الجزائر: رفض تدريس «الأمازيغية» يُحرك تظاهرات طلابية

الجزائر: رفض تدريس «الأمازيغية» يُحرك تظاهرات طلابية

أخبار عربية ودولية

الثلاثاء، ١٢ ديسمبر ٢٠١٧

خرج آلاف الطلبة في جامعات بجاية وتيزي أوزو والبويرة، وهي المحافظات الناطقة بالأمازيغية (البربرية)، شمالي شرق الجزائر العاصمة، إلى الشارع أمس، ليعبّروا عن غضبهم من عدم إعطاء اللغة الأمازيغية ــ أو ما يعرف بـ«تمازيغت» ــ المكانة اللائقة بها والاكتفاء فقط بترسيمها صُوَرياً، من دون أن يستتبع ذلك بإجراءات لتفعيل استعمالها كلغة رسمية ووطنية في الميدان.

وعبّر الطلبة الذين رفعوا شعارات تنتصر للهوية الأمازيغية، عن رفضهم لاستمرار هذا الوضع، لأنه يمسّ بأحد أهم عناصر الهوية الوطنية المنصوص عليها في الدستور، داعين السلطات إلى إظهار نياتها الحقيقية تجاه اللغة الأمازيغية، التي لا تكون ــ وفقهم ــ إلا بترقية هذه اللغة واستخدامها في المحررات الرسمية وتعميم تدريسها في كامل مناطق البلد.
وتعرضت هذه المسيرات لعرقلة من قوات الأمن التي تتعامل بحذر شديد معها، خوفاً من ركوب التيار الانفصالي في المنطقة للمواجهة وتحويلها لصالح مطلبه. ويتزعم مطرب قبائلي يدعى فرحات مهني، حركة الحكم الذاتي في القبائل، ويدير حكومة مؤقتة من باريس، وقد بدأ يستقطب إليه شباباً أصبحوا يؤمنون بالفكرة التي يسوقها.
وانفجر غضب الطلبة على خلفية رفض اقتراح، تقدم به «حزب العمال» المحسوب على اليسار، في البرلمان الجزائري، والذي يدعو إلى إدراج مادة جديدة في قانون الموازنة العامة تنص على «أن تسهر الدولة على تعميم تدريس اللغة الأمازيغية في كل المدارس العمومية والخاصة، على أن يكون التدريس إجبارياً في إطار تطبيق مخطط تدريجي». وجاء رد اللجنة المكلفة استقبال اقتراحات النواب، والمُشكّلة أساساً من حزبي الموالاة «جبهة التحرير الوطني» و«التجمع الوطني الديموقراطي»، برفض هذا الاقتراح، بداعي أن «السلطات العمومية بذلت وتبذل جهوداً معتبرة في مجال تدريس اللغة الأمازيغية، حيث تتضمن المنهج التربوية برامج تدريس هذه اللغة الوطنية، فضلاً عن أن ثمة هيئة وطنية تتمثل في المحافظة السامية للأمازيغية تتولى القيام بمهمة ترقية اللغة الأمازيغية وتطويرها».

