تركيا أصيبت برهاب الوحدة... أردوغان يهاجم أميركا!

تركيا أصيبت برهاب الوحدة... أردوغان يهاجم أميركا!

أخبار عربية ودولية

الخميس، ١١ فبراير ٢٠١٦

عباس الزين - بيروت برس -
لم تقتصر تأثيرات الأحداث الأخيرة في الميدان السوري، لا سيما في حلب ومناطق الشمال القريبة من الحدود التركية، على الواقع العسكري فقط، او السياسي المرتبط بالمفاوضات التي حصلت في جنيف، والمُزمع استكمال التحضيرات لها في ميونخ، بل إن التقدم الذي أحرزه الجيش السوري بالتعاون مع المقاومة اللبنانية مدعومين بالطائرات الروسية، كان بالتزامن مع تقدم آخر يحققه الأكراد عبر "الإتحاد الديمقراطي" الذي استطاعت مجموعاته المسلحة السيطرة على مناطق عديدة في الجانب السوري، كانت خاضعة لتنظيم "داعش" او المقاتلين التركمان المدعومين من تركيا.
عكست تلك التطورات الميدانية ردة فعلٍ غير محسوبة من قبل الجانب التركي، إذ ان التصريحات الأخيرة التي خرج بها أردوغان مهاجمًا إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، توحي ان أردوغان بدأ يشعر بأنه فقد حضوره في المشهد السوري، ولم تعد الإدارة الأميركية تولي أهمية لمخاوفه، تطلعاته وأحلامه، وهو ما دفعه الى الظهور مهددًا بكلام تصعيدي، يلفت من خلاله أنظارًا لم تعد مصوبة بإتجاهه، آملًا أن يعيده ذلك الى "الكادر" عسكريًا وسياسيًا.
اللهجة التركية بالتعاطي مع التحركات الأميركية الأخيرة، بما يخص دعم الأكراد في الشمال السوري، توحي بإنتقامٍ تركي بدأ يعطي مفعوله كلاميًا الآن. ففي حين تعتبر أميركا أنّ موقف تركيا من الأكراد يعيق المفاوضات الخاصة بسوريا، تؤكد تركيا أنّ الإدراة الأميركية امام خيارين فقط "إما نحن او الأكراد"، والأمر الذي جعل الجانب التركي يصعّد من خطابه أكثر ضد السياسة الأميركية، هو استمرار تعاطي أميركا مع التواجد الكردي بالشمال السوري على أنه حليف، غير آبهةٍ بالمخاوف التركية من بناء الأكراد لكيان مستقل.
وفي تصعيدٍ لافت وشديد اللهجة، أدان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشدة دعم الولايات المتحدة عسكريًا لأكراد سوريا، الممثلين بـ"حزب الاتحاد الديمقراطي" الكردي، الذين تعتبرهم أنقرة "إرهابيين"، مؤكدًا أنّ سياسة واشنطن حولت المنطقة إلى "بركة دماء". وقال أردوغان موجهًا كلامه للأمريكيين، في خطابٍ ألقاه أمام مسؤولين محليين في أنقرة: "منذ أن رفضتم الإقرار بهم (على أنهم منظمة إرهابية) تحولت المنطقة إلى بركة دماء". وسأل أردوغان واشنطن: "هل أنتم إلى جانبنا أم إلى جانب منظمة الاتحاد الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني الإرهابية؟". وأضاف "يا أمريكا، لا تستطيعين أن تجبرينا على الاعتراف بحزب "الاتحاد الديمقراطي" أو وحدات "حماية الشعب" (الكردي). إننا نعرفهما تمامًا كما نعرف داعش".
