خلط أميركي لأوراق الشمال وعرقلة معركة حلب

خلط أميركي لأوراق الشمال وعرقلة معركة حلب

أخبار عربية ودولية

الأربعاء، ٢٤ أغسطس ٢٠١٦

الكسندر غورافيلوف لا يمنح الاتفاق بين الجيش السوري و«وحدات حماية الشعب» الكردية للتهدئة في الحسكة، الكثير من الوقت قبل العودة الى نقطة الصفر. الجنرال غورافيلوف، قائد القوات الروسية في سوريا، الذي بذل يومين من المفاوضات، من اجل التوصل الى اتفاق حميميم الكردي ـ السوري، ليس وحده من لا يثق برغبة الاكراد في احترام الاتفاق، كما قال مسؤول مقرب من المفاوضات السورية الكردية في حميميم، ولا بقدرة الاتفاق على الصمود امام قرار اميركي بعرقلة العملية الروسية السورية المشتركة في حلب كما نقل عنه، بدفع الاكراد الى خلط الاوراق في الشمال السوري، واستباق اي تقارب سوري تركي، او تركي روسي ايراني.
ويشعر الاكراد، على حق، ان مثل هذا التقارب سيكون على حساب طموحاتهم بتأسيس كيان كردي في الشمال السوري، اذ ان التوسع المتواصل لحزب العمال الكردستاني في الشمال السوري، خصوصا نحو الغرب، لوصل كانتونات الحسكة شرقا، وعين العرب في الوسط، بعفرين غربا، والمزيد من العسكرة، سيؤدي تدريجيا الى تسريع التقارب الايراني التركي السوري، والى فرض حل اقليمي في سوريا على حساب الاكراد اولا، ويقضي على ما تم انجازه حتى الان.
وتقول معلومات عربية، ان وفدا امنيا سوريا قد يتوجه في الايام المقبلة الى أنقرة للبحث في التقدم الكردي في الشمال، واحياء التعاون في اطار «اتفاقية اضنة» الامنية ضد حزب العمال الكردستاني، وهو ما يثير مخاوف كردية، ادت الى تسريع عمليات الحسكة، كما تدفع الاكراد الى التوجه بسرعة نحو جرابلس، لمواجهة اي اختراق تركي عبر بقايا «الجيش الحر»، التي تقوم المخابرات التركية بتجميعهم في منطقة قرقميش، المحاذية لجرابلس.
وبحسب مصادر، طالب الاكراد في اجتماعات حميميم، بتعهد سوري بعدم التعاون امنيا مع انقرة. وتبدو المخاوف الكردية مبررة، خصوصا ان الاتراك يعدّون لعملية لن تتوقف عند الدخول الى جرابلس، لمنع تمدد الاكراد غربا، وانما للعودة الى منبج نفسها، والمطالبة بخروج القوات الكردية منها، طبقا للوعود التي قدمها الاميركيون للحكومة التركية، بأن الهدف من دعم الاكراد هو فقط التخلص من «داعش» في منبج، لتسليمها في ما بعد للالوية العربية، في ما يسمى «مجلس منبج العسكري».
ويقول خبير غربي يعمل في منطقة القامشلي، ومقرب من حزب العمال الكردستاني، إن الاتحاد الديموقراطي كان يعد لعملية الحسكة منذ اشهر، وأنه عرض في شهر كانون الاول من العام الماضي على الاميركيين القيام بعملية واسعة لتنظيف الحسكة من الجيش السوري، ودخول المربع الامني في القامشلي مقابل ان تتعهد واشنطن تمويل رواتب الموظفين في المنطقة وتشغيل ميزانية المنطقة. اذ لا تزال الحكومة السورية ترسلها نهاية كل شهر، وتشتري المحاصيل الزراعية، وهو ما يشكل يشكل عنصرا حيويا في تمويل الادارة الذاتية الكردية نفسها في القامشلي. ويقول الخبير الغربي، إن الاميركيين رفضوا ذلك، وأن البنتاغون يرفض الخوض، في الشق السياسي او المالي من التعاون مع وحدات حماية الشعب الكردية، ويعتبر ان التعاون عسكري بالدرجة الاولى.
