عون غاضب على بري والحريري وجنبلاط: احذروا الانفجار!

عون غاضب على بري والحريري وجنبلاط: احذروا الانفجار!

أخبار عربية ودولية

الثلاثاء، ٧ يوليو ٢٠١٥

الجو المسيحي في لبنان «مهزوم» و «مأزوم» ويتجه نحو «الانفجار» وربما إلى «إحباط جديد».
ندر أن اتفق المسيحيون على رئيس لجمهوريتهم، وهم لن يتفقوا اليوم أو غداً على هوية الرئيس المسيحي الوحيد في محيطهم العربي والإسلامي الكبير.
وإذا كان البعض يستشهد بفارق الصوت الواحد الذي أمَّن فوز سليمان فرنجية على الياس سركيس في انتخابات العام 1970 الرئاسية، فإن الضغط الذي مارسه الاتحاد السوفياتي السابق ممثلاً بسفيره عظيموف في بيروت آنذاك، هو الذي جعل كمال جنبلاط يحرم سركيس من أصواته ويدعم فرنجية، على خلفية فضيحة طائرات «الميراج»!
بهذا المعنى، للمرة الأولى تكون العوامل الداخلية أكثر تحكماً بانتخاب رئيس الجمهورية من العوامل الخارجية، خصوصاً أن معظم الدول الكبرى لم تعط أية اشارة على تقدم مرشح على آخر، كما حصل مع كل الانتخابات من بشارة الخوري حتى ميشال سليمان.
كما أن القوى الإقليمية المؤثرة، وخصوصاً السعودية وإيران، تنفض أيديها وتحيل الأمر على اللبنانيين، ولسان حال سوريا المأزومة التي تخوض معركة وجودية ومصيرية، أنها لا تملك ترف تحديد هوية رئيس لبنان، بل جلّ همها أن يكون قريباً من «خطها».
ومن خصائص الانتخابات الرئاسية، أن أبرز المرشحين الموارنة، أي العماد ميشال عون، يتكئ الى شارع مسيحي يعطيه الأرجحية على غيره، بالإذن من كل الاستطلاعات التي جرت أو ستجري، والأهم أنه يتحالف مع «حزب الله» بوصفه القوة المحلية الأبرز، لا بل يتحالف مع قوة لبنانية غير مسبوقة في تاريخ لبنان، بفيضان حضورها عن بلدها وتحولها الى قوة إقليمية شريكة في صياغة معادلات من فلسطين إلى صنعاء مروراً بدمشق وبغداد.
وفي غياب التسويات الإقليمية والداخلية، يستمر الفراغ وتستمر معضلة انتخاب الرئيس، ولا يجد الشريك المسلم حرجاً في إحالة الأمر على شريكه المسيحي، عبر معادلة «اتفقوا على الرئيس ونحن نقبل بخياراتكم»، وهي معادلة نظرية تستند الى استحالة التوافق الماروني، فماذا لو قبل سمير جعجع بميشال عون رئيساً وقرر أن يسحب ترشيحه بعد صدور نتائج الاستطلاع المزمع القيام به ونزل الى مجلس النواب وقرر توفير النصاب الدستوري، هل يقبل سعد الحريري وحلفاؤه بـ «الجنرال» رئيساً للجمهورية، وهم الذين لم يقبلوا بقائد «القوات» متمايزاً عنهم، عندما وقع «نياته» مع ميشال عون، فتمت «فبركة» المجلس الوطني الآذاري.. الفارغ من مضمونه حتى من قبل أن يولد!
وما يسري على الحريري، يسري على «حزب الله» وحلفائه: هل يمكن أن يقبلوا بجعجع رئيساً للجمهورية، إذا قرر ميشال عون، الانسحاب لمصلحة خصمه الماروني الأبرز؟
صار التذرع بالواقع المسيحي مجرد لافتة، بينما يدرك الجميع أن سقف الخارج، في هذه اللحظة الإقليمية والدولية، لا يسمح بالمس باستقرار لبنان، ولهذا الحرص تفسيرات كثيرة، من النفط الى أمن إسرائيل إلى «اليونيفيل».. إلى تحول لبنان إلى أهم منصة تجسس في المنطقة!
في هذا السياق، لا ينكر أحد أن ميشال عون تمكن من حصد عطف شعبي. يكفي أن بعض المتعاطفين معه من «14 آذار» بدأوا بالتجرؤ على قادة معسكرهم ورعاتهم الإقليميين، خصوصاً أن وثائق «ويكيليكس» السعودية أعطت أدلة إضافية على «ثمن» خيارات فريق معين، إلى درجة صار السؤال مطروحاً عند بعض «14 آذار»: هل انتهينا من الوصاية السورية حتى تأتينا الوصاية السعودية؟
لقد قبل ميشال عون بالوزارة في سياق حوار مفتوح مع سعد الحريري، ولكن من يراقب إعلام الأخير في الأيام الماضية، يلاحظ أن هناك من يتعمد نبش كل ملفات الماضي، وأن كل الغزل والوصال صار من الماضي، فإذا كان «الجنرال» يخوض معركته الأخيرة وهو مقتنع بأنه ليس لديه ما يخسره، وإذا كان «الجنرال» الذي ربما أخطأ في جس نبض «الشارع»، برغم تعاطفه معه، ليس متحمساً لأية مغامرة من نوع النزول الى الشارع، هل يمكن أن يبرر ذلك كله منطق الإقصاء والتهميش وعدم الالتفات الى مكون مسيحي أساسي، تتضامن معه باقي المكونات ولو أنها تختلف مع خياراته وأساليبه؟
وإذا كان سعد الحريري لم يتحمل أن يكون نجيب ميقاتي رئيساً للحكومة ليوم واحد، والذي ما يزال عرضة للجلد بسبب قبوله أن يكون رئيس حكومة ما يسمونها «القمصان السود»...
وإذا كان الحريري لا يتحمل الإتيان إلا بمن يريده من طائفته في أي إدارة وموقع من إدارات الدولة ومواقعها الإدارية والقضائية والمصرفية والعسكرية والأمنية...
وإذا كان الحريري لا يتحمل تمايز حليف ولا تنوعاً ضمن بيئته، هل يعيب على عون أن يطالب باعتماد «القوانين المرعية الإجراء»، بعدما أقفلت الأبواب أمام خياراته الرئاسية والعسكرية؟
ماذا يضير أن يصوت مجلس الوزراء، عندما يحين أوان استحقاق رئاسة الأركان، في مطلع الشهر المقبل، على الأسماء المقترحة لهذا المنصب ولقيادة الجيش في آن معاً، فإذا لم يتوافر الثلثان، كان البديل هو التمديد، لكن وفق الأصول الدستورية، ومن دون أن يختصر وزير بتوقيعه صلاحيات السلطة التنفيذية؟
ميشال عون غاضب في هذه الأيام وعاد «ثائراً» كما في البدايات. غاضب على نبيه بري ويتهمه بالطعن في الظهر وبارتكاب «الكبائر». غاضب على الحريري ويتهمه بـ «المخادعة» والمناورة في أكثر من استحقاق. غاضب على وليد جنبلاط ويتهمه بـ «الغدر».
من أين تأتي المخارج قبل أن تتدحرج الأمور وتؤدي الى غير الهدف الذي ينشده ميشال عون؟
حتماً يرفض شامل روكز الاقتراح الذي روّج له غطاس خوري بترقيته الى رتبة لواء، وبالتالي تمديد ولايته لسنة في المؤسسة العسكرية.
وحتماً لن يقبل عون بأن يستمر مسلسل الإقصاء حتى لو صار وحيداً وقرر «حزب الله» أن يشارك في مجلس الوزراء.
لتمام سلام وحده أن يسحب الأزمة من الشارع، عبر الاستجابة الى صوت العقل، فيبادر الى تأجيل جلسة مجلس الوزراء، ويبادر الى القيام بجولة على القيادات السياسية والروحية، على طريقة رفيق الحريري الذي كان يرفض دائماً استخدام كلمة «التعايش» ويعيب على قائلها أن التعايش أمر مفروض في حين أن العيش المشترك هو فعل إرادة.
ولميشال عون أن يتجاوب مع أية مبادرة من هذا النوع، وعندها يحفظ جمهوره ورصيده وحرصه على الشراكة، خصوصاً أن لا شيء يضمن عدم ارتداد أي تحرك شعبي.. سلباً على الحقوق المسيحية التي ينادي بها.
وللرئيس نبيه بري بعد أن فاز بمرسوم الدورة الاستثنائية باكتمال التواقيع المطلوبة، أن يحاول ابتداع مخارج للأزمة الراهنة، طالما أن أبواب المجلس لن تفتح بغياب ثلاثة مكونات مسيحية وازنة، وحتماً لن يكون سهلاً على سليمان فرنجية أن يغرد وحده خارج السرب.
.. أما البديل، فلن يكون سوى الانفجار. معه يذهب البلد الى حكومة تصريف أعمال تنام في أحضان الفراغين الرئاسي.. والتشريعي، الى أن يأتي أوان التسويات الكبرى، ولعل البداية تكون من فيينا في الساعات أو الأيام المقبلة، فهل يكون لبنان الملف الأول والأسهل كما يردد الرئيس بري أم يكون الملف الأخير؟