الجزائر مع الرياض ضد أوتاوا: موقف «غير مألوف» يسعّر الجدل

الجزائر مع الرياض ضد أوتاوا: موقف «غير مألوف» يسعّر الجدل

أخبار عربية ودولية

الجمعة، ١٧ أغسطس ٢٠١٨

من خارج سياق المواقف الجزائرية المألوفة في ما يتصل بالقضايا الإقليمية، جاء الموقف من الأزمة المندلعة أخيراً بين الرياض وأوتاوا، منحازاً إلى جانب السعودية. انحياز أثار الكثير من الاستهجان في أوساط المتابعين والمراقبين، وأعاد تزخيم الجدل بشأن ما يرى البعض أنها «مجاراة» جزائرية للسعودية في غير مفصل ومحطة
الجزائر | لا يزال الموقف الجزائري الداعم للسعودية في أزمتها مع كندا يثير العديد من ردود الفعل المستغربة داخل البلاد، وخصوصاً أن الجزائر تبدو غير معنية بهذا الخلاف، وهي التي اعتادت عدم الخوض في مثل هكذا قضايا. البيان الصادر عن وزارة الخارجية الجزائرية، عقب اندلاع الأزمة المفاجئة بين السعودية وكندا، ولّد صدمة لدى كثير من المتابعين، كونه اختار مجاناً الانحياز للرياض، رغم أن الجزائر تحتفظ بعلاقات قوية مع أوتاوا أيضاً.
جاء في بيان الخارجية، الذي صدر في 9 آب الجاري، أن الجزائر تعرب عن «انشغالها لتداعيات الأزمة التي تشهدها العلاقات بين المملكة العربية السعودية الشقيقة وكندا». وتابع أنه، إزاء هذا الوضع، «تدعو الجزائر إلى ضرورة احتكام الدول في علاقاتها الخارجية إلى مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وخاصة ما يتعلق منها باحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية». وختم البيان بالتذكير بـ«العلاقات الأخوية العميقة التي تربط الجزائر بالمملكة العربية السعودية الشقيقة».
ورغم أن البيان جاء مقتضباً في محتواه، فإن دعمه الصريح للسعودية جعله يتصدّر اهتمام جريدة «لوسوار دالجيري» التي عنونت بالبنط العريض تعليقاً عليه: «دعم الجزائر اللامعقول للسعودية». واستغرب مقال الصحيفة الناطقة بالفرنسية السرعة الكبيرة التي صدر بها البيان، لتكون الجزائر بذلك في صدارة الدول الداعِمة للرياض. واعتبرت الصحيفة أن رد الفعل هذا يؤكد الشعور العام السائد منذ مدة في الجزائر بخصوص مجاراة السعودية في كل مواقفها مهما كانت الظروف. وأشارت في السياق المتقدم إلى البيانات التي تصدرها الخارجية عندما تُستهدف السعودية في حرب اليمن، مقابل صمت تام عندما يتعلق الأمر بالهجمات التي تقودها المملكة هناك ضد اليمنيين. ويلتقي موقف الصحيفة مع تصريحات المرشحة الرئاسية السابقة، لويزة حنون، التي كانت قد انتقدت سكوت الجزائر على مواقف السعودية في جامعة الدول العربية ومصادقتها على القرارات الصادرة عن الأخيرة، وطالبت سلطات بلادها بتعليق عضويتها في «الجامعة» لأنها أصبحت بحسبها «وكراً للخيانة».
 
من جانبه، انتقد الكاتب الصحافي المعروف، سعد بوعقبة، في عموده الشهير «نقطة نظام»، الموقف الجزائري، وكتب يقول: «بلدنا أصبح فعلاً مستلباً أمام تصرفات السعودية ضدنا، إلى درجة أن العديد من المواطنين أصبحوا يتساءلون: ألهذا الحد يصل بنا الهوان؟». وروى قصة محاولة السعودية إنهاء مهمات مهندس جزائري يعمل في شركة كندية على أراضيها ويحمل الجنسية الكندية، إذ أراد الموظف البقاء في السعودية مُتسلِّحاً بأنه يحمل الجنسية الجزائرية، فقيل له إن الجزائري لا يحق له العمل أصلاً في السعودية!
لكن ما هي دوافع اتخاذ الجزائر مثل هذه المواقف، رغم أنها لا تنسجم مع سلوكها الدبلوماسي المعتاد؟ يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر، سفيان صخري، أن «سر هذا الانحراف وفقدان البوصلة لا يتصل بنقص الحنكة في الدبلوماسية الجزائرية، بقدر ما هو تحول في مضمون السياسة الخارجية من سياسة دولة توجهها تقاليد الدبلوماسية، إلى سياسة مجموعة متسلطة تحركها مصالح شخصية ضيقة، أبرزها حب الاستمرار في السلطة من خلال استرضاء أنظمة أجنبية». أما الموقف الصحيح الذي كان ينبغي انتهاجه بحسب الأكاديمي الجزائري، فهو التزام الحياد وعدم التدخل؛ وذلك لسببين: أولهما أن الأزمة لا تعني الجزائر بطريقة مباشرة في شكلها ومضمونها، وثانيهما أن الانحياز للسعودية على حساب الحكومة الكندية سيصعّب من مهمات الحكومة الجزائرية في عملية تنظيم الجالية الجزائرية في كندا، التي يمكن أن تتحول إلى جسر اقتصادي بين الجزائر وأميركا الشمالية.
وفي قبالة الانتقادات التي تواجِه الدبلوماسية الجزائرية، يرى المدافعون عنها أن بعض مواقفها «الهامشية» لا تعني بالضرورة تخليها عن مقاربتها المتوازنة في التعاطي مع الأزمات وخاصة في الخليج، حيث رفضت الجزائر الانخراط مع السعودية في مشاريعها، سواء في ما سمي بـ«التحالف ضد الإرهاب» أو «التحالف العربي» في اليمن، وبقيت متمسكة بعقيدتها الدبلوماسية والعسكرية الرافضة للتدخل سياسياً أو عسكرياً في دول أخرى. كما أن موقف الجزائر من أزمة السعودية مع قطر كان متوازناً، ولم يمض في ركاب دول المقاطعة. وتحتفظ الجزائر، كذلك، بعلاقات قوية مع إيران، ما يجعلها بعيدة عن التأثير السعودي في هذا المجال.