الكمبيوتر يتنبأ بالمناخ؟!

الكمبيوتر يتنبأ بالمناخ؟!

الباحثون

الخميس، ٢٣ يوليو ٢٠٠٩

يمكن أن تعطينا التصاميم الكمبيوترية المعدّة للتنبؤ بالمناخ توقعات لا يتوافق أحدها مع الآخر, وذلك رغم كل التحسينات الملحوظة والتطورات الدراماتيكية في محاكاتها فيزيائياً وكيميائياً للغلاف الجوي وللمحيطات. هذه هي خلاصة التقرير الذي أعده جيمس ماك ويليامز عالم الرياضيات التطبيقية وعلوم الأرض في جامعة كاليفورنيا- لوس أنجلوس. وهو يبرهن فيه أن رياضيات التصاميم المعقدة كفيلة بأن يختلف كل منها عن الآخر, ويخلص إلى التوصية التالية:"يحتاج مصنعو التصاميم المناخية إلى تغيير مقاربتهم لصناعة التنبؤات".

على سبيل المثال تتنبأ جميع التصاميم المناخية بأن الأرض سوف تستمر في السخونة, وعندما يطالبون بتقديم معلومات أكثر تفصيلاً, فإنهم نادراً ما يتطابقون, وأفضل التنبؤات تختلف فيما بينها بمقدار 10- 20٪ أو أكثر. وتكون الاختلافات أكثر دراماتيكية فيما يخص بعض الظواهر المناخية, فعلى سبيل المثال لا تتفق التصاميم حول ما إذا كانت دورات الجفاف, في المعدل, ستطول أو ستقصر.

الاختبار الأساسي الآخر لمصداقية التصاميم المناخية, عدا عن توافقها مع بعضها البعض, هو مقدرتها على إعادة إنتاج نماذج مناخية سابقة. ويبدو أنها غير قادرة على فعل ذلك بشكل كامل أيضاً. إذ يمكنها أن تستخرج بعض المعلومات المناخية بشكل محايد إلى حد بعيد, ولكن يبقى لكل تصميم عيوبه الخاصة ونواقصه. على سبيل المثال قد يستنتج أحد التصاميم درجة الحرارة بشكل جيد جداً, ولكنه يقوم بعمل سيء في استنتاج كثافة بخار الماء.

وعلى الرغم من أن التصاميم المناخية قد تحسنت بشكل كبير في السنوات الأخيرة وتطورت بشكل أكثر تعقيداً, إلا أن التناقضات بين تنبؤاتها بقيت واسعة كالمعتاد. تعكس بعض هذه التناقضات الاختلاف في الآراء بين الباحثين في العلم الذي يسهم في التصاميم, حسب طريقة عمل كل تصميم, ولكن حتى التصاميم التي يقصد منها رسم صورة المناخ بالكلمات, وهي تعمل بنفس الطريقة من حيث الجوهر, لا تعطي نفس الاستنتاجات انطلاقاً من نقطة بدء مفترضة ما. يُفهم هذا- حسب ماك ويليامز- كقصور متأصل في التصاميم من هذه الفئة, أكثر مما هو مؤشر على عدم نضج ونقص دقة التصاميم.

يبدو أن هذه المسألة مشابهة لـ "تأثير الفراشة" الشهير, ولكن بمستوى مختلف. ففي عام 1972 لاحظ ادوارد لورينزو, وهو عالم رياضيات وأرصاد جوية, أن الفراشة التي تخفق بجناحيها في البرازيل تستطيع أن تطلق إعصاراً في تكساس. والفكرة هنا هي أنه في الأنظمة الكثيرة الاضطراب والفوضى, كالطقس, تقود الاختلافات البالغة الصغر في الشروط البدئية إلى اختلافات ملحوظة ودراماتيكية في الاستنتاجات النهائية. هذه الظاهرة معروفة جيداً في التنبؤ بالطقس, وهي تفسر لماذا حتى أفضل نشرات الطقس تصبح عديمة الفائدة بعد أسبوع أو أسبوعين. ولكن "تأثير الفراشة" يلعب دوراً أصغر في التنبؤ بالمناخ, لأنه على مدى سنة أو عقد من السنين يكون هناك ميل إلى نوع من التوازن أو التكافؤ بين النتائج غير القابلة للتنبؤ.

يعتقد ماك ويليامز أن التصاميم المناخية معرضة لتأثير فوضوي مشابه بمستوى مختلف. فالتغيرات الخفيفة في الطريقة التي تقارب وتحسب بها التأثيرات الفيزيائية, وليس التغيرات في الشروط البدئية, يمكن أن تقود إلى سيناريوهات مستقبلية مختلفة جداً. تسمى هذه الظاهرة "عدم الاستقرار البنيوي" structural instability. وإذا كانت التصاميم الكمبيوترية بالفعل غير مستقرة بنيوياً بشكل متأصل, فإن تصميمين محاكيين بدقة شديدة للأحداث الفيزيائية في الغلاف الجوي وفي المحيطات سوف ينتجان بشكل دائم تقريباً تنبؤات مختلفة جوهرياً. ومن المستبعد في تلك الحالة أن تتوافق تصاميم التنبؤ المناخي إحداها مع الأخرى.