يحمل كلام اردوغان الأخير تهديدات مبطنة لأميركا، فوصفه السياسة الأميركية بأنها حولت المنطقة لـ"بركة دم" أمر يوحي بملفات ممكن ان تُفتح بأي لحظة، وتكشف ما هو مستور من الخطط الأميركية للشرق الأوسط، وسوريا على وجه الخصوص، حيث ان تركيا ستصل الى حائطٍ مسدود، لن تخسر بعده أكثر مما خسرت، اذا ما استمرت الإدارة الأميركية في دعم الأكراد، وإقصاء تركيا عن المشهد السياسي والعسكري للأحدث في سوريا، بالإضافة الى زعمه انه يعرف "الأكراد" كما يعرف "داعش"، وكأنه يحاول الإيحاء ان أميركا تضغط عليه للإعتراف بـ"الإتحاد الديمقراطي" كفصيلٍ يقاتل "داعش"، مع ان المبعوث الأميركي زار نقاط تمركز مسلحي "الإتحاد الديمقراطي" في سوريا مؤخرًا، من دون الرجوع الى تركيا أو التنسيق معها، ولم تعلم تركيا بالأمر إلّا بعد بيانٍ خرج عن الخارجية الأميركية يتضمن تفاصيل الزيارة.
من جهةٍ أخرى، أيقنت الولايات المتحدة الأميركية أنّ الدور التركي في سوريا لم يعد يجدي نفعًا، مع انهزام المجموعات المسلحة المدعومة تركيًا بمباركة أميركية، واستلام الجيش السوري لزمام المبادرة في الميدان، وما رافق ذلك من تطورات سياسية أسست لمرحلة جديدة فيها ثبات أكثر للرئيس بشار الأسد.
الموقف الأميركي المتجدد من حزب "الإتحاد الديمقراطي" يلاقي الموقف الروسي الداعي لضرورة مشاركة الأكراد في المفاوضات الدولية الجارية في جنيف، فقد وجدت الإدارة الأميركية في "الإتحاد الديمقراطي" حليفًا مقربًا منها، لا يعارضه الروس، على عكس تركيا التي وضعت نفسها في عداء مع روسيا، لا يمكن للإدارة الأميركية تحمل تبعات تبنيه.
تبحث الولايات المتحدة الأميركية، عن حليف يمكنه التأثير على الأرض، والوقوف بوجه الهيمنة السورية الروسية للمشهد السوري، والإختيار الأميركي الذي وقع على الأكراد، العدو التقليدي لتركيا، يراه أردوغان خطوة أميركية تخطت طموحاته، في الشمال السوري، لكن العقل الأميركي لا يهمه طموحات الحلفاء، بقدر ما يهمه تأثيرهم، ولن تدفع أميركا ثمن أخطاء أردوغان الأخيرة مع روسيا، او فشل المجموعات المسلحة في سوريا، فهي تسعى للخروج من الأزمة السورية بأقل الخسائر الممكنة، مع الحفاظ على المكتسبات السياسية، عبر دعم مجموعات وفصائل قادرة على ان تكون حلًّا وسطيًا بينها وبين روسيا، ومقبولة من الجميع.
الأيام المقبلة ستحمل الكثير من المفاجآت على صعيد الخطاب التركي ضد السياسات الأميركية، وسيؤدي ذلك الى تنفيذ تركي لبعض التهديدات، قد يتمثل في إعاقة أي حل ديبلوماسي سياسي من جانب تركيا، او في كشف ملفات تتعلق بخبايا التطورات الإقليمية في سبيل قلب الطاولة على الجميع.
الى جانب ذلك، فإنّ تركيا الآن تتحكم بموضوع يشكل ضغطًا على الإتحاد الأوروبي، الذي بدوره سيحمّل أميركا المسؤولية اذا ما فتحت تركيا أبوابها على الإتحاد الأوروبي امام اللاجئين، وهو ما تسعى الحكومات الأوروبية للسيطرة عليه، في وقت كثفت فيه الدول الأوروبية من مطالبة تركيا بالحؤول دون السماح للاجئين بإستعمال أراضيها ممرًا لها بشكلٍ عشوائي.