رسائل تسريبات اللقاء الأمريكي بـ«المعارضة السورية»

رسائل تسريبات اللقاء الأمريكي بـ«المعارضة السورية»

أخبار عربية ودولية

الأربعاء، ٢٤ أغسطس ٢٠١٦



إيهاب زكي - بيروت برس -

غالبًا ما تكون الجزيرة في الأماكن الموبوءة، لذلك فهي عادةً ما تعود محملةً بفيروسات الأفكار وجراثيم الدم، فكان أن عادت مؤخرًا بمحضر اجتماع "سري" بين ما تسمى بـ"المعارضة السورية" ممثلةً فيما يسمى بـ"الإئتلاف السوري"، وبين المبعوث الأمريكي إلى سوريا مايكل راتني، وضم الوفد أنس العبدة ونائبته وأعضاء ما يسمى بـ"الهيئة السياسية"، فيما ضم الوفد الأمريكي ثلاثة دبلوماسيين بالإضافة إلى راتني. وبما أنّ الجزيرة ليست مكتبة عامة، فهي لا تقدم هذه التسريبات من باب الحرص على حق الإنسان بالمعرفة أو حق المواطن العربي بالمعلومة، إنما تقدمها في إطار أجندتها لصناعة الفتنة وخدمة المصالح...! قد يكون مخجلًا للجزيرة قبل أن يكون مخجلًا للكاتب أن يقول المصالح القطرية، لذلك ومن باب الفخر للجزيرة نقول خدمةً للمصالح الأمريكية، هذا على افتراض أنّ ما قدمته الجزيرة هو كل الحقيقة، فما سربته الجزيرة إذا ما أسقطناه على الأحداث والمواقف يصبح أشبه بمشهد سوريالي لا يمكن إدراك خفاياه إلا إذا أعدنا الأشياء لسيرتها الأولى، بعيدًا عما تريده الجزيرة ومصالح من تخدمه الجزيرة.

المشهد السوريالي الأول هو ما قاله راتني للوفد عن الأكراد، حيث أكد راتني أنّ "الولايات المتحدة تتعامل مع قوات حماية الشعب الكردية في محاربة داعش وتعتبرها شريك قوي ولا تتعامل مع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني"، وأكد في الوقت نفسه على أنه لا شراكة سياسية لبلاده مع الأكراد، وأنها "لن تسمح بفدرالية كردية في سوريا". ولا أستطيع إدراك عدم تعامل الولايات المتحدة مع الديمقراطي الكردستاني ورئيسه عضو فيما يسمى بـ"لجنة المفاوضات العليا للمعارضة السورية"، كما أن هذا الحزب يتعامل مع وحدات حماية الشعب، وهي الجناح المسلح للحزب الديمقراطي باعتبارها قوات "شبيحة" تابعة لـ"النظام"، وهؤلاء" الشبيحة" يتلقون الدعم من أمريكا ويقصفهم "النظام" بالطائرات. ثم أن أمريكا التي تعارض إنشاء فيدرالية كردية حسب التسريبات، تقوم بدعم أصحاب الفدرالية حد أنها تهدد الطيران السوري لحمايتهم، كما قال مسؤول أمريكي "إذا قام السوريون بالقصف مجددًا، قد يكونوا في مواجهة فقدان طائرة". وعن عدم اكتراث سوريا بالتهديدات الأمريكية يقول المدعو صالح مسلم، رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي، "أعتقد أن إيران هي من شجعت النظام على تحدي الولايات المتحدة وقوات التحالف الدولي"، وأضاف بأنّ "هذا التهديد لا يشكل أي حماية للأكراد"، كما أن مسلم بدأ يفهم من أين تؤكل الكتف، حيث قال في تصريحاته بأنّ "إيران كانت تعمل على نشر التشيع في الحسكة"، بينما مسلم اليساري الذي يتلقى الدعم من الرأسمالية الإمبريالية يريد تكريس التسنن في الحسكة.

