الوقار

الوقار

افتتاحية الأزمنة

السبت، ١٣ سبتمبر ٢٠١٤

والحصول عليه لا يتأتى حضوره من تراكم السنين أو ندرتها، قيمته وقوة ظهوره ترتسم على الوجوه فيضاً، شباباً أو كهولة أو حتى شيخوخة، ذكوراً كانوا أم إناثاً؛ لكن ما الذي فعلناه ونحن نسير في عمرنا وجلبناه لنا. لذاتنا. لأنفسنا، ما الذي نستطيع أن نقول بفخر واعتزاز أننا أحضرناه، فحضرْنا وبصمْنا عليه لنتشكل به؟! يأخذ بنا حضوراً منجباً الأسئلة حينما يتجلّى على الوجه الإنساني: كم عمرك وعمري والأعمار عشرون؛ خمسون؛ سبعون؛ تسعون، ماذا يعني لنا وللآخر هذا، ماذا تعلمت وعملت، وتعرفت وعرفت، وفهمت وتفهمت، هل كفرت وآمنت، وأخللت بنظم الحياة فأجَلْت نظرَك إليك قبل أن تشيحه عنك، هل قَبلتَ وتَقَبلت؟ ما هو ظنك بما يحمله فكرك، وعند أي مرحلة عمرية أحسست بأنك تكثفتَ، ومن ثم انفلتَّ.. ما الطريقة التي ننظر بها إلى تقدم الأعمار بمداها الزمني أو إلى اختصارها، هي شيء لا شيء، مقروءة أو غير ذلك، إنّ كل ما في هذا العالم هو لهذا العالم، والعالم إنسان، فما الذي يجب على الإنسان أن يقوم به وعليه، كي يصير إنساناً، هل يصل إليه أثناء رحلة سعيه مبكراً، متأخراً بعد رميه ضمن مساحة الرحيل المراقبة من الآخرين، لذلك أجدني أبحث فيه، علّ الكثير من الآلام تنتظرنا هناك وتحاول أخذ ما ضيّعنا في الشباب، أو أثناء مرورنا بالرجولة، لنتفق على أنّنا شيء من هذا العالم، مَن منه عُرِّفَ إلى إنسان؛ بعد أن عَرَفَ حضوره، يولد. يتوالد. يكبر. يشيخ. يموت، هل عَرَفَ أنّه لعبة الحياة؟ من منّا حاول أن يتفكر فيها وأن يصدقها، فما هو بقاؤه؟ ومهما كبر؛ هل له أن يبقى على ما هو: قواه. شبابه. رجولته. أم إنّه يتهالك، فلا يستطيع التعتق كي يحمل جمال الوقار وهيبته! الحجارة تتعتق وكذلك الذهب والفضة والرسم والعمارة، حتى النبيذ له العتيق؛ فما إن تُعتقه حتى ترى وقار مذاقه ونكهته، فهل مديد العمر يصنع الوقار أم قليله؟ وإنني لأعتقد أنّ الإخلاص وحده يصنعه، ويرخيه ربما على الصغير قبل الكبير، وعلى الشباب قبل الكهولة أو الشيخوخة.
التأني في التوجه نحو المطالب، وكذلك يكون أمره عند طرح سؤال استفهامي وانتظار الآخر حتى يجيب، وتهدئة الغضب لحظة ظهور الخطوب والنوائب، وثباتها أمام التسرّع لا السرعة الفكرية؛ بغاية الوصول إلى النتائج وحِلمها على المشاغب ورزانتها، وهي تجتاز الصخب والشغب والمفاتن، فإذا كان قادماً- طبعاً أقصد الوقار الذي يكون ممّا وقر في القلب وهو الإيمان- فكيف لا يكون حامل الإيمان بالشيء الذي ليس كمثله شيء وقوراً.. تأملٌ عميقٌ في المشكلات مع فهم علمي للمكونات المتأملة يجلب الوحي، يخلِّصك إلى الأمام، يعمل منك كبيراً، حتى وإن كنت في مقتبل العمر أو في منتصفه، فليس جميع الكبار يستحصلون على الوقار، حتى لو حاولوا شراءه، يُظهرهم صغاراً ضمن هالته، أما المترددون فليس لهم منه في شيء، لذلك تجدني أتحدث إلى الساعين، أسألهم عن رحلة سعيهم، وهل أكملوا مساراً واحداً مما سعوا إليه، وهل عرفوا أنّ لهم في هذه الحياة أشياءً، وهل قاموا بتفتيشها، ووجدوا أنّ هناك شيئاً لم يكملوه، فحينما تكمل أشياءك أو شيئاً واحداً بجودة وحسن نية؛ أي بإخلاص تكون قد استحصلت على الوقار وجلبته بقوة لذاتك التي سيمنحها الحضور حتى وإن غادرت.
الوقار حياة تنبض في القلب، وحياء متشكلٌ ضمن تقاسيم الوجه، تقرأ صاحبه كما تقرأ كتاباً، فهو حلية وزينة يتمتع بها الإنسان، وكلما كان على قدره كان توقير المحيط له كبيراً ومهماً، وحضوره أميناً وآمناً.
لنتأمل ما يجري حيث أضاعت الكثير من الأسر نظم الإيمان بالروح وفقدت تراتبية الاحترام فيما بينها، وكذلك أضاعت ارتباطها بالمجتمع والمجتمع بإداراته، كان يشار وكما أسلفت إلى مجتمعاتنا بأنّها طيبة، بحكم أنّ روحانياتها تجسدت فيها من قوة إيمانها: بأنّ الشخصية الإنسانية كانت حاضنة الإيمان، تقدمه للعالم أجمع!.. فما الذي حصل، وكثيرنا يقرأ الكتب المقدسة، فهل دققنا بما يتحدث مثلث الكتب المقدسة عن الوقار، وطالب النساء باعتبارهنّ مصدراً مهماً لاستمرار الحياة، ومدارس تربوية مهمة، وأيضاً اتجه إلى الناس كافة، وأشار إلى الأشياء وربطها بالعاقلين من الرجال والمسنّين بـأن يكونوا على قدر معنى وجوهر صيغ حضور الوقار، وقال في كل ضلع من أضلاعه: العهد القديم ( اس 1: 20 فيسمع أمر الملك الذي يخرجه في كل مملكته لأنّها عظيمة فتعطي جميع النساء الوقار لأزواجهنّ من الكبير إلى الصغير) العهد الجديد (تي 2: 2 أن يكون الأشياخ صاحين ذوي وقار متعقلين أصحاء في الإيمان والمحبة والصبر) القرآن الكريم (سورة نوح - سورة 71 - آية 13 مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً) فما الذي يحدث مع أمتنا العربية وعوالمها المنتشرة ضمن أقطابها، وهو ما يدفعنا للسؤال عن النظرة للوقار الذي طالب به المقدس الإنجيلي والقرآني، وعن حال المسلمين مع إسلامهم وتراتبية المقام، كيف بنا ونحن نشهد على الانفلات وضياع المحبة وقيم إنسانية الإنسان؟! فلم يعد للوقار حضور، وضاع الاحترام، وفُقدت الهيبة بين تسلسل الأعمار، وانفلت الانتظام الإنساني متحولاً إلى شكل من أشكال شريعة الغاب، حيث البشر القادم من بدء شرٍّ وشراهة وشريعة ووصية واحدة كما (هو) .
د.نبيل طعمة