نتنياهو المتهم بالفساد هل يلجأ الى الحرب لاستئخار نهايته السياسية؟

نتنياهو المتهم بالفساد هل يلجأ الى الحرب لاستئخار نهايته السياسية؟

أخبار عربية ودولية

الاثنين، ١٩ فبراير ٢٠١٨

مع توصيات الشرطة بإحالته إلى المحاكمة بتهمة حصوله على رشى، وإزاء إشادة النائب العام افيخاي مندلبليت بالكفاءة المهنية للشرطة في تحقيقاتها معه، بات بنيامين نتنياهو في نظر الرأي العام ومعظم وسائل الإعلام على عتبة نهايته السياسية. مع ذلك، ما زال زعيم تكتل الليكود ورئيس الحكومة الأكثر عناداً وتطرفاً في الحياة السياسية الإسرائيلية مصّراً على المكابرة بقوله إنه لن يغادر منصبه من دون قتال، مندداً بالذين حققوا معه، وزاعماً أنه كشف انقلاباً تحضّره قيادة الشرطة لاستبدال الحكومة الحالية من خلال تحقيق جنائي وشهادات كاذبة.
 
شهادات كاذبة؟
الوف بن، رئيس تحرير صحيفة «هآرتس» 2018/2/14 ردّ عليه بأنه لم يفنّد الوقائع القاسية التي نشرتها الشرطة، ولم ينكر أنه طلب وحصل على منافع شخصية ومبالغ مالية طائلة، ولم ينكر عملية مساومةٍ اجراها مع ناشر صحيفة «يديعوت احرونوت» للحصول على دعمٍ له في قنواته الإعلامية مقابل كبح صحيفة «يسرائيل هيوم» المنافسة له تجارياً. نتنياهو لم يناقش صحة الوقائع التي نشرتها الشرطة بل اكتفى بإعطاء تفسير مغاير لها.
 
أقوى الشهادات ضده جاءت من وزير المال السابق يائير لبيد، رئيس حزب «يوجد مستقبل» والمرشح الأبرز لخلافته في رئاسة الحكومة. لبيد كشف أن نتنياهو حاول تمديد «قانون ميلتشين» بغية منح إعفاءات ضريبية لرجال اعمال مقربين منه، وان من شأنه أن يوفّر لميلتشين هذا عشرات ملايين الدولارات.
 
مع أن الاتهامات تأخذ بخناق نتنياهو، فإن نهايته السياسية لا تبدو وشيكة. ذلك أن إحالته على المحاكمة تتطلّب إصدار قرار اتهامي من النائب العام مندلبليت الذي، وإن كان يتّجه الى اتهامه، إلاّ أنه لن يفعل ذلك قبل الشهر المقبل.
 
في هذه الأثناء تتخوّف أوساط متعددة الانتماءات السياسية من قيام نتنياهو، في سياق حملته للدفاع عن سمعته وبقائه في السلطة، بشنّ حرب على لبنان وحتى على سورية. أبرز التخوّفات صدرت عن عديد عيران، الباحث المرموق في معهد دراسات الأمن القومي «مباط عال»، 2018/2/14 . عيران كشف ان كبار المسؤولين في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية عبّروا عن مخاوفهم من التحديات النابعة من سورية ولبنان في المؤتمر السنوي للمعهد المذكور. وقالوا إنه في المعركة العسكرية المقبلة ستدفّع «اسرائيل» كل مَن يحاول ضرب جبهتها الداخلية ثمناً باهظاً، وإنها لن تسمح باستمرار المعركة أسابيع عدة، كما جرى في صيف 2006.
 
وزير الحرب افيغادور ليبرمان كان موقفه أصرح وأعنف. قال «إن الوقت الحالي في ما يتعلق بإيران وسورية ليس للنباح بل للعضّ، وإن «إسرائيل» تعضّ بقوة من أجل حماية مصالحها». تصريح ليبرمان يلاقي تخوّف عيران وربما معهد دراسات الامن القومي ايضاً الذي تساءل في دراسته: «هل سيُشعل الغاز الطبيعي في البحر المتوسط حرب لبنان الثالثة؟».
 
