الخيل والسروج

الخيل والسروج

افتتاحية الأزمنة

الاثنين، ٢٣ مارس ٢٠١٥

تحدّث المثل التاريخي المتداول بين جمهرة العارفين والمستكشفين لسبل الحياة - الذي يغيب ويحضر بين الفينة والأخرى، حسب الظروف ومقتضيات المصالح الخاصة والعامة للأفراد والمجتمعات والدول- مسهباً في التخصص قائلاً: «عندما تندُر الخيول، تُشدّ على البغال والحمير السروج».. هذا هو حال الزمان، عندما يحاول أن يسطو فيه السائس الدسيس على خيول الأمير فتجفل وتهرب، أو تختبئ في الداخل، أو تشرد إلى الفلاة، أو تعود إلى موطنها الأصلي- إن كانت مستحضرة - يجري البحث؛ فلا يتقدم لملء فراغها سوى البغال والحمير؛ هذه التي لا يأتي دورها إلا بعد غياب الْعَادِيَاتِ ضَبْحًا فالْمُورِيَاتِ قَدْحاً فالْمُغِيرَاتِ صُبْحاً - المثيرات في الأرض نقعاً المتوسطات بها جمعاً- «بتصرف» بعد أن كان اقتناء المسومة منها محبباً، يباهى بها بين الجمع والأمم.
تتهامس الخيول، تصهل، تستمع لبعضها، تتحاور، تنادي أميرها، إننا لك لن يسرجنا غيرك، ومعك نذهب للمستحيل الذي لم نؤمن به يوماً.. الحزن يلفّنا، ونحن نشاهد ما يجري ممن لا نستطيع وصفهم، وينطبق عليهم ما جاء في الكتاب المكنون، يرفعون كي تصدقهم المصاحف والصحائف، كما رفعوها في الحادثة الشهيرة، وأخذوا بعدها يصولون ويجولون  دون رادع على أماكننا ومكانتنا وساحاتنا، السواس يا سيدي الأمير يسرجون الضعفاء بسروج مؤمنين بك، يشدونها بلُجُمنا، لكنها ستخذلهم في أيام الوقع وكثيراً ما حدث هذا، ولم تستطع أن تثير حتى النقع في لحظات الحسم، كيف يحدث هذا بعد أن ضاع الصهيل، وغدا السائد صوت البغال والحمير، وإن أنكر الأصوات لصوت الحمير، ومازال لسان حال الخيول يقول: الإله الكلّي قدَّمَنا على جميع مخلوقاته من جنسنا؛ حيث ابتدأ بالخيل.. وبعدها ذكر البغال القادمة من عملية تهجين الفرس مع الحمار، ومن ثم ذكر الحمير حيث قال: (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً)، وذكر أيضاً في ذات المكنون: (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ- إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ)، ولم يذكر أن أجمل الأصوات صهيل الخيل؛ لأنه ذكرنا في مواضع كثيرة، حيث بنا تكمن الأنفة والكبرياء والشموخ والبهاء، لم يرافق ولم يختر غيرنا يوماً، إنما كنّا أصدقاء ورفاق الأباطرة والقادة والرؤساء والأمراء والسفراء..، لماذا لأننا لم نخذل ولم نخن يوماً، اختارتنا النساء رمزاً لهنّ وقْت يحلُمن بالفارس الذي يبحثن عنه كيما يعتليهنّ، وشبّهْنَ أنفسهن بالفرس الأصيلة.. فكيف بك يا سيدي الأمير، تسمح بأن يسطو سائسك على خيلك الرمّاحة؛ فتهرب منه ويستبدلها بالبغال والحمير وهو من يحاول جاهداً تقديمها على أنها أصيلة وقوية؛ بينما هي ضعيفة غير قادرة على الصمود، إنما تستطيع في أعظم قوتها أن ترفس، ورفسة الضعيف شبه مُقعِدة وربما تكون قاتلة.
يا سيدي الأمير؛ المخلصون كثر، وخيلك الباقية كثيرة مخلصة وأمينة، تنتظر رؤيتك لهم، وإنهم ليستشهدون بالمتنبي حين قال:
الخَيْـلُ وَاللّيْـلُ وَالبَيْـداءُ تَعرِفُنـي.
 وَالسّيفُ وَالرّمحُ والقرْطاسُ وَالقَلَـمُ.
وكذلك نقول: لم يشهد التاريخ أن قائداً مغواراً عرمرماً قاد جيوشاً وفتح أمماً ودولاً وبلداناً على ظهر بغل أو حمار؛ من الإسكندر إلى بولس الرسول؛ والرسول العربي وخيله المتجسّد في براقه؛ مروراً بالفينيق وأجنحته وصولاً إلى نابليون فاتح أوروبا وإفريقيا، وصولاً إلى مصر.. وإنهم ليقولون لكم من قوله:
أكُلّمَا رُمْتَ جَيْشـاً فانْثَنَـى هَرَبـاً
 تَصَرّفَـتْ بِـكَ فِي آثَـارِهِ الهِمَـمُ
عَلَيْـكَ هَزْمُهُـمُ فِي كـلّ مُعْتَـرَكٍ
وَمَا عَلَيْـكَ بِهِمْ عَـارٌ إذا انهَزَمُـوا
ومُهجـةٍ مُهجتـي مِـن هَــمِّ صاحِبِـهـا
 أدرَكْتُـها بجَـوَادٍ ظَـهْـرُه حَـرَمُ
رِجلاهُ فِي الرّكضِ رِجلٌ وَاليدانِ يَـدٌ
 وَفِعْلُـهُ مَا تُريـدُ الكَـفُّ وَالقَـدَمُ..
هذي محبة من مخلصيك تخصك كما تخص المؤمنين بك.... فلتسر على خيلك الحقة، وإنك لمنتصر يا سيدي الأمير، غدت خيلك قلقة تنتظر إشارتك إليها، فمهما كانت بعيدة عنك فهي قريبة منك وفيّة وأمينة لك، إلا أن البغال والحمير تحاول رفسها للبعيد وإصابتها بمقتل، كم عشقتها وعشقها قبلك الفارس النبيل الباسل الأصيل، ومعه أنتم أبناء الأصيل، كم تحلم بأن تكون معك! فهي لك تنتظر دعوة النهوض منكم وتنظر بعين المحب الرقيب.
يا سيدي الأمير: الفرصة مواتية، والريح مجانبة، والظروف استنفدت قهرها، والأرض اكتفت من دماء أبنائها.. فاختر سُوّاس وسُيَّاس وسَاسَة خيلك.. وأنتم الأقدر، سُسْ أيها الأمير سياسة البلاد والعباد واسرجها، فالذي يسود عليها أمير ابن أمير، فحقّها حقّك في الاستمرار والتطهير والتظهير، فقد ذهب الكثير وتتويجك منتصراً حقيقة قائمة واقعة لا محالة، لأنك تمتلك وحدك تقرير المصير، تعرف ما يجري ولك وحدك أن تجري، فاستدعِ أفراسك التي خبأتها ليوم الانطلاق، اختر الأصيل من الأصيل؛ فأنت أصيل لا تحتاج إلا للأصيل وشمس الأصيل، إنك لظاهر على أصالتها، فاسرج خيلك الأصيلة، فصهيلها يُعلِم الدنيا وينذرها بالزئير زئيرك، وسِرْ بنا فالشمس تنتظرك، والقمر لك ينير.
د.نبيل طعمة - الوطن