داعش يتقلّص في العراق وإنهاؤه لن ينهي التحديات

داعش يتقلّص في العراق وإنهاؤه لن ينهي التحديات

أخبار عربية ودولية

الثلاثاء، ١٧ يناير ٢٠١٧

أكثر من 90 يوماً مرَّت على عملية «قادمون يا نينوى» التي أطلقها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي لتحرير مئات القرى والمدن التي سيطر عليها تنظيم «الدولة الاسلامية» (داعش) العام 2014 وأعلن خلافته وعاصمته الموصل من الجامع الكبير ليطلق حمام دم طال كلا من العراق وسورية ودولاً أخرى مجاوِرة وبعيدة.
واستطاع الجيش العراقي والشرطة الفيديرالية وقوات «الحشد الشعبي» لا سيما قوة مكافحة الأرهاب المعروفة سابقاً بـ «الفرقة الذهبية» تحرير أكثر من 200 قرية ومدينة. وشاركت قوات «البشمركة» الكردية بجزء من المعركة بمحاصرة حويجة (غرب كركوك) والتقدم شمال الموصل لاغلاق الطريق على اي انسحاب ممكن لـ «داعش» خارج عاصمة نينوى (الموصل) بعد محاصرته.
وبعد 90 يوماً، يجد تنظيم «داعش» قواته محاصَرة بالكامل داخل الموصل – او بالأحرى جزء منها – في أعقاب تحرير القوات العراقية أكثر من 90 في المئة من الساحل الأيسر، ووصولها الى الجسور التي تفصل شرق الموصل المحرَّر عن غربه بعدما جابهت أكثر من 800 عملية انتحارية راجلة وبالسيارات، وهو الاسلوب الذي يجيد «داعش» استخدامه وتعوّدت عليه القوات العراقية واستطاعت إفشال معظمه قبل الوصول الى الهدف.
وعملية «قادمون يا نينوى» لا تقتصر فقط على الموصل، بل تشمل قرى عدة شرق وجنوب وغرب الموصل استطاعت القوات العراقية تحريرها بالتزامن مع عملية عاصمة نينوى. واليوم تحاصر القوات العراقية مدينة تلعفر (غرب الموصل) وتُفْشِل محاولات متعددة من تنظيم «داعش» للخروج في اتجاه سورية.
اما في الموصل، فان فقدان البيئة الحاضنة لـ «داعش» وتصميم القوات العراقية ساهما كثيراً في تحرير غالبية شرق الموصل حيث تدور المعارك حول الأحياء الخمسة المتبقية بما فيها القصور الرئاسية والغابات.
وقد ساعد الاهالي وتَعاوُنهم في إلقاء القبض على عدد كبير من مسلحي «داعش» الذين بدّلوا ثيابهم وحلقوا ذقونهم أملاً بعدم التعرف عليهم من سكان القرى العراقية المهاجَمة. وكذلك ساعد سكان الموصل في الإرشاد الى قواعد «داعش» وأنفاقهم والسجون التي انتشر موقعها بين المنازل في المدنية التي كانت تملكها عائلات هربتْ عند احتلال هذا التنظيم للموصل العام 2014 او غادرتْها خلال وجوده فيها ولم تعُد، فصودرت بيوتها كما هو «قانون داعش» المطبَّق على كل مَن يغادر المدينة ولا يعود بحيث تصبح الاملاك الخاصة «عقارات الدولة الاسلامية» تبيعها وتؤجرها او تستخدمها مقرّات عسكرية.
ومن الواضح، بعد تدمير الجسور من قبل «داعش»، ان التنظيم ترك مشاغله ومقاومة ضعيفة لإبطاء الهجوم وليس وقفه، ليتأكد لأهل الموصل – حتى في الجانب الايمن (الغربي) – أن مصير «داعش» أصبح محسوماً وأنها قضية وقت فقط لينتهي وجوده في المدينة في الأسابيع المقبلة.
وبسقوط الموصل وعودتها الى حضن الوطن، وسقوط معاقل أساسية لـ «داعش» مثل الموصل ومستشفى السلام واكثر من 50 حياً في مدينةٍ يقطنها أكثر من مليون نسمة، تكون البنية التحتية لداعش انهارت تماماً وتجرّع أعضاؤها طعم الهزيمة تلو الاخرى.
ويروي قادة لـ «داعش» اعتُقلوا من القوات الأمنية ان زعيم هذا التنظيم ابو بكر البغدادي قال انه «سيعطي الموصل هدية اذا سقطت الفلوجة». فسقطت تكريت والفلوجة والرمادي وهيت وبيجي وكثير من المدن، واليوم سقط أكثر من نصف الموصل ليصبح هذا التنظيم منبوذاً من المجتمع العراقي بعدما تسبب بأكبر خسارة للمجتمع السنّي في العراق (وسورية) والذي كان البغدادي يدّعي بأنه يدافع عنه لان كل المعارك التي خاضها تنظيمه كانت في مدنٍ سنية تمتْرس خلفها وبداخلها وحارَب بين أزقتها ليتسبّب بخسارة فادحة لهذا النسيج العراقي.
وخسر كذلك كل مَن راهن على اقتتالٍ داخلي بين العراقيين في مرحلةِ «ما بعد داعش»، الا ان حكومة بغداد تعتزم العمل على مصالحاتٍ وتفاهمات مع المكوّن الكردي والسنّي والمكوّنات الأخرى التي واجهت أزمات كادت ان تقسم العراق الى دويلات.
واستطاع العبادي بناء أُسس تَفاهُم مع رئيس الاقليم الكردي مسعود برزاني لإدارة نينوى في شكل يؤدي الى نزع اي فتيل للفتنة تمهيداً لإمكان التعايش بين المكوّنات المختلفة الموجودة في المحافظة الشمالية (شبك وتركمان وايزيدية ومسيحيين وأكراد وعرب). إلا ان معركة السلم أصعب من معركة الحرب.
اما بالنسبة لعودة «داعش» الى العراق، فلا تزال هناك جيوب للتنظيم في الحويجة وعانة وراوة والقائم، إلا ان أفعاله ووحشيته سحبتْ الغطاء البيئي (داخل العراق) عنه وكذلك الغطاء الاقليمي الذي دعمه منذ انطلاقته لسببيْن أساسييْن:
1 – وجود قوات احتلال اميركية.
2 – دعْم الدول المجاوِرة للعراق للعمليات العسكرية من قبل تنظيمات غير نظامية.

