الديكتاتورية الوطنيّة أو الاستبداد العادل

الديكتاتورية الوطنيّة أو الاستبداد العادل

افتتاحية الأزمنة

الخميس، ٢٣ أبريل ٢٠١٥

الديكتاتورية الوطنيّة أو الاستبداد العادل تشيران أن المنظومة البشرية لا تحكم إلا بالديكتاتورية المسكونة في جوهر الإنسان والتي تستمد نظامها من قيمة وقوة المنطق الإلهي المنظور فكرياً في وحدانية الحكم ومنه تجسدت فكرة الحفاظ على الدولة والمجتمع من الانفلات بأشكال مختلفة ديمقراطية ليبرالية راديكالية أو دينية ومهما اختلفت مسمياتها يبقى جوهر جميعها ديكتاتورياً، وما نراه بعد أن غدا العالم برمته، يتفاعل مع اللا منطق رغم انتشار الوسائط التكنولوجية الفائقة الدقة والسرعة، سعياً حثيثاً بغاية تعزيز الضوابط، وتمتين قواعد السيطرة على الشعوب، حتى وإن اضطر لاستخدام القوة، ناعمةً كانت أم مفرطة لغاية الحفاظ على الكائن والمكونات والنظام والانتظام، كلُّ هذا مطلوب أمام فلسفة التطور التي تسير إليها المجتمعات.
الأمم المتخلفة تحتاج إلى الاستبداد الذي نطلق عليه الديكتاتورية أثناء عملية انتقالها إلى التنمية، بحكم أنها أمم روحانية تتكل على الإله من أجل الوصول إلى التقدم والتطور، من دون عمل حقيقي، تحتاج إلى إكراه الناس أولاً على التعلم للتخلص من الأمية الكتابية، ومن ثمَّ الدخول إلى العلم، حيث به وحده يحدث الانتقال إلى الأعلى والأمام وتعميم نتاجه الذي يهذّب الأخلاق، ويضبط المشروع الديني، وينظم حركة المجتمع، وهذا لا يتحقق إلا حينما تتربع على عرش أي دولة من دول العالم الثالث لغةٌ دكتاتورية وطنية، أو تحكم بسلطة الاستبداد شريطة توافر العدالة، فأن يكون لديك مستبدٌّ عادل مستنير، يؤمن بالقانون، ويجيد اللعب بمفردات السياسة، يستخدم استراتيجية الإنسانية الاجتماعية لخدمة مواطنيه، يفهم المستقبل وسبل الوصول إليه بالمرونة الواقعية الواعية لشروط استخدام فلسفة المنطق والمقبولة من الجمهرة العامة من الناس، لا ضير إن وصل من نظم العسكرة الملتزمة، وكان جندياً رفيع المستوى، أو فناناً محبوباً صاحب وجه لطيف أو مركبٍّ عنيف ذي مشاعر طيبة، ليتشابه مع من مروا في حركة الأمم تاريخياً من فريدريك الثاني ملك بروسيا الذي حكم ستةً وأربعين عاماً، وحمل لقب المستبد العادل، ألّف خلالها ثلاثين كتاباً، شملت الأدب والمسرح والفلسفة والقانون والسياسة، وكان عازف فلوت من الطراز الرفيع، حتى إنه ألّف سيمفونية خالدة، مازالت تعزف حتى اللحظة، وكذا كان ستالين المنتصر في الحرب العالمية الثانية قائد الاتحاد السوفييتي، وصاحب القرارات الصلبة التي استمدها من اسمه الذي يعني الرجل الحديدي، وبها ثبّت دعائم قيامة الاتحاد وقوانينه في تنظيم السير والمجتمع والصناعة والبناء منتقلاً إلى التقدم وإحداثه بقوة، ليكون في مصاف الأمم، وضمن الخمسة الكبار أممياً ذاك الذي وقف في الكرملين، وخاطب شعبه الذي قدم ملايين الشهداء من أجل الانتصار، "يا أحفاد بوشكين" حولهم من الحزن إلى الافتخار، أنساهم آلامهم في لحظة بعد مرور ستة أعوام من الآلام والأحزان ، ودفع بهم فوراً لإعادة الإعمار في الحجر والبشر.    