يبرز خلاف حول
كيفية كتابة الأمازيغية بالحرف العربي أو اللاتيني

ويتماهى رأي الأغلبية البرلمانية مع وجهة النظر التي يرددها مسؤولون رسميون، يعتبرون أن الجزائر من خلال التعديل الدستوري الأخير (شباط/ فبراير 2016)، قد أنهت الجدل في موضوع الأمازيغية الذي دام عشرات السنوات في البلاد، بعد الاعتراف بها «لغةً وطنية ورسمية» والتعهد بترقيتها لتنال المكانة الدستورية التي أعطيت لها.
وبعد أن كانت العربية لغة رسمية وحيدة في الدستور الجزائري، أضاف التعديل الأخير مادة كاملة تجعل من الأمازيغية لغة رسمية أيضاً. وتنص المادة الرابعة من الدستور الحالي على أن «‬تمازيغت هي‮ ‬كذلك لغة وطنيّة ورسميّة‮، تعمل الدولة على ترقيتها وتطويرها بكل تنوّعاتها اللسانيّة المستعملة عبر التراب الوطني‮».‬ وتنص أيضاً على استحداث «مجمّع جزائري‮ ‬للّغة الأمازيغيّة‮ ‬يوضع لدى رئيس الجمهورية‮، ويستند هذا المجمّع إلى أشغال الخبراء،‮ ‬ويكلّف توفير الشروط اللازمة لترقية تمازيغت قصد تجسيد وضعها كلغة رسمية في ما بعد»‮.‬
بيد أن المشككين في نيات السلطات، بدؤوا يطرحون التساؤلات عن أسباب تأخر السلطات في إعداد القانون الذي يسمح بتطبيق هذه المادة الدستورية على الميدان. ويعتقد في هذا الصدد «حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية»، وهو الحزب المتجذر في منطقة القبائل، أن ثمة ما يشبه الاعتراف «الصوري» باللغة الأمازيغية من جانب السلطات في محاولة للالتفاف على مطالب مناضلي الحركة الأمازيغية الداعين إلى اعتراف حقيقي عبر اعتمادها في المؤسسات الرسمية. ويوضح هذا الحزب أن ترسيم اللغة الأمازيغية يعد شرطاً أساسياً من أجل أن تتصالح الجزائر مع هويتها.
وتبرز حالياً عدة إشكالات، مع ترسيم «تامازيغت»، من بينها كيفية كتابة هذه اللغة، إذ يحتدم الجدل في العادة بين الإسلاميين والعروبيين الذين يدعون إلى كتابتها بالحرف العربي وقطاع من «الفرنكوفونيين»، يدعو إلى كتابتها بالأحرف اللاتينية، في وقت لا يزال فيه استعمال حرف «التيفيناغ» الخاص باللغة الأمازيغية محدوداً جداً في الاستعمال ولا يتقنه إلا قلة من المختصين. ويثير تعميم تدريس الأمازيغية مخاوف أيضاً من رفض بعض المواطنين تدريس أبنائهم هذه اللغة، وبالتالي التسبب في شرخ داخل المجتمع. ويطرح من جانب آخر، إشكال في تدريس الأمازيغية بالنظر إلى تنوعها الشديد، حيث تختلف اللغة المستعملة في بلاد القبائل عنها في بلاد الشاوية ولدى الطوارق، وهي كلها لهجات تنهل من الأمازيغية.
ويرى رئيس «حزب الاتحاد الديموقراطي والاجتماعي»، كريم طابو، أن التخلص من هذه الإشكالات ليس أمراً صعباً، إذا توافرت الإرادة السياسية التي لا تزال غائبة، وهذه الإرادة لا تتجلى إلا إذا أُصدرَت القوانين التي تحدد الآليات الخاصة بتدريس الأمازيغية واستعمالها في شتى مناحي الحياة اليومية للجزائريين، وذلك بعد الاستعانة بالخبرة العلمية التي يوفرها الخبراء وعلماء التاريخ واللغويون وعلماء البيداغوجيا.
وأوضح طابو الذي عرف عنه نشاطه في القضية الأمازيغية، في تصريح إلى «الأخبار» أن النضال من أجل إعطاء الأمازيغية مكانتها الطبيعية في الجزائر، لا ينفصل أبداً عن النضال من أجل الحريات وتعزيز الديموقراطية واستعادة إرادة الشعب، مشيراً إلى أن السلطة في الجزائر حاولت فرض الرأي الواحد في المسائل السياسية والثقافية منذ الاستقلال، لكنها فشلت في هذا المسار، لأنه ضد طبيعة الجزائر المتنوعة ثقافياً ولغوياً. وأبرز أن الديموقراطية هي الوحيدة التي يمكنها احتواء الأفكار الداعية إلى الحكم الذاتي والانفصال، إذا أرادت السلطة أن تبقى الجزائر واحدة وموحدة.
ويستمر النضال من أجل التمكين للأمازيغية في الجزائر، منذ عشرات السنوات، إذ تمتد جذوره إلى أيام الحركة الوطنية في فترة الاستعمار الفرنسي. وبعد الاستقلال، اندلعت أحداث ما يعرف بالربيع الأمازيغي في سنة 1980 زمن الحزب الواحد، ثم تجددت المواجهات سنة 2001، فيما عرف بأحداث الربيع الأسود الذي سقط فيه ما لا يقل عن 100 شاب من منطقة القبائل.