يتضح من متابعة وسائل الإعلام ودراسات مراكز الامن القومي، ان «اسرائيل» متخوّفة فعلاً من تحديين: تزايد تمركز إيران العسكري في سورية خلال سنيّ الحرب الدائرة فيها وعليها، ورجحان الكفة في هذه الحرب لمصلحة الرئيس بشار الأسد. الأمر الذي «يعطيه الاحساس بالثقة بالنفس ويدفعه الى محاولة تغيير ميزان القوى الذي كان يتيح لسلاح الجو الإسرائيلي القيام بهجمات متتالية في سورية لإحباط بناء قوة إيران وحزب الله». «مباط عال»، 2018/2/13
 
الى ذلك، ثمة تخوّف من معطيات عن بناء مصانع لتصنيع صواريخ دقيقة لحزب الله في سورية ولبنان، وإن من شأن ذلك تعظيم قدرات حزب الله وتهديد أمن «اسرائيل» القومي. وقد ازداد الأمر خطورةً بعد الكلمة اللافتة التي ألقاها في طهران قائد فيلق القدس اللواء قاسم سليماني خلال مهرجان لتكريم الشهداء في مقدمهم القائد اللبناني المقاوم عماد مغنية ، إذ شدّد فيها على ان الثأر للشهداء انما يكون بإزالة الكيان الصهيوني من الوجود.
 
كل هذه الواقعات والمؤشرات تعزز رأي فريق من القادة العسكريين والخبراء الاستراتيجيين «الإسرائيليين» بأن اطراف محور المقاومة تتقدم تكنولوجياً وعسكرياً باطراد، وأنها جادة في محاولة تعديل موازين القوى لمصلحتها ما يصعّب على «اسرائيل» أمر مواجهتها أو إضعافها. لذا يرى هذا الفريق أن ضرب إيران وحلفائها اليوم أفضل من الغد، وأنه تقتضي الإفادة من الظروف البائسة التي تمر فيها الدول المحيطة بـِ «اسرائيل» بغية تصفية الحساب معها قبل فوات الأوان.
 
مع أن عدوانية هذا الفريق جدّية وصارخة، الاّ ان واقع الموازين العسكرية بين الطرفين المتقابلين في المنطقة لا يبعث على القلق، بل لعله يشي بالطمأنينة لأطراف محور المقاومة. ذلك أنها تمتلك عدداً هائلاً من الصواريخ الموجّهة والدقيقة ما يجعل «اسرائيل» تفكر كثيراً قبل الإقدام على مجازفة لا يمكن تقدير نتائجها الكارثية. هذا مع العلم أن فريقاً آخر من جنرالاتها وخبرائها الاستراتيجيين لديهم من المعلومات ما يجعله يميل الى الاعتقاد بوجوب عدم فصل الصراع الإسرائيلي – الايراني عن السياق الدولي الأوسع وضرورة النظر الى موقف روسيا ودورها في الساحة السورية وبالتالي تعميق الحوار معها، وكذلك مع الولايات المتحدة لحملها على مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة.
 
يتحصّل من مجمل هذه الواقعات والمقاربات أن «اسرائيل» وإن كانت لديها قدرات عسكرية ضخمة وتحظى بدعم هائل من الولايات المتحدة، إلاّ انها تواجه، في المقابل، قدرات عسكرية متعاظمة لدى أطراف محور المقاومة وإرادة مصممة على استخدامها، اذا اقتضى الأمر. وقد تبدّى ذلك اخيراً في اعلان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ان المقاومة قادرة على تدمير منصات استخراج النفط «الاسرائيلية» خلال ساعات، إذا غامرت «إسرائيل» بالاعتداء على مناطق التنقيب عن النفط في المياه الإقليمية اللبنانية.
 
في ضوء هذه التطوّرات من جهة، وإزاء تدهور نفوذ نتنياهو السياسي محلياً نتيجةَ أرجحية إحالته على المحاكمة من جهة أخرى، فإن إمكانية لجوئه الى الحرب لاستئخار عملية إجلائه عن المسرح السياسي تبدو ضعيفة للغاية وبالتالي مستبعَدة.