18 طياراً ينضمون إلى قاعدة حماه الجوية..طلائع عسكرية مصرية في سورية

18 طياراً ينضمون إلى قاعدة حماه الجوية..طلائع عسكرية مصرية في سورية

أخبار عربية ودولية

الخميس، ٢٤ نوفمبر ٢٠١٦

طليعة قوات مصرية في سوريا. «القفزة الصغيرة التي تحتاجها العلاقات السورية المصرية كي تعود إلى طبيعتها»، والتي تحدث عنها قبل أربعة أيام وزير الخارجية السوري وليد المعلم، قد تكون حدثت، وتنتظر تكريساً قريباً مع وصول ديبلوماسي مصري رفيع إلى دمشق، قد يكون وزير الخارجية سامح شكري أو أحد كبار مساعديه.
فالمصريون توقفوا عن مراقبة ما يجري في سوريا دون أن يتحركوا، وقرروا الذهاب أبعد من استطلاع ما يجري على جبهة الشام ومجالهم الأمني القومي، إلى الانخراط تدريجياً، في سوريا. فمنذ الثاني عشر من هذا الشهر، تعمل في قاعدة حماه الجوية وحدةٌ مصرية تضم 18 طياراً، ينتمون إلى تشكيل مروحيات بشكل خاص. وليس مؤكداً أن الطيارين المصريين قد بدأوا المشاركة أم لا في العمليات الجوية، لكن انضمامهم الى عمليات قاعدة حماه، واختيار الطيارين من بين تشكيل الحوامات المصرية، يعكس قراراً مصرياً سورياً بتسريع دمج القوة المصرية، لأن الجيش المصري لا يزال يملك، برغم أمركة أسلحته الