البراغماتية الأميركية: واشنطن تدعم الإرهاب!

البراغماتية الأميركية: واشنطن تدعم الإرهاب!

أخبار عربية ودولية

الخميس، ١٢ يناير ٢٠١٧

ماهر الخطيب
 على وقع المصالح المشتركة بين الولايات المتحدة الأميركية والحكومة التركية، يبدو أن واشنطن تقع، من حيث تدري أو لا تدري، في جملة واسعة من التناقضات، لا سيما على مستوى الإدعاء بالعمل على مكافحة المنظّمات الإرهابية، فهي منذ سنوات تراقب التحوّل السلبي في علاقاتها مع أنقرة، وتسعى بكل الوسائل إلى منعها من الذهاب نحو المزيد من التأزم.
من حيث المبدأ، لم يعد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يراهن على أي تغيير في سلوك الإدارة الأميركية الحالية برئاسة باراك أوباما، وأغلب التصريحات التي يدلي بها المسؤولون في أنقرة تشير إلى أنهم لا يتوقعون الإستمرار بالنهج نفسه، من جانب الرئيس الجديد في الولايات المتحدة دونالد ترامب.
الخلافات بين الجانبين لا تتوقف عند المواقف من الملفات الملتهبة على مستوى منطقة الشرق الأوسط، بل تشمل أيضاً القلق الأميركي من الأوضاع الداخلية في أنقرة، لا سيما في ظل التحديات التي أفرزتها الإجراءات التي قامت بها الحكومة التركية بعد محاولة الإنقلاب العسكري الذي تعرضت له، خصوصاً على مستوى قضايا الحريات العامة وحقوق الإنسان، من دون تجاهل الأزمة الناجمة عن رفض واشنطن تسليم المعارض التركي فتح الله غولن، لكن هذا لا يلغي أن أنقرة تبقى شريكاً إستراتيجياً بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فهي العضو الفاعل في حلف شمال الأطلسي، وتحتضن قاعدة أنجرليك الجوية التي تحتاج إليها واشنطن في عملياتها العسكرية في الشرق الأوسط.
وفي حين سعى المتحدث الرسمي باسم البيت الأبيض جون كيربي، في اليومين الأخيرين، إلى التأكيد بأن وزارة العدل الأميركية جادة بدراسة الأدلة على تورط منطمة غولن بالمحاولة الإنقلابية الفاشلة في تركيا، لا يمكن التغاضي عن الإختلاف في وجهات النظر بالنسبة إلى الملفات الإقليمية، من سوريا إلى العراق ومصر إلى العلاقات مع الجانب الروسي بالإضافة إلى المسألة الكرديّة، التي تبقى الهاجس الأكبر بالنسبة إلى الرئيس التركي، وباتت تطرح نفسها لدى البحث في مستقبل العلاقة بين الجانبين.
في هذا السياق، عمدت أنقرة، في الفترة التي كانت تشهد فيه العلاقات الأميركية الروسية برودة لافتة، إلى التقارب مع موسكو، لا بل الذهاب إلى إطلاق مسار مفاوضات سياسية معها حول الأزمة السورية، من المفترض أن يستكمل في المؤتمر المزمع عقده في العاصمة الكازاخستانية آستانة، في وقت كانت فيه قيادة التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، الذي تقوده واشنطن، تؤكد أنها لن تشارك في معارك عملية "درع الفرات" في مدينة الباب، الأمر الذي دفع أردوغان إلى الإعلان أن بلاده لديها أدلة على تقديم التحالف دعمه إلى جماعات إرهابية منها تنظيم "داعش".
على هذا الصعيد، يبدو الخلاف على المسألة الكردية هو الملف الأبرز على مستوى العلاقة بين الجانبين، نظراً إلى أن واشنطن تعتبر أن "قوات سوريا الديمقراطية"، التابعة لحزب "الإتحاد الديمقراطي"، هي الحليف الأساسي لها على الساحة السورية، في حين أن أنقرة تعتبرها منظمة إرهابية لا تختلف عن "داعش" وجبهة "النصرة"، لكن المفاجأة هي أن واشنطن لم تتردد، في سياق السعي إلى إرضاء تركيا، عن وضعها حزب "العمال الكردستاني" على قائمة المنظمات الإرهابية الخاصة بها، في حين أن "الإتحاد الديمقراطي" برئاسة صالح المسلم يُعتبر الجناح السوري لـ"العمال الكردستاني" بزعامة عبدالله أوجلان، فكيف تستطيع الولايات المتحدة تصنيف الأصل "إرهابياً" وتعتبر التابع له حليفاً إستراتيجياً؟

في المحصلة، لا تجد واشنطن أن هناك ما يمنع تضامنها مع تركيا ضد "الإرهاب"، لكنها في المقابل لا تمانع التحالف مع هذا "الإرهاب" نفسه في سوريا طالما يحقق مصالحها، لكن في ظل معارضة أنقرة لهذا المسار عمن ستتخلى الولايات المتحدة في نهاية المطاف؟

النشرة