لماذا تريد أمريكا جرّ أوروبا إلى مستنقع المواجهة مع داعش؟

لماذا تريد أمريكا جرّ أوروبا إلى مستنقع المواجهة مع داعش؟

أخبار عربية ودولية

الجمعة، ٢٩ أبريل ٢٠١٦

لم يكد الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" ينهي كلمته التي ألقاها في مدينة هانوفر الألمانية مطالباً أوروبا بتحمّل نصيبها من عبئ إقرار الأمن الدولي عبر فعل المزيد في مواجهة تنظيم داعش الإرهابي، حتى إنبرت الإستخبارات الأمريكية عبر رئيس جهاز المخابرات القومية، "جيمس كلابر"، لفتح ملفّات داعش في القارة العجوز بدءاً من باريس وصولاً إلى تفجيرات بروكسل في آذار الماضي.
كلابر تحدّث عن وجود خلايا سرية لتنظيم داعش في بريطانيا وألمانيا وإيطاليا، ليعزّز الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، "ماثيو ليفيت"، كلام "كلابر" بالقول  أن تقارير أنشطة داعش في تلك الدول "ليست جديدة" ولكنه أضاف "من الجديد أن يقول كلابر ذلك.".
يبدو أن كلام "كلابر" بالتزامن مع إنتهاء جولة الرئيس الأمريكي، بالخارج، بدءاً من السعودية حيث عقدت القمّة الأمريكية-الخليجية، مروراً ببريطانياً، وصولاً إلى ألمانيا، يصب في خانة طلب أوباما من أوروبا زيادة مساهمتها في مكافحة التنظيم الإرهابي. ويبدو أن إعلان أوباما موافقته على إرسال 250 عسكريًا أمريكيًا إضافيًا إلى سوريا، بينهم أفراد من القوات الخاصة، للمساعدة في محاربة التنظيم المتطرف يصب في الإطار ذاته، ويمثّل حافزاً جديداً للزج باوروبا في التحالف الدولي حيث يخاطبها أوباما بالقول أن تقدّموا إلى سوريا وأنا أمامكم.
السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق، يتعلّق بالأهداف التي تسعى إليها واشنطن عبر الزج بأوروبا في القتال ضد التنظيم الإرهابي، وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى النقاط التالية:
أولاً: تسعى أمريكا للعمل جنباً إلى جنب مع القارّة الأوروبية، لاسيّما في منطقة غرب آسيا تحت عنوان "مكافحة الإرهاب" الذي عانت منه القارة الأوروبية في الفترة الأخيرة، ولعل وجود مئات الألاف من اللاجئين الذين قد يتضمنون خلايا نائمة، تابعة للجماعات الإرهابية، وفق العديد من المصادر الأمنية الأوروبية، يتسبب في الرد الإيجابي على الطلب الأمريكي.
ثانياً: إن التعاون الأوروبي الأمريكي بشكل أكبر في المنطقة يخفّف من حدّة تداعيات أي ضربة عسكرية واسعة توجّهها واشنطن في منطقتي غرب آسيا وشمال أفريقيا على الرأيين العالمي والأوروبي. لعل دخول أوروبا بشكل واسع إلى جانب واشنطن يقطع الطريق على أي إرتدادات "خطيرة" للرأي العام الأوروبي، بتحميل واشنطن التي تنوي القضاء على التنظيم الإرهابي مسؤولية التفجيرات التي سينفّذها التنظيم في أوروبا على شاكلة باريس وبروكسل بإعتبار أن الوصول إلى القارة الأمريكية أصعب بكثير على هذه الجماعات من العمل داخل أوروبا حيث توجد بيئة حاضنة وخلايا نائمة منذ سنوات.
ثالثاً: تحاول واشنطن من خلال هذه الدعوى تمديد فترة الإعتماد الأمني الأوروبي على أمريكا، وذلك في إطار الإبقاء على "القطب الواحد" من ناحية، وجذبها بشكل أكبر في مواجهة واشنطن مع كل من الصين وروسيا من ناحية آخر. وإذا كان التدخل الأوروبي اليوم إلى جانب أمريكا يعد تحدياً غير مباشر لروسيا، فمن غير المستبعد أن تلجأ واشنطن للخطوة نفسها في أي مواجهة مقبلة مع الصين، لاسيّما في ظل التوترات الحالية في بحر الصين الجنوبي.
رابعاً: لا يخلو كلام كلابر عقب دعوة أوباما من رسائل قيادة تجاه القارة الأوروبية، أي أن واشنطن أرادت إستعراض قدراتها الأمنية في ظل الظروف الحالية التي تعاني منها أوروبا. هنا تجدر الإشارة إلى أن دعوة أوباما لبقاء بريطانياً، الحليف الأبرز لأمريكا، في القارة الأوروبية يصب في البوتقة نفسها، وهذا ما أوضحه الرئيس الأمريكي في الزيارة الأخيرة عندما أكّد أن وجود بريطانيا في الاتحاد يساعد على بقاء امريكا قريبة من الاوروبيين، إلا أن دعوة أوباما إثارت إمتعاض البريطانيين لتخله في شؤونهم الداخلية، وقد جاءت أبرز الردود على لسان رئيس بلدية لندن بوريس جونسون في مقال كتبه  في "الصن" اشار فيه الى ان اوباما يحتقر بريطانيا بسبب ماضيها الاستعماري على اعتباره "نصف كيني".
خامساً: إنتقى رئيس جهاز المخابرات القومية الأمريكي الدول بدقّة، فبريطانيا بسبب الإنفصال عن أوروبا من ناحية، والعلاقة التاريخية إضافةً إلى تجاربها السابقة في أفغانستان والعراق، وأما ألمانيا بسبب عدد اللاجئين الذي إستقبلته خلال الفترة الماضية، في حين أن إختيار إيطاليا يتعلّق بالعملية العسكرية المرتقبة ضد تنظيم داعش في ليبيا، بإعتبار أن روما تولي هذه المنطقة من شمال أفريقيا أهميّة خاصّة.
الوقت