مكتوب في التلمود

مكتوب في التلمود

افتتاحية الأزمنة

السبت، ٦ سبتمبر ٢٠١٤

يعتقد اليهود أنّ الله أوحى إلى موسى شريعتين، الشريعة المكتوبة (التوراة) والشريعة الشفوية (المشنا) وهي متن التلمود، وشروحاتها (الجمارا) التي كتبت ما بين التدمير الأول (مملكة يهودا) في أورشليم القدس، والتدمير الثاني (مملكة السامرة) وسَيْقِهم إلى بابل، حيث كتب في سراديبها، ومنها كان المكوّن الاشتراعي لليهودية التاريخية التي امتزجت فيها التعاليم الدينية النظرية بالحياة العلمية للجماعات اليهودية.
يُعتبر التلمود أهم مرجع ديني بنسخته التلمود الأورشليمي، والتلمود البابلي والذي مازال يُعتبر لغزاً تاريخياً لعلماء الديانتين المسيحية والإسلامية، الذين يسعون باحثين لاهثين وراء فَهم مسألة الدين اليهودي وكُتبه، ماشيح (المسيح) هو المخلص المنتظر لليهود، والذي سوف يُخلّصهم ويبدأ عهداً جديداً يُعرف باسم (أيام المسيح)، حيث يعيش البشر حياة صالحة قائمة على السلام والعدل. وقد أدى هذا الأمل في مجيء المسيح المخلّص إلى ظهور عدة حركات مسيحية في التاريخ اليهودي تتعجل النهاية، وظهرت عدة أساطير متعارضة في فترة الشتات الطويلة بشأن مجيء المسيح، إلا أنّ النبوءة المسيحية حسبما ترد في التلمود والمدراشيم تؤكد موضوع الخلاص السياسي، حيث يُنقذ المسيح ابن داود اليهود من ضائقتهم، ويحقق نبوءة الدولة اليهودية الكاملة المؤسسة بأحكام التوراة، وتتمركز في وسطها القدس المشيّدة وفيها الهيكل. يجمع الشتات اليهودي مع مجيئه، ويسبق مجيئه فترةٌ من المظالم والاضطرابات الشديدة، أو ما يسمى (آلام مجيء المخلّص)، كان أنبياء إسرائيل يلمّحون إلى الأيام الأخيرة أو يوم الدينونة التي تبلغ فيها العَظَمَةُ القومية ذروتها. انغرس هذا الأمل في مخيلة الشعب اليهودي، ومع مرور الزمن بدأت العجائب التي كان عليها إظهار الحقيقة تتعدد وتتكاثر، والمستقبل المجيد يدور حول شخص ماشيح أي المسيح، الذي سيرسله الله ليرأس تدشين العصر الجديد، والعجيب أنّ المسيح ورسالته كما ورد في التلمود هو محط العديد من المراجع. أثار أحد المعلمين، وهو الحاخام (هيلل)، الشكّ حول مسألة مجيء المسيح، حيث يقول ليس من مسيح لإسرائيل حتى الذي سيأتي، لأنّ المسيح أعطى لها في عهد حزقيال، وقد سبّب هذا الرأي من قبل الحاخام هيلل سخطاً عنيفاً، لكنه قُبل من بعض اليهود في عهد حزقيال، الذي حقق العديد من النبوءات المسيحية لإشعيا، ويستعبد التلمود هذا الرأي بصورة قطعية، حيث يشكل إرسال المسيح جزءاً من مخطط الخالق في وجود الكون، ويشير التلمود إلى خلق سبعة أشياء قبل العالم: التوراة، والندامة، وجنة عدن أي الفردوس، وجهنم، وعرش المجد، والهيكل، واسم المسيح، وقد كان الأمل بمجيء المخلص يزداد شدة عندما تتعرض الحياة الوطنية إلى الخطر، وكلّما ازداد الخطر على اليهود ازداد تعلقهم بالنبوءات المتعلقة بالمسيح الموجودة في كتبهم المقدسة، من أجل تخفيف بؤس اليهود، وتشجيعهم على الثبات أمام المحن، وفوق كل شيء فإنّ إسرائيل ستكون مباركة بقدوم المسيح، وسينتهي اضطهاد العالم لهم، وستعاد للمقام البارز الذي أعدّه الله لها، فقد حُمِلَت الكرمة في مصر، بما أنّ الكرمة ترتفع أقل من باقي الشجر فهي تتفوق عليهم بثمارها، كذلك إسرائيل ضعفت لتظهر متواضعة وضعيفة في هذا العالم كما هو مكتوب: صرت أضحوكة لجميع الناس، وأغنية لها النهار كلّه، لكن في العالم الآخر سيضعها الرب في القمّة كما قبل، ويكون الملوك لك رعاة والملكات مرضعات، ووجوههم إلى الأرض يسجدون لكِ، ويلعقون تراب قدميكِ، فتعلمين أنّي أنا الرب الذي لا يُخزَى منتظروه، وحَلُم اليهود بماشيح المخلّص وحققوا ذلك بعد ما يقرب من ألفين ومئتي عام، أي منذ سقوط بابل 556 ق.م  حتى ولادة العالم الجديد (أميركا) مسيحهم المخلّص، وتحقيق وعدهم المذكور في التلمود فهل تنتظر المسيحية الحقّة خلاصها بعودة السيد المسيح الحقيقي، وكذلك هل سيحضر المهدي المنتظر ويعيد المسلمين إلى جوهر إيمانهم، هل فكّر العرب المسلمون والعالم المسيحي وتفكروا فيما حمله التلمود من تعاليم وأسرار وألغاز، وأنّ ما يجري الآن على الساحة العربية ما هو إلا من أجل تحقيق الوعود التلمودية المتجلية في إقامة الهيكل الثالث والدولة اليهودية، فهل ننتبه مرة ثانية أم أنّنا سنبقى غافلون.
د. نبيل طعمة