باحث في جامعة اكسفورد: سورية لم تكن مستقرة إلا في حقبة الاسد

باحث في جامعة اكسفورد: سورية لم تكن مستقرة إلا في حقبة الاسد

أخبار عربية ودولية

الجمعة، ١٧ فبراير ٢٠١٧

اعتبر الباحث في التاريخ الحديث بجامعة أكسفورد ومؤلف كتاب “خط في الرمل”، جيمس بار، أن اتفاق “سايكس بيكو” الذي وضع في العام 1916، وضع لرسم كل شي وكيلا تنعم المنطقة بسلام من خلال “سورية في النار، الإرهاب، قضية القدس، مشكلة قناة السويس″، مشيرا إلى أن الدول الإستعمارية العظمى خلقت في بداية القرن العشرين، شيطاناً يُسمّى الشّرق. وأسسّوا الشروط المثاليّة لحربٍ لا نهاية لها. قراءة جوهريّة لفهم رهانات هذا الشرق المُدمّر.

وفي حوار مع “لو نيفيل” الفرنسية، حول كتابه “خط في الرمل”، أوضح بار إن “سايكس بيكو”، معاهدة جرى التفاوض عليها في عام ١٩١٥ ووُقّعت في ١٦ أيار عام ١٩١٦، بداية الحرب العالمية الأولى، لتقاسم جثامين الإمبراطورية العثمانية، اتفاق بين بريطانية العُظمى وفرنسا، وروسيا أيضاً. مثّل بريطانية العظمى مارك سايكس، عضو في البرلمان، من الحزب المحافظ، فيما مثّل فرنسا جورج بيكو، دبلوماسي الأخير هو ابن جورج بيكو، المؤرّخ والكاتب والمحامي.

ولفت بار إلى إن “بيكو”، فضّل الإلتحاق بوزارة الخارجية في عام ١٨٩٨ على مواصلة مسيرة أبيه، وهو نفس العام المعروف باسم “سنة أزمة فاشودا” يبدو لي أن هذه الحادثة كانت بمثابة “المُلهم” بالنسبة له. فقد صُدِم من الطريقة التي كانت فرنسا قد انسحبت فيها في فاشودا، موضجا إنه “منذ ذاك الحين، أثّرت تلك الحادثة التاريخية على طريقته في التفاوض وأصبح بعدها مفاوضاً فذّاً. هذا بالنسبة للاعبي الاتفاق. أما على الأرض، فقد قسّم الاتفاق منطقة الشرق الأوسط إلى قسمين، وفقاً لخط مستقيم يبدأ من (من عكّا إلى نهاية كركوك) بحسب سايكس، هذه هي كلماته بالضبط، كما لُفظت في لحظات الاجتماع.

وبيّن بار إنه في “شمال هذا الخط، المنطقة الفرنسية، وفي جنوبه المنطقة الإنكليزية داخل هاتين المنطقتين، كانت توجد مناطق خاضعة لإشراف مباشر، كلبنان والجانب الساحلي لسورية، من قبل الإدارة الفرنسية، في حين كانت باقي المناطق “المنطقة العربية: دمشق، حلب، الموصل”، منطقة نفوذ، مضيفا بالقول: “أمّا بريطانية، فقد أشرفت إشرافاً إدارياً مباشراً على عكّا والكويت ومنطقة ما بين النهرين(العراق)، بينما خضعت مناطق جنوب سورية والأردن وفلسطين للنفوذ المباشر لها، يُضاف إلى ذلك مينائي حيفا و عكّا ومدينة القدس. مدن أخرى كالبصرة وبغداد كانت تتواجد في الجزء البريطاني”.

ولفت الباحث في التاريخ الحديث إلى أن “هدف الإنكليز كان منع الفرنسيين من دخول المدن المُقدسة، المدينة ومكة، كانت إنكلترا حينها تعتبر نفسها أعظم قوّة في العالم الإسلامي، حيث كانت تضم الإمبراطورية البريطانية أكبر عدد من المسلمين إذا ما أخذنا بعين الإعتبار وجود مصر والسودان والهند تحت نفوذها”، مشيرا إلى أن الفرنسيين أيضاً، كان تحت نفوذهم نسبة كبيرة من المسلمين، وكانوا، بصورة مُبهمة، مُقتنعين بقدرتهم على التحكّم بمناطق نفوذهم بضمّهم دمشق إلى حقيبتهم.

وتابع بار بالقول: “لاحقاً، علِم الإنكليز بوجود حقول نفط هامّة شمال الخط. وعند نهاية الحرب العالمية الأولى، أصبح هذا النفط رهاناً. لأن الإنكليز أدركوا أنه في حال اندلاع حرب عالمية أخرى، لن يُقال أن الأمريكيين سيأتوا لتقديم العون. بالتالي يجب تأمين مصادر إمداد البترول، خصوصاً في العراق، وكانت حينها البحرية البريطانية، أعظم قوّة في العالم، بحاجة ماسّة لهذا النفط”، مضيفا “بعد الحرب، عندما التقى لويلد جورج بكليمنصو في كانون الأول عام ١٩١٩، اُستأنفت المفاوضات من جديد: كليمنصو كان بحاجة إلى (لويد جورج) لاستعادة الألزاس واللورين، وبالمقابل يتنازل هو عن الموصل وكامل فلسطين. بصريح العبارة، لم تكن مسألة الشرق الأوسط تثير اهتمام كليمنصو كثيراً. لويد جورج من جانبه، كان لديه تربية دينيّة، والأماكن المقدّسة كانت تعني الكثير بالنسبة له. يُضاف إلى ذلك وجود مصلحة استراتيجية: حماية قناة السويس”.

واعتبر بار إن اتفاق سايكس بيكو هو “أحد الأسباب الرئيسية في الفوضى الحالية. فسايكس وبيكو لم ينجحا في الاتفاق على مستقبل فلسطين، سايكس كان يريد هذه الأرض لأسباب استراتيجية، بينما جورج بيكو كان يعطي أولوية للمسائل الدينية والتاريخية. وهنا يوجد تفصيل مهم: وقّع جورج بيكو الاتفاق بالحبر الأسود، في حين سايكس وقّعه بالرّصاص الأسود، هذا يفسّر كل شيء”.

وفيما يخص تكرار سيناريو سايكس بيكو في سورية، قال بار: “لقد كانت سورية دائماً دولةّ غير مُستقرّة، باستثناء حقبة الأسد، مهما كان رأينا حول هذه العائلة، كانت سورية دائماً مسرح مواجهات بين الدّول العظمى. ففي عام ١٩٥٧، على سبيل المثال، حاول الأمريكيون والإنكليز إسقاط الحكومة السّوريّة الموالية للاتحاد السوفييتي واستبداله بمجموعة شخصيّات من اليمين، بمساعدة العراقيين. والأكثر غرابة أن سورية ليست دولة نفطيّة، بل إن مصدر النزاع الوحيد، هو موقع هذا البلد، الّذي يعتبر مُلتقى طرق لبلدان وأمم مختلفة”.

وختم بار حديثه بالقول: “جورج بيكو كان دبلوماسي محترف وصارم. في حين لم يكن مارك سايكس على اطّلاع كافٍ بالدبلوماسيّة، بل كان متغطرساً، هذان الشّخصان أسّسا الشروط المثالية لكي لا يَنْعم أحداً بالسّرور، واستحدثا سلاماً يشبه الحرب إلى حد كبير”.