هل سيرفع «داعش» الراية البيضاء؟

هل سيرفع «داعش» الراية البيضاء؟

أخبار عربية ودولية

السبت، ٢٥ يونيو ٢٠١٦

عمر معربوني - بيروت برس -

"داعش" هو التنظيم الوحيد الذي تعتبره كل الجهات تنظيمًا إرهابيًا، حيث لا خلاف شكلًا على تصنيفه، مضافًا الى أنّ الجميع يعتبر أنّ خطر التنظيم تجاوز العراق وسوريا منذ فترة وتحوّل الى تنظيم عالمي بمعزل عن تحقيق الهزيمة به أو عدمها.
بدايةً، من الضروري الإشارة الى أنّ تفكيك المسائل ومحاولة عزل الملفات هو أسوأ ما يمكن ان نتعرض له في مواجهة "داعش"، هذا التنظيم الذي تمّ تصنيعه ورعايته وتقديم كل ما يلزم له من إمكانيات وسلاح واموال وموارد، وهذا الكلام ينطبق أيضًا على باقي التنظيمات الإرهابية وإن بنسب مختلفة.
إنّ اعتبار "داعش" من الجميع تنظيمًا ارهابيًا لا يُلغي أنّ اميركا والسعودية وتركيا وقطر وغيرهم ممّن يعتبرون التنظيم إرهابيًا في العلن، هم المسؤولون عن صعود هذا التنظيم وتنامي خطره، وهو أمر بيّنّاه في أكثر من مقال من خلال تصريحات العديد من المسؤولين من الدول الداعمة للإرهاب، ولن نستفيض فيه في هذا المقال.
في المباشر، لا بدّ من الإعتراف أنّ الإستثمار في "داعش" وغيره من التنظيمات يجري ضمن الخطط المرسومة للأسف، ويتم تصعيد الأمور بشكل غير مسبوق خصوصًا بعد رحيل الملك السعودي عبدالله ووجود فريق جديد اطلق الحرب على اليمن وصعّد في سوريا، إضافةً الى موقف اردوغان المتعنت وتسهيله وصول ما يلزم من امكانيات لـ"داعش" وغيره من التنظيمات الإرهابية.
هذا التنظيم الذي استطاع ان يسيطر على اكثر من محافظة في العراق في أيام قليلة وتمدّد في سوريا، يعيش حاليًا مرحلة انكفاء وهزيمة سواء في العراق او سوريا وحتى في ليبيا ومصر وإن بنسب متفاوتة يطول شرحها.
والسؤال الأهم هو: هل سيرفع "داعش" الراية البيضاء ويستسلم؟
والحقيقة أنّ الإجابة على هذا السؤال تتطلب فهمًا دقيقًا لطبيعة الهجمة المركّبة والمعقدة، ولا يجوز أن نحصر الإجابة بمسمّى يدعى "داعش"، بل يجب ان يطال الجواب كل التنظيمات التي تحمل نفس الفكر والمنهج، لأنّ المسمّى هو جزء من سياق استراتيجي تمّ اعتماده من قبل قيادات كبيرة في تنظيم القاعدة الأم يتوزعون الآن على اغلب التنظيمات التكفيرية الإرهابية، وهو أمر أراه مقصودًا وليس بمحض الصدفة لتحقيق اكبر مستوى من الفاعلية وكإحتياط ضروري لمتابعة المواجهة ضمن المسار المرسوم، خصوصًا أنّ طبيعة الإنقسام بين مكونات المنطقة المذهبية والإثنية وصلت الى حد الإنقسام العامودي وتستلزم الكثير من الجهد بعد تحقيق الهزيمة العسكرية في هذه التنظيمات.
وقد تلاحظون أنّي هذه المرّة أستخدم مصطلح التنظيمات، لأنّ هذه الجماعات الإرهابية وصلت فعلًا الى مستوى غير مسبوق من التنظيم سيكون سببًا في إطالة الفترة للقضاء النهائي على هذه الجماعات.
وبالعودة الى عنوان المقال وهو السؤال المركزي، أعتقد أنّ "داعش" وما يشبهه من التنظيمات حتى بعد تعرضهم للهزيمة سيتمكنون من الإنتقال الى مرحلة الإنكفاء واختيار اساليب مواجهة مختلفة ستعتمد على الخلايا النائمة ولكن الكبيرة العدد، وهو ما سيلحق اضرارًا كبيرة بالبنى الإجتماعية والإقتصادية لبلدان المنطقة واوروبا التي سينالها نصيب كبير من الإرهاب، وكذلك تركيا التي يمكن ان يتصدع فيها النظام السياسي مع امكانية ذهاب الأمور الى حرب اهلية مدمرة.
من خلال متابعة الميدانين السوري والعراقي، فإنّ مسألة تحقيق الهزيمة بالتنظيمات الإرهابية باتت مسألة وقت رغم كل التعقيدات التي تحيط بالصراع وتنوع أطرافه وتداخلاته، حيث نعيش مرحلة هي الأدق والأصعب والأقسى وهو وضع سيتزايد مع انتخاب رئيس اميركي جديد سواء كانت كلينتون او ترامب، فالشخصان يملكان من التاريخ ما يكفي لتبني مزيد من الإلتزام بالفوضى وهي عامل مشترك بين السياسيين الأميركيين لتحقيق مصالح اميركا.
في المرحلة القادمة وخلال السنتين القادمتين، سنرى تموضعات جديدة للتنظيمات الإرهابية وخصوصًا في اليمن وشبه جزيرة سيناء وشمال افريقيا، وقد يكون لبنان مرشحًا ايضًا كموطئ قدم لهذه التنظيمات رغم انه في كلا الحالتين سيشكل لبنان ملاذًا آمنًا لقيادات كثيرة بسبب توفر الكثير من الظروف والعوامل وعلى رأسها العامل المذهبي، وبسبب وجود اعداد كبيرة من مخيمات النازحين السوريين.
أمر أخير وهو أنّ التمويل الذي طالما هو متوفر للتنظيمات الإرهابية فإنّ عملياتها لن تتوقف، وإن اختلف شكل العمليات فالإنكفاء هو جزء من استراتيجيا مرسومة بدقة وهي استراتيجيا مرنة غير نمطية، وهو ما سيؤخر حسم المواجهة وهذه المرحلة حتى لا نخلط الأمور ببعضها ستكون مرحلة مكافحة الإرهاب وليس محاربته وهي المرحلة التي نعيشها حاليًا.