وفي ذات السياق، يقول مسلم إنّ "تركيا مستعدة لتقبيل الأرجل في دمشق لتحقيق مصالحها بمنعنا من حقوقنا"، وهذه الحقوق تدعمها أمريكا وتعارضها تركيا حليفة أمريكا، وتركيا تستجدي ضربها من دمشق وطهران وموسكو أعداء أمريكا، فيما أمريكا تقول عبر التسريبات لن نسمح بتحقيق تلك الحقوق، وهو مما يتوافق ولو شكليًا مع مصالح حلفائها وأعدائها، ولا شك أن هذه حالة من التشابك والتعقيد لن يدفع ثمنها سوى الأكراد، فمن الواضح أن الولايات المتحدة تدفع بهم لمحرقة للضغط على كل الأطراف، وفي ذات الوقت لا تقدم لهم ضمانات الحماية ولا تقدم لأعدائهم ضمانات التخلي عنهم، وهكذا كعادتها تحاول جني ثمار المعارك إن أثمرت، والتنصل من حصادها إن أقفرت، وهو ما مارسته أمريكا مع ما يسمى بـ"المعارضة السورية" بكل أصنافها وتلاوينها. ففي التسريبات أيضًا يقول راتني إنّ "هدف الولايات المتحدة من الحوار مع الروس هو منع سحق المعارضة، حيث كان بمقدورها ذلك لولا تدخلنا، فروسيا تعتبر كل من يحمل السلاح هو إرهابي، وقد رفضنا التعاون العسكري مع روسيا خشية إنهاء المعارضة، فنحن مع وقف الحرب بينما روسيا مع بقاء الرئيس الأسد، وقد تستمر الحرب 20 عامًا إن لم تغيروا مواقفكم وتتعلموا من أخطائكم، فعليكم محاورة روسيا والأكراد"، وتراوحت ردود فعل "المعارضين" بين الندب والانتفاخ، فالنادبون اعتبروا أنّ الولايات المتحدة قد خذلتهم للمرة الألف، وذهب بعضهم حد تذكيرها بزيارة سفيرها التحريضية إلى حماة في بواكير العدوان، حيث أنهم اعتبروها زيارة دعم حتى النصر، وأما المنتفخون المتنافخون فاعتبروا أنه تخلي لا خيارات بديلة له إلا الانتصار أو الانتحار.

هذه "المعارضة" البائسة تقف اليوم على شفا هاويةٍ من فناء بعد أن سقطت في قعر الارتهان والتبعية حد الخيانة، فأمريكا التي تلوح بورقة الأكراد في وجه تركيا، لا تريد لتركيا استخدام ورقة المعارضة في وجهها، وكل هذا يدخل في إطار التكتيك، فعلى المستوى الاستراتيجي لا تستطيع تركيا التخلي عن أمريكا، ولا ترغب أمريكا بمقايضة تركيا بثقلها بكيان كردي، وما تسمى بـ"المعارضة" استراتيجيًا إلى الفناء والعدم والتاريخ الأسود. وأن يعتبر راتني أن التعلم من الأخطاء يعني تفاوض "المعارضة" مع الروس، وتقوم الجزيرة بتسريب ذلك، يعني أنّ الخيار الأمريكي والتركي والإخواني عمومًا هو التفاوض، وهو رسالة للـ"معارضة" أن لا تذهبوا بعيدًا في الخيار السعودي المترنح، فالقدرة السعوددية على دفع فواتير الفنادق لا تعني قدرتها على دفع فواتير صراعات الكبار، ولكن هذا بكل الأحوال لا يعني استسلام الولايات المتحدة للفشل في تحقيق أهدافها، بل هي محاولة لخلق فراغ تكتيكي تمهيدًا لسياسة الرئيس الجديد في البيت الأبيض، فالتفاوض مع الروس بالتوازي مع دعم أمريكي للأكراد وحماية أمريكية للإرهاب في خطوط حلب سيحافظ على نقاط التماس الحالية قدر الإمكان كما تظن، وبالتالي رئيس جديد يمتلك وقتًا للحرب أو للاستنزاف أو السلم. ولكن ليس كل ما تتمناه أمريكا تدركه، ويبدو أن الهدف الرئيسي لهذه التسريبات في هذا الوقت هي رسالة أمريكية لسوريا وحلفائها من جهة، كما هي رسالة لتركيا من جهة أخرى، مضمونها التبريد أو التجميد، تبريد للجبهات وتجميد للحلول حتى موعد الانتخابات، من خلال طمأنة جميع الأطراف للنوايا الأمريكية الملائكية، وفي انتظار نتائج الميدان في حلب وجرابلس والحسكة، سنعرف حينها إن تسلمت كل الأطراف رسائلها أم تاهت في غبار المعارك وظلمة النوايا.