الأخرى ثانياً، إنّها تمتلك شيئاً واحداً اسمه الحياة، والشيء ذكر غير مُعَرَّف، ترميه بعيداً عنّا، ينتظرنا بعد أنْ نقوم مما نحن عليه، وننجز جميع ما تحاورنا حوله نجاحاً أو فشلاً، والفشل أيضاً غير مُعَرَّف أي إنّه ليس ذكراً ولا أنثى، إنّه ذاك القريب أو البعيد الذي يخصّها ولا نعرفه، إنّه لَحْدها تقبرنا فيه، واللّحد ذكر، بعد أنْ تخطفنا على غفلة مما نحن عليه ودون دراية منا، تترك لنا أعمالنا بصماتنا إيجاباً أم سلباً.. طبعاً، المؤثرون فيها والمتأثرون منها تبقيهم في ذاكرتها، أما المنسيّون فتدعهم يمرون يذروهم النسيان فلا يدري أحدٌ عنهم.  
د.نبيل طعمة