أردوغان على موعد مع المقصلة الأوروبية ورسائل الإرهاب سترتد إليه

أردوغان على موعد مع المقصلة الأوروبية ورسائل الإرهاب سترتد إليه

أخبار عربية ودولية

السبت، ٢٥ مارس ٢٠١٧

إن ما يحدث في أوروبا يظهر كأنه تحول إلى “الرعب الحقيقي الظاهر العائد من الشرق”، في حالة ارتداد عكسية كنتيجة شبه طبيعية لما يجري، وتحدثت فيه كثيراً عن تصوري لما يجري وفق المنطق الشخصي وبناء على وقائع ومعطيات الحالة التي يعيشها العالم، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط التي تتمحور في سورية وحول سورية منذ عدة سنوات، منذ أن بدأ تنفيذ مشروع ما يسمى “الربيع العربي”، حيث بات المشرق العربي ساحة الإقتتال والتمزيق وتدمير جيوش ومقدرات الدول العربية، من العراق كخطوة أولى في عام 2003، حتى وصلنا إلى هذه اللحظات العصيبة التي تعصف بكل المنطقة، في كل دولة على حدة أو مترامية الأطراف في دول أخرى، وتتقاطع بين دول أخرى بحكم الجغرافيا والخرائط الجيو سياسية والمصالح الإقتصادية وما عداها، لتعود وتلتقي عند ذاك الذي تاه في غمرة هذه التشابكات على المستويين الإقليمي والدولي، بحثاً عن الحصة الكبرى في كعكة “الربيع العربي” المحروقة، والتي فاحت رائحة الدم والقتل منها إلى ما شاء الله قدر وفعل، وتطايرت شظاياها حتى وصلت إلى الغرب الذي جاء منه هذا الشر، الذي راح يستخدمه ويستثمره كل طرف وفق ما يحلو له أو بالأحرى وفق أجنداته ومصالحه الخاصة، بعد أن تفتتت خارطة الطريق إلى ما سمي بالشرق الأوسط الجديد.

الغوص في التفاصيل هنا يطول جداً ولكن النتيجة واحدة، وهي أن العالم جنَّ بكل ما تعنيه الكلمة غابت المرجعيات الدولية عن الساحة بثقلها، وبوزنها المفروض لتطبيق الشرعية الدولية على ما يجري، والتي كانت بالأصل وما زالت تحت سيطرة المحور الذي يتقهقر حالياً بقيادة الولايات المتحدة، ويعيش أزمات داخلية استغلت فيها القوى غير الراضية عما وصلت إليه نتائج سياساتهم لتحقيق أي تغير ولو كان بالضربة القاضية، أو الإلتفاف بزاوية حادة، وليحدث ما يحدث فالأمر عندهم سيان، ولا فرق لدى هذه القوى كم من البلدان سوف تدمر وكم من الأبراياء ستسفك دماؤهم، ليس في الشرق الأوسط فقط بل في كل العالم المضرج بالدماء التي تسيل كنتيجة حتمية ومحسوبة أصلاً في  تنفيذ مخطط القرن، أو تطبيق الخطة المئوية الجديدة التي ما زالت طي الكتمان قهراً وليس رغبة، في ظل هذا السواد الذي تعمه الانقلابات وفوضى السلوكيات في التعاطي مع كل ما يجري لم يعد يعرف أحد، من مع من؟ ولا من ضد من؟ ومن سيغدر بمن؟  ومن يلتقي أو يتعارض مع من؟ على مبدأ أحد مسلسلات المقالب الاجتماعية السورية “مطيمشة ومنيمشة “.