إلا ان توجيه «داعش» لسلاحه ضدّ دول المنطقة وبعض العمليات الخارجية ضدّ الغرب، جعله وحيداً بعد وضوح أهدافه التوسعية الاستراتيجية وإعلانه العداء ضدّ الجميع. وبهذا فقَدَ الحاضنة الخارجية والداخلية ليبقي على عمليات محدودة من المتوقع ان تبقى لسنوات. أما الخطر الأكبر فهو لا يأتي من «داعش» بل من تنظيم «القاعدة» الذي دعا زعيمه للتأسيس للعودة الى العراق. وتملك «القاعدة» خبرة أوسع بكثير من «داعش» لاستيعابها البيئة الشعبية والعمل باستراتيجية التمكين الطويلة الأمد وتحييد المعارك الداخلية مع المذاهب الأخرى على أساس الاولويات لديها.

وان عودة «القاعدة» التي من المتوقع ان تستفيد من مخالفات «داعش»، هو احتمال كبير من الممكن شلّه او احتواء خطره فقط من خلال التوازن والمساوات والعدل بين كل مكوّنات الشعب العراقي.

والأكيد ان معركة الموصل لم تنته بعد ومن الممكن ان تبقى لأشهر مقبلة الى حين القضاء على «داعش» داخل المدنية. إلا ان إعادة بناء البنية التحتية في العراق وإعادة بناء النفوس وتجنُّب الانتقامات هو عملية من الضروري ان تخوضها بغداد بحنكة وانفتاح لرأب الصدع الوطني في العراق.