وإذا كان ماك ويليامز يقر بأنه لا يستطيع أن يبرهن أن التصاميم المناخية هي غير مستقرة بنيوياً, إلا أنه في مقالة نشرها في 22 أيار 2007 في دورية Proceedings of the National Academy of Sciences يطرح الكثير من الشواهد والأدلة في ذلك الاتجاه, ويقول بشكل شبه جازم:"حتى لو لم يكن في متناولنا جميع التصاميم المتاحة التي يمكن أن نصنعها نحن أو أبناؤنا, يمكننا منذ الآن رؤية أن تلك التصاميم لن تتلاقى على جواب دقيق, وعندما نمر بمرحلة تغير مناخي فمن غير المحتمل أن تتفق نشرات التنبؤ المناخي فيما بينها بشكل أكبر مما هي الآن".

مع كل ذلك تقدم التصاميم المناخية معلومات قيمة وحاسمة. فقد أحدثت تطورات كبيرة في فهم العلماء لديناميكيات المناخ. وأبعد من ذلك لا تضعف التناقضات بين التصاميم معظم الاستنتاجات الحاسمة لمخططات المناخ, ويضرب ماك ويليامز مثالاً على ذلك فكرة أن المستويات الزائدة لغازات البيوت الزجاجية الناتجة عن النشاط البشري تسبب ارتفاع حرارة الأرض وسوف تستمر في فعل ذلك. ولا يفوته أن يعترف بأن كل تصميم مناخي قابل للتصديق أينما تم تصنيعه قد أشار إلى نفس الاستنتاج, ويذكر أن طواقم من علماء المناخ الأذكياء قد حاولوا إنتاج تصميم لا يظهر سخونة مستقبلية, ولكن أحداً منهم لم يكن قادراً على ذلك بطريقة مقنعة.

على كل حال ينصح ماك ويليامز مصنعي التصاميم المناخية بتغيير مقاربتهم للتنبؤات الكمية الناتجة. فالناس- حسب رأيه- لا يتوقعون ولا يطمحون إلى كمال في التصميم. وبدلاً من ذلك يجب على المصممين أن يستكشفوا المجال الكامل للسلوكيات التي يحتمل أن تسلكها التصاميم المناخية عند التغيير المنتظم لطريقة بنائها وتركيبها, مما يتيح رؤية كامل مجال التنبؤات التي يمكن أن تعطيها تلك التصاميم.

من هذا المنطلق سوف لن يستننتج الباحثون ببساطة رقماً مفرداً للتنبؤ بمعدل درجة حرارة الأرض التي يمكن أن تنتج عن مضاعفة مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي. وعوضاً عن ذلك سيكون هناك طاقم من آلاف التصاميم التي تعطي مجالاً واسعاً من الاحتمالات لدرجة الحرارة الممكنة.

يبدو أن بعض الباحثين قد بدؤوا مؤخراً بالعمل اعتماداً على الرؤية السابقة, ففي جامعة أكسفورد في بريطانيا يقوم فريق من الباحثين بإدارة مشروع سمي شبكة التنبؤ المناخي Climateprediction.net وهم يستخدمون القدرات الكمبيوترية لمتطوعين من كل أنحاء العالم لإحداث حوالي 150,000 تغيير على تصميم مناخي سبق أن طوره الباحثون أنفسهم. تجدر الإشارة هنا إلى أن بإمكان من يشاء الانضمام إلى هذه التجربة كمتطوع عبر موقع الانترنت الذي يحمل نفس الاسم. وبالنسبة لنتائجهم فقد أظهرت الجولة الأولى أن التصاميم المناخية يمكن أن تتنبأ بالسخونة المستقبلية الممكنة كمجال أوسع بكثير مما أظهرته التصاميم سابقاً, فوفقاً لنتائج تصميمهم يمكن أن ترتفع درجة حرارة كوكب الأرض بحدود 11 درجة مئوية إذا ما تضاعفت مستويات ثاني أكسيد الكربون. وهذا يختلف كثيراً عن النتيجة التي توصل إليها سابقاً فريق حكومي توقع أن يكون الارتفاع 2- 5 درجات مئوية. ومع ذلك تكون هكذا نتيجة متجاوزة للمألوف مستبعدة تماماً.

من الطبيعي أن تثير آراء ماك ويليامز الجدل, خصوصاً بين المصممين الذين انقسموا بين مؤيد ومعارض. يقول أحد المعارضين لآراء ماك ويليامز, وهو مصمم مناخي في جامعة برن في سويسرا, يدعى ريتو نوتي:" أتوقع مع مرور الوقت أن تعطي التصاميم نتائج متشابهة بشكل متزايد". ويحاجج عن رأيه بأن العلماء قد طوروا خلال السنوات العشر الأخيرة تصاميم حديثة أقل تعقيداً من التصاميم القديمة التي طورت خلال العقود السابقة, وهي تجعل مجال النتائج واسعاً أكثر منه متناقضاً.

لكن ماك ويليامز يرد على هؤلاء بالقول:"إن مجتمع المصممين بحاجة إلى التمسك بهذه الفرضية حالياً لكي يستطيعوا التأكد من قدرة التصاميم على الإجابة عن الأسئلة التي توجه إليها". وهو يستذكر نظرية كورت غوديل الذي برهن أن بعض العبارات الرياضية ليست صحيحة بشكل مثبت وليست خاطئة بشكل مثبت, ويعتبر تلك النظرية إشارة تحذيرية قوية إلى ضرورة أن يتأكد المرء من أنه يطرح السؤال الصحيح قبل أن يرهق نفسه في محاولة الإجابة عليه!.

 

المصدر: www.aciencenews.org

د. عمار سليمان علي