أيها السادة ينبغي علينا الاعتراف أن أمتنا وشعبنا بالذات أصبحا بحاجة ماسة للغة الاستبداد، شريطة ترافقها بالعدالة الاجتماعية، وإيمانها بالتنوع والتعدد الثقافي والإيماني، نحن مع الرسام الموحد للألوان والمظهر لها تكاملاً في آن، فلا يمكن لأي رسام، ولم يشهد التاريخ لوحة بلون واحد، البراعة تكمن في تشكيلها وتقديمها ضمن الحاجة لوجودها، حتى وإن استدعى منه الأمر فرضها، لأن ديمقراطية فاسدة أو عائمة تتساوى تماماً مع ديكتاتورية قاسية ظالمة وحاقدة، فالمفهومان كما أن لهما معاني سلبية، يمتلكان في التضاد منهما قيماً سامية بناءة ومهمة في حركة أي مجتمع أو أمة، التي تدلنا على أن الشعوب الروحية قابلة دائماً للتشرذم والانقسام من خلال تعلقها الشديد بصيغ الروحانيات ومعاداتها اللا واقعية للتطور العلمي، واعتناقها الشديد لغة الأنا التي تهيئ لها دائماً مناخات نشوء النزاعات، وامتلاكها كمّاً هائلاً من الأحقاد الساكنة في أعماقها، التي ما أن يرمى إليها بشرارة حتى تلتهب، وتلتهم كلّ ما أمامها، مضحية بإنسانها وماديتها، وأيضاً تقدّمها البسيط الذي أنجزه ندرة من أبنائها، وحتى هؤلاء يصبحون أهدافاً سهلة.
نستعرض التاريخ العربي القديم، فلا نجد فيه أي ديمقراطية، والحديث منه أو المستحدث ممتلئ بالديكتاتوريات، وحتى الرمز الوحيد الذي حاولوا تسويقه في الشرق الأوسط ( لبنان ثماني عشرة طائفة ) كأنموذج بلا معنى، إنما متنفس سياحي لا أكثر ولا أقل، وكذا فعلوا في تونس على أن تكونا بـلا تشبيه "باريس العرب" ماذا نجد فيهما اليوم، الأول طوائف ومذاهب تحتاج إلى ديكتاتورية قاسية من أجل جمعها. والثاني انفلات هائل. هكذا نحن العرب وضمن مصارحة كبرى، لا يمكن لأي ديمقراطية أن تحكمنا، والسبب الذهنية المسكونة في العقل العربي، التي لم تؤمن يوماً بلغة نحن، وما يجري على ساحاتنا العربية خير دليل على ما نحن عليه، ماذا أنجز ما أطلق عليه الربيع العربي سوى الدماء والدمار والخراب؟ من المستفيد من عملية التدمير الشامل لجميع البنى، فوقيةً كانت أم تحتية؟ من المسؤول عن النهب الهائل للثروات العربية من قبل ما نعتقده أنه عوالم الحرية؟ لماذا دائماً نطمح إليهم وهم الراغبون دائماً وأبداً في تدميرنا بين الفينة والأخرى من أجل استمرار حياتهم، لنعترف أننا أولاً وأخيراً إن بقينا هكذا، نكن أدوات رخيصة وسهلة المنال أمام متطلباتهم ورغباتهم.
نحن شعب ينبغي أن يحكم بالديكتاتورية، ومن دون تلك الصرخة الكبرى والقوى الضاغطة، لا يمكن لنا أن نعود لبعضنا. ألا تؤمنون معي بذلك في أعماق كلّ واحدٍ منا؟ ألا نحلم بالخلاص مما يجري لشعبنا وبلادنا؟ ألا تتهامسون في أعماقكم قائلين: ليكن هناك ديكتاتور يعيدنا من شتاتنا الذاتي إلى الواقع، ولتكن له السطوة، ونطالبه حينها بتحقيق العدالة، أي أن يكون ديكتاتوراً وطنياً ومستبداً عادلاً.
د.نبيل طعمة