نعم لقد تحولت الفوضى الخلاقة التي أتوا بها إلى الشرق العربي، إلى فوضى عالمية أقرب إلى ما هي خارجة عن السيطرة، وما يحدث حاليا في دول الغرب كفيل بشرح الكثير من المشاهد، وآخر مثال على ذلك الهجوم على مجلس الوزراء البريطاني مع غموض الحادثة، وغياب تفاصيل حقائق ما جرى ويجري، وقبلها في فرنسا، فمن نتهم هنا؟
هل نتهم السياسات الغربية ذات المصالح المتناقضة أصلا فيما بينها وفي الشرق الأوسط وحتى العالم ككل؟
ام نتهم الأبناء المدللين لهذه الدول من الإرهابيين والمجموعات المسلحة التي بدأت تعض اليد التي امتدت لها؟
ام نتهم زعماء وقيادات بعض الدول الإقليمية ممن رعوا الإرهاب ودعموه بكل ما لديهم من قوة وإمكانات حتى وصل  البل الى ذقونهم؟
وهل ياتي تصريح أردوغان مؤخراً إثر التوتر الذي حصل بينه وبين بعض دول الاتحاد الأوروبي في هذا السياق المنحرف ؟ حيث قال أردوغان وعلناً  قبل حادثة فرنسا ولندن بوقت قصير جداً، إن المواطنين الأوروبيين لن يكونوا آمنين في شوارع أوروبا، وهنا يطفو الى السطح تساؤل  مهم وخطير ويختصر بكلمتين: ما الخطب؟ والإجابة عليه صعبة للغاية في ظل البحث بين الواقع والحقيقة، وبين التهور الذي تعودنا عليه من تركيا، ومن أردوغان شخصياً، فهل هذا التهور مقطع أكشن من مقاطع أردوغان الهوليودية؟ أم أنه يعود الى ما كتبه الكاتب التركي البروفيسور أحمد نيسين الذي توجه إلى أردوغان بالسؤال عن هوية رئيس وزراء إحدى الدول الأوروبية، حيث قال له أردوغان إن لم تنفذوا ما أطلبه منكم فإنني سوف أرسل إليكم أكثر عناصر تنظيم داعش خبرة بدلاً من أن أرسل لكم اللاجئين، حينها سأله رئيس وزراء تلك الدولة، أتسمع أذناك ما تقوله يا سيد أردوغان ؟
هذه المحاورة وفق ما جاء في حديث الكاتب البروفيسور التركي “أحمد نيسين” والتي وصلت إليه من أحد أهم الإعلاميين في دول الإتحاد الأووربي، وهنا يتبادر الى الذهن سؤال جداً مهم، بناء على هذا الحديث بين أردوغان ورئيس وزراء تلك الدولة، ألا وهو: هل يمكن لأروربا أن تتهم أردوغان وحزبه وحكومته بالإرهاب؟
وهل سيجيب أردوغان على سؤال البروفيسور نيسين؟ ام أن دول الاتحاد الأوروبي جهزت المسرح وجهزت الضحايا ونفذت المسرحية بدماء حقيقية في مشهد تمثيلي أرادوا منه حشر أردوغان في الزاوية، وشد الخناق عليه بعد أن ثار كالثور الهائج كنتيجة لعدة مواقف لم ترق له من بعض دول الاتحاد الأوروبي الذي بات الحديث عن دخول تركيا في عضويته نكتة العصر بعد الرعونة التي يتصرف بها أردوغان مع الكل من حوله مهما كانوا قريبن أو بعيدين، أم بالمقابل هذه مسرحيات مشتركة بين الطرفين؟ الهدف منها الهروب إلى الأمام من خزي الخسارة في المنطقة وعلى وجه الخصوص في سورية أمام محور تقوده روسيا، التي تحاول إصلاح أبواب ومنافذ الحلبة الدولية التي تكسر بعضها أمام هيجان أصحاب الرؤوس الساخنة، ممن لم يستطيعوا تقبل الهزيمة ويعيشون صدمة الكابوس على حافة الهاوية لحفرة حفروها لغيرهم وهم يتراقصون على دماء الشعوب البريئة، وكيف لا؟ وسورية وحلفاؤها إستطاعوا أن يخدعوا الجميع على أبواب جنيف، بعد أن صار شبحاً أسوداً في ذكره، تعودنا على دموية الأيام التي تسبقه في كل مرة، نفس القوى ونفس الإرهاب ونفس المجموعات، ونفس الطرق في محاولات الضغط من خلال الإرهاب والترهيب، والقتل في كل مكان بشكل عشوائي لا يفهمه حتى من ينفذه، لكن هكذا هي الخطة وهكذا هي الأوامر على الأرجح وفق خطة دقيقة ومحكمة ما يدل على أن هذه العمليات جاءت بتخطيط وتمويل وإيعاز من بعض الدول الإقليمية وفق الرسائل التي وجهتها الجمهورية العربية السورية إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن، توجه فيها سورية أصابع الإتهام إلى كل من تركيا والسعودية وقطر بإصدار الأوامر لهذه المجموعات لتنفيذ هذه الإعتداءات التي من شأنها التأثير على محادثات جنيف والإجهاز على نتائج لقاءات أستانة، مؤكدة أن لديها دلائل قاطعة ضد أجهزة مخابرات هذه الدول تثبت فيها ضلوعها في الدعم الوجستي وبالسلاح والتمويل المالي.

