مسارات جنيف.. ترحيل التناقضات وقوننة الصراع

مسارات جنيف.. ترحيل التناقضات وقوننة الصراع

أخبار عربية ودولية

الأربعاء، ٢٢ فبراير ٢٠١٧

 منذ جنيف الأول وصولاً إلى الرابع .. تبدل كثيرون من القادة والرؤساء والوسطاء .. تغيرت خارطة سورية بالنسبة لتوزع القوى الفاعلة .. وبقيت الأزمة، مسارات الحل كان عنوانها جنيف، وها قد وصلت إلى محطتها الرابعة، هنا استعراض لأبرز تلك الجولات:
جنيف 1: خطة "كوفي عنان"

في الثلاثين من حزيران عام 2012 عُقد مؤتمر جينف الأول، يومها أعلن المبعوث الأممي والعربي إلى سورية كوفي عنان في كلمته خلال الافتتاح: "تلوح في الأفق أزمة دولية بالغة الخطورة".

ضم المؤتمر: الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، إضافة إلى تركيا وقطر والعراق والكويت.

تفاصيل كثيرة سبقت ورافقت وأعقبت المؤتمر، والنتيجة كادت تكون صفراً.

تبنى المجتمعون ما كان يعرف بخطة عنان، ذات النقاط الست، وكان من أبرزها: "الالتزام بعملية سياسية شاملة يقودها السوريون، ووقف جميع أعمال العنف المسلح"، وذهب "بيان جنيف" في حيثيات وتفاصيل تلك العملية.

أكثر النقاط إثارة للجدل لاحقاً، كانت تلك المتعلقة بالمرحلة الانتقالية:

جاء في البيان أن المجتمعين "اتفقوا على مبادئ وخطوط توجيهية للقيام بعملية انتقالية سياسية تلبي التطلعات المشروعة للشعب السوري" ثم تحدث عن "إقامة هيئة حكم انتقالية باستطاعتها أن تُهيّئ بيئة محايدة تتحرك في ظلها العملية الانتقالية"

البيان الختامي للمؤتمر شكل الوثيقة التي ما زالت مرجعية أساسية لدى جميع الأطراف، لكن: كان الخلاف ـ وما زال ـ على التفسير.

لم يكد المؤتمر ينهي أعماله ويعلن الاتفاق على ما اعتبر مرتكزات الحل السياسي للأزمة السورية (ببيان جنيف) حتى ظهرت الخلافات:

وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك، هيلاري كلينتون، أعلنت أن مؤتمر جنيف "يمهد لمرحلة ما بعد الأسد".، وسرعان ما أعلن وزير الخارجية الروسي آنذاك وحالياً سيرغي لافروف "أن البيان الختامي للمؤتمر لا يتضمن شرط تخلي الأسد عن منصبه".

نقاط بقيت مثار جدل، وتجاذب في التفسيرات، حتى موعد جنيف الثاني:

جنيف 2: مرجعية بيان جنيف 1

ذهب عنان، وجاء الأخضر الإبراهيمي مبعوثاً أممياً إلى سورية، جولات كثيرة، بين عواصم الدول ذات التأثير والمصالح في سورية، وأزمتها، تنتهي بالاتفاق على جولة جديدة من جنيف، عرفت طبعاً بجنيف الثاني، ومنذ ذلك الوقت بدأ الحديث بسخرية عن "جنيف الرابع والعشرين بعد المئة"

في الثاني والعشرين من كانون الثاني عام 2014، انطلق جنيف الثاني لكن من "مونترو" السويسرية.

مدينة جنيف كانت مشغولة بحدث أكثر أهمية بالنسبة لسويسرا: "معرض دولي للساعات، وكل الفنادق محجوزة"

أكثر من أربعين دولة شاركت في المؤتمر، لكن بقي غياب "إيران" أحد أبرز عوامل الخلافات القائمة، واللاحقة.

كان هدف المؤتمر مناقشة تفاصيل تطبيق بيان جنيف الأول. ممثلو الائتلاف السوري المعارض (المدعوم من السعودية) دعوا لتطبيق فقرة "هيئة الحكم الانتقالي" وعاد الحديث إلى تفاصيل بيان جنيف، وقراءات: هيئة الحكم الانتقالي، أم: الحكومة الانتقالية، بينما أكد الوفد الرسمي السوري على ضرورة الاتفاق على محاربة الإرهاب أولاً، وقبل أي حديث في شكل الحكم.

فشل جنيف الثاني في تحقيق أي شيء.

وقدم الإبراهيمي، في مؤتمر صحفي، الاعتذار للشعب السوري على فشل المؤتمر:

"الحكومة تعتبر أن أهم مسألة هي الإرهاب فيما ترى المعارضة أن الأهم هو سلطة الحكومة الانتقالية" وتابع "من الأفضل أن يعود كل طرف إلى دياره ويفكر بمسؤولياته ويقول ما إذا كان يريد أن تستمر هذه العملية".

بقيت الخلافات الأساسية على حالها: من يمثل المعارضة؟ أيهما أولى: محاربة الإرهاب، أم التغيير السياسي؟ ولم يتم تحديد موعد لجولة جديدة.

جنيف 3: مرجعية القرار 2254

جنيف 3 سيرتبط باسم المبعوث الأممي الجديد: ستافان دي ميستورا.

وقبل جنيف الثالث كان ثمة مرتكز جديد اتفقت عليه الدول العظمى وبالإجماع، وصار وثيقة جديدة إلى جانب بيان جنيف، إنه القرار 2254 الذي صدر عن مجلس الأمن نهاية عام 2015.

تضمن القرار تأكيداً على "وحدة الأراضي السورية" و"تسوية الأزمة السورية عبر عملية سياسية، تحقق التطلعات المشروعة للشعب السوري، وتتم من قبل السوريين أنفسهم، مع الأخذ بالاعتبار أهمية التنفيذ الكامل لمقررات بيان جنيف بتاريخ الـ 30 يونيو عام 2012". حدد القرار أفقاً للعملية السياسية التي انطلق جنيف على أساسها.

وفي مطلع عام 2016 شهدت جنيف محادثات جديدة .. كان من المقرر أن تنطلق المحادثات في شباط إلا أنها تأجلت حتى آذار.

المفاوضات الأكثر تعقيداً تلك التي شهدتها جولات جنيف الثالثة، بدءاً من عدم الاتفاق على موعد المحادثات وليس انتهاء بإعلان فشلها كما كان متوقعاً.

كان مقرراً انطلاقها مطلع عام 2016 قبل تأجيلها مرات.

برزت مسألة تشكيلة وفد المعارضة، فالجهات التي ترى فيها بعض الدول ومنها تلك المنبثقة عن "مؤتمر الرياض" معارضة، كانت ترى فيها دمشق "صنيعة" لدول أخرى، ولا تمثل المعارضة "الوطنية" ولهذا كان رئيس وفد الحكومة السورية يتحدث عن وجود "معارضات" لا "معارضة سورية" واحدة. يضاف إلى ذلك الخلافات حول فصل "الإرهابيين" عن "المعارضة المعتدلة" وهو ما بذلت موسكو في سبيله كثيراً من الحبر والتصريحات، والنقاشات.

مطلع شباط من 2016 التقى المبعوث الأممي دي ميستورا وفد "معارضة الرياض" واعتبر اجتماعه بالوفد "بداية رسمية للمفاوضات". وأعلن أنه سيلتقي الوفد الحكومي في اليوم التالي.

بعد لقائه الوفد الحكومي أعلن ميستورا تعليق المحادثات حتى 25 من الشهر ذاته.

اتهامات متبادلة بالمسؤولية عن فشل المفاوضات، الوفد الحكومي قال إن "وفد الرياض أتى إلى جنيف بقرار سعودي قطري تركي لإفشال المحادثات".

بينما قال رئيس وفد "الهيئة العليا للمفاوضات" رياض حجاب إن الوفد "لن يعود إلى جنيف ما لم يتم إحراز تقدم في المجالات الإنسانية في سورية".

وعادت الوفود، كل من حيث أتى.

موعد جديد أعلنه دي ميستورا: جولة جديدة في 14 آذار وحتى 24 منه.

محادثات مكوكية غير مباشرة، كانت تعقد معها وبالتوازي جولات أخرى بين القوى الأساسية ذات التأثير: وزير الخارجية الأمريكي يبحث مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، ومع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "المرحلة الانتقالية" وخاصة ما يتعلق بدور الرئيس السوري بشار الأسد.

انتهت المفاوضات بإعلان وثيقة جديدة حول الأزمة السورية: المبعوث الأممي أعلن وثيقة "مبادئ الحل السياسي في سورية"، تتضمن مواد عن "تشكيل جيش موحد، بعد انضمام المجموعات التي ستقبل بالدستور الجديد إليه، وحكومة انتقالية، وضرورة مكافحة الإرهاب" إضافة إلى الكلام الدائم عن وحدة سورية واستقلالها. (وهو ما صار مهدداً فعلياً ومنذ زمن، إذ كانت "الفيدرالية قد أعلنت رسمياً في سورية، وفي خضم النقاش في جنيف الثالث).

انتهت المفاوضات على أن تستأنف في الشهر القادم، نيسان، لكن ذلك لم يحدث.

جنيف 4: مرجعية أستانا

جولة جديدة ستعقد في جنيف، صار رقمها 4.

لكن هذه الجولة ستبنى لأول مرة على لقاءات أستانا، وهي المحادثات التي كانت برعاية روسية إيرانية تركية، دون أن يكون الدور الأمريكي فيها فاعلاً.

لقاءات تمت خلالها محادثات غير مسبوقة بين الوفد الحكومي السوري، وبعض من كانت تسميهم دمشق، وبقيت، "التنظيمات الإرهابية المسلحة". طبعاً مع استثناء التنظيمات المصنفة دولياً على أنها إرهابية، كداعش، والنصرة.

لقاءات سبقها إعلان روسي بهدنة في سورية، بدت صامدة رغم الخروقات، ومنذ بدء جولات أستانا، في 24 كانون الثاني الماضي، بدأت وسائل الإعلام تنقل عن الوفود المشاركة حديثاً عن "نجاح" اللقاءات، والاتفاق على أسس وإن بقيت محصورة في "تثبيت الهدنة"

...

بين السياسة والميدان

جنيف الرابع .. يعقد بعد جولات "ناجحة" في أستانا، وكانت ناجحة لأن الخلافات الجوهرية كانت ترحل إلى جنيف.

ربما سيتجاوز أطراف المحادثات مسألة "محاربة الإرهاب" وهو البند الذي كانت دمشق تضغط دوماً ليكون على رأس الأولويات، فهو مما تمت مناقشته في أستانا، وإن بطريقة مواربة، وصارت كل التنظيمات التي لم تعلن انضمامها لأستانا، ضمن مرمى النيران، سواء كانت إرهابية في التصنيف الدولي أم غير ذلك.

في المقابل، سيكون من المستبعد أن تطرح "المعارضات" مسألة بقاء الرئيس الأسد، فهذه أيضاً من النقاط التي تم بحثها بطريقة مواربة في أستانا.

ستعود السياسة لتؤطر الميدان، بعدما وضعت وقائع الميدان أسس السياسة، ليبقى أن يبحث المجتمعون في جنيف، الاتفاق على القضايا الجوهرية، لكنها التفاصيل، في الأزمة السورية: دستور جديد، هيئة انتقالية بإرادة سورية ـ سورية، الحفاظ على وحدة سورية.

قضايا تخفي في طياتها صراعاً محلياً ذا امتداد إقليمي ودولي.

...

في أول جولات جنيف (30 حزيران 2012) ناشد كوفي عنان المبعوث الأممي والعربي إلى سورية آنذاك القوى العالمية للتوحد "بشأن خطة سلام في سورية". ومنذ ذلك التاريخ حذر من "أزمة دولية بالغة الخطورة، تلوح في الأفق" وقال إن عدم التوصل إلى حل "قد يشعل المنطقة ويفجر أزمة دولية"