اتفاق حميميم
الروس انتزعوا في حميميم من الطرفين، اتفاقا اوليا وامنيا وشكليا يحتوي الهجوم الكردي الحالي، ولكنه لن يمنع هجوما كرديا مقبلا لن يتاخر كثيرا. ولمعالجة مسألة بحجم الاهمية الاستراتيجية للحسكة، التي تقرر جزءاً كبيراً من مستقبل سوريا، التي لم تتوقف عن مواجهة تهديد اجنحتها الشمالية، منذ احتلال تركيا للواء الاسكندون العام 1939. التفاهم في حميميم بعد 48 ساعة من المفاوضات، لم يذهب ابعد من وقف لاطلاق النار، اعادة فتح الطرق بين القامشلي ومدينة الحسكة ونحو تجمعات الجيش السوري، تبادل الشهداء والاسرى والجرحى، والابقاء على قوات الامن العام والاجهزة الامنية السورية، وقوات الأسايش الكردية داخل المدينة. كما يعيد الاتفاق طرح قضية الموظفين الاكراد المسرّحين من اعمالهم في الادارة السورية، بالاضافة الى بند غامض ينص على المساعدة على حل المشكلة الكردية. وهو بند جنّب الطرفين الخوض في اصل النزاع بينهما، حول المسألة الكردية في سوريا. اذ رفع الوفد الكردي سقف التفاوض اعلى مما تستدعيه «اشتباكات» ظرفية. واختبر موقف دمشق، في لحظة تراجع، وطلب الاعتراف بالادارة الذاتية الكردية، بحسب مصادر عربية في حميميم. ويقول مسؤول سوري انه كان مستعدا للخروج من قاعة المفاوضات ومواجهة كل الاحتمالات، على القبول بالتفاوض على مطلب من هذا النوع، تحت النار خصوصا، فيما قال مسؤول سياسي في دمشق، إن بند البحث بالمشكلة الكردية ، كما «نراه» لن يتعدى البحث في مشاكل التجنيس وحل بعض قضايا الاحوال الشخصية.
الاتفاق قد لا يرقى الى مستوى ما انتظره المفاوضون الاكراد في حميميم، سيبان حمو، قائد وحدات حماية الشعب، الدار خليل، قيادي حركة المجتمع الديموقراطي الكردي، او ريدور خليل، الناطق باسم وحدات حماية الشعب، لانه سيؤخر ضم مدينة الحسكة وريفها نهائيا الى الكيان الكردي الوليد، لكنه يستكمل السيطرة على اغنى محافظات سوريا التي تبلغ مساحتها 23 الف كلم مربع، اي اكثر من ضعف مساحة لبنان، فضلا عن امتلاكها كل العناصر الاقتصادية التي تجعل الكيان الكردي قابلا للحياة بعيدا عن المركز الدمشقي.
وتحوي المحافظة اكثر من ثلثي النفط والغاز السوري في حقول الرميلان والهول والجبسة، وتنتج سهولها اكثر من مليون طن من الحنطة سنويا وتضم اكبر مصادر المياه والطاقة السورية في سلسلة السدود والبحيرات، من سد الفرات الى سد تشرين، فبحيرة الاسد.
كما ان الاتفاق لا يستجيب لموقف دمشق ولقناعة ضمنية ان المطلوب هو تأجيل المواجهة الى حين استعادة دمشق المبادرة والتفرغ لدخولها بشروط افضل، رغم ان دمشق ارسلت الى القامشلي وجبل كوكب تعزيزات اضافية، لمواجهة احتمال الهجوم على مراكز الجيش. ويبدو الاتفاق هشّاً، اذ لم يضمّنه المفاوضون، أية الية تنفيذية على المدى المتوسط لمراقبة التطبيق. كما لم يقترح المفاوضون اي اطار لتجنب المواجهات المقبلة باستثناء التحدث الى الروس والعودة الى حميميم للتفاوض.
الاتفاق حمل بنودا، مع ذلك ترجّح كفة المطالب الكردية، وتعكس انتصارا لاستراتيجية القضم الكردية لمدينة الحسكة وأريافها، خصوصا ان التفاهم لا يعيد الاكراد الى خطوط الانتشار السابقة، كما يعني خسارة الدولة السورية عملياً قوة عسكرية محلية رديفة، رغم سوء سمعتها في المدينة، اذ لم يأت الاتفاق على تحديد مصير قوة «الدفاع الوطني» التي طالب الاكراد بحلّها.
الارتهان للاميركي!
تبدو الاندفاعة الكردية رغم اتساعها، محكومة اكثر فاكثر بالاستراتيجية الاميركية في سوريا، وبالقلق من مؤشرات استراتيجية اقليمية لاحتواء مشروعهم في سوريا. ويقول خبير غربي يعمل على الملف الكردي في الشمال السوري، ان حزب العمال الكردستاني وفرعه السوري في مأزق، ويشعران بالاحباط . اذ من دون الغطاء الجوي الاميركي، الذي حوّل مناطق انتشار وحدات حماية الشعب الكردية، الى «منطقة كردية آمنة»، لن يكون بوسع الاكراد مواصلة التوسع، مما يعني ان المشروع نفسه اصبح رهينة الغطاء الاميركي. ويسود القلق ايضا لان الدعم الاميركي العسكري لم يتحول الى دعم سياسي، وقد يتوقف ايضا في الاشهر المقبلة عندما تبدا مرحلة ما بعد «داعش»، او معركة ما بعد الموصل، لان جزءا اساسيا من المكاسب الجغرافية الكردية تحقق من خلال الشراكة في الحرب على «داعش».
والأرجح ان يتراجع الدعم الاميركي في الاشهر المقبلة مهددا المكاسب الكردية، اذا ما واصل البنتاغون رفض ربط الدعم العسكري، بدعم سياسي. كما ان الموقف في الخارجية الاميركية، لا يزال يدعم المعارضة الائتلافية دون غيرها، ولن يستبدلها بالتحالف مع حزب الاتحاد الديموقراطي.
وكان مايكل راتني، المشرف على المعارضة السورية، قد ابلغ الائتلاف في اجتماع قبل اسابيع في الرياض «ان لا علاقة لنا بحزب الاتحاد الديموقراطي، لكننا نملك علاقة عسكرية بوحدات حماية الشعب، ونحن نريد شريكا قويا على الارض في سوريا، والوحدات شريك قوي، وانصحكم بالتحدث الى الاتحاد الديموقراطي لانه سيبقى في سوريا ولا نريد ان يتقاتل الجيش الحر والاكراد».
وابلغ راتني المعارضة الائتلافية «ان الاكراد قد طلبوا منا الاعتراف بروج افا، لكننا رفضنا، وقلنا لهم ان طاولة المفاوضات هي التي تحدد مستقبل الدولة السورية».
وقد بينت جولات مؤتمر جنيف الماضية، حرص الولايات المتحدة على ابقاء العلاقة مع الكرد عسكرية حصرا، كما بينت ان الاعتراض الاميركي على تمثيل الاكراد في المفاوضات هو السبب الذي منع مشاركتهم فيها، حيث يسعون الى تكريس وجودهم كفريق ثالث في الصراع، والحصول على اعتراف بهم وعلى ما احرزوه من تقدم، اكثر من سعيهم الى التوصل الى حل سياسي يشبه ما تطالب به المعارضة الائتلافية .
وتقول مصادر غربية، ان الاحباط الكردي لا يتوقف عند عدم الاعتراف بروج افا، بل إن الاكراد قلقون لأن الاميركيين والبريطانيين والالمان، رفضوا تقديم اي تعاون مع مؤسسات الادارة الذاتية، او تمويل اعادة الخدمات المدنية في منبج لتصليب العملية الكردية. اذ رفض الضابط الاميركي الذي يدير برنامج «ستارت» في انقرة والذي يتبع لمؤسسة «ادم سميث» ، تقديم اي مساعدات لمنبج من صندوق البرنامج المخصص لاعادة البناء ما بعد «داعش». كما رفض البريطانيون طلبا مماثلا تقدم به الاكراد الى برنامج «آس ، آر ، آم» الذي تموله الخارجية البريطانية.
ومن شأن الاستعداد الاميركي الروسي، للتنسيق مع دمشق في عملياتها الجوية في الشمال السوري، ان يعمق الريبة الكردية بواشنطن، خصوصا ان ردود فعلها على ضربات سلاح الجو السوري للاكراد في معركة الحسكة اقتصر على حماية المستشارين الاميركيين. ونقلت «الازفستيا» الروسية عن مصدر ديبلوماسي روسي بأن موسكو اقترحت إنشاء آلية لتجنب وقوع حوادث بين الطيران السوري والقوات الجوية الاميركية في المنطقة وإشراك دمشق في الاتفاق الروسي الأميركي للتنسيق في سوريا. وجاءت مبادرة وزارة الدفاع الروسية بسبب زيادة نشاط الطيران السوري بشكل كبير بعد تسلم دمشق قاذفات من نوع «سو – 24 ام2» وإعادة طائرات أخرى بعد صيانتها. ويبتعد احتمال ان تلجأ واشنطن الى اقامة منطقة حظر جوي، في الشمال السوري، مع ما قاله المتحدث باسم البنتاغون بيتر كوك، رغم ان واشنطن قد ترسل المزيد من الطائرات الى المنطقة.