بالفعل وفق التقاير الإعلامية والأخبار الموثقة نرى أن الهجمات الأخيرة التي قامت بها المجموات الإرهابية المسلحة على مختلف الجغرافيا السورية، من كل مكان ومن كل حدب وصوب، من فوق الأرض ومن تحت الأرض، شاركت وتشارك فيها الفصائل المسلحة التي وافقت على وقف إطلاق النار، وذهبت الى طاولة الحوار في أستانة التي اغتيلت اجتماعاتها مرات ومرات، وكانت تعود الى الحياة مرة أخرى بقدرة قادر، ارتكزت عليها العمليات النوعية للجيش السوري وحلفائه الروسي والإيراني ومن معهم من قوى المقاومة. إذا كيف إستطاعت سورية وروسيا أن تخدع الجميع في هذه المرحلة الحساسة والدقيقة ؟
نعم إستطاع الحلف الروسي السوري الإيراني أن يخرج الأفاعي كلها من أوكارها في آن واحد تقريبا مع وجود متابعة حثيثة لما كان يجري من تحضيرات لهذه العمليات، ما قرب منها وما إبتعد عن العاصمة دمشق التي إنتحر على أسوارها الآلاف من الإرهابيين في غزوات تحت مسميات مختلفة، لكنهم منيوا بفشل ذريع، وصدموا مرة أخرى مشغليهم الإقليميين والدوليين ولم يستطيعوا تقديم فواتير التمويل المقدم لهم من المال السياسي، حتى باتت هذه المجموعات الإرهابية المسلحة كالمحكوم بالإعدام الذي يسير بنشوة المنتصر من سجن حريته المزعومة إلى حبل المشنقة. نعم هذه هي الإستراتيجية الذكية التي عملت بها سورية بالتنسيق مع حلفائها، أخرجوا كل الأفاعي من أوكارها في آن واحد لتظهر على حقيقتها وحقيقة مستثمريها ومشغليها، وتقطع الطريق على كل اللاعبين الإقليميين والدوليين نحو ديمومة الإستنزاف عبر إطالة الوقت والطريق الى الحل السياسي المزعوم من قبلهم، تحت ذريعة العمل على فصل التنظيمات الإرهابية المسلحة عن الفصائل المعتدلة التي خانتها نشوة الوصول إلى أسوار دمشق، فقفز مقاتلوها كالوحوش وسقطوا كطائرات الورق التي مزقتها الرياح وكروا وفروا هاربين كالأرانب، ليستجمعوا قواهم الخائرة ليعاودوا الكرة وكأنهم أدمنوا على قتل أنفسهم كما أدمنوا على قتل نفوس الآخرين.

إنتهت فصول المسرحية الكبرى للشرق الأوسط الكبير، وتكسّرت مجاذيف أبطالها على أسوار دمشق، بالرغم من هول القتل والتدمير الذي يحاولون فعله، مهمتهم إنتهت فتركوهم ينتحرون ليتخلصوا منهم أفضل من أن يسلموهم إلى صاحب الأمر بمقايضة خاسرة بكل جوانبها. فهل سترضى هذه القوى وهذه الدول ومن معها من أذرع الإرهاب الحامل للموت بهذه الهزيمة؟ أم سيرضون بالموت بما أن شعاراتهم الأولى كانت “الموت ولا المذلة”، أو يلجأون إلى الله مؤمنين تائبين وهم من ناداه “يا لله مالنا غيرك يالله “؟ وهل ستسكب على رؤوسهم طناجرهم المغلية على مواقد بحر المعارك بفعل تلاطم أمواج النصر العاتية؟ بإختصار هل سيسلموا بالأمر؟ أم أنهم يحيكون مسرحية جديدة أكثر دموية وتدميراً رأس حربتها إسرائيل أو تركيا أو حتى السعودية؟

كل هذه التساؤلات لا أقدر من الإجابة عليها في الفترة القادمة من الجيش السوري وحلفائه، ولعل جنيف الحالي سيكون خشبة المسرح الذي يلفظ الكومبارس الذي لم يرتق لمرة واحدة الممثلين المحترفين أو تخطوا أفق الممثلين البائسين، ليقدم الحلف المناهض للإرهاب العالمي وعالمية الإرهاب نصاً واقعياً حقيقياً بعيداً عن التمثيل بأجساد خلق الله والتستر بقيمه ودينه وموعظته ، لتسقط خشبة مسرح الأنتيكا وسط ذهول وبئس من نالوا جوائز أوسكار جوراً وبهتانا.
فشل الجميع الأصيل والوكيل أمام الحنكة الروسية السورية وحلفائهما، ما فرض واقعا جديدا سيبرد الرؤوس الساخنة في الغرب، اما الولايات المتحدة فهي أجبن من أن تلجأ إلى تصعيد أكبر من ذلك لأن براغماتيتها ومصالحها أهم من أي شيء آخر، ويبقى من تبقى في الإقليم من دول تعلم تماماً أنها لا تعدو سوى فرق حساب، والمهم بالنسبة إليهم منها هو دفع ما تبقى من الفاتورة لمسلسل بائس فاشل في الإخراج والسيناريو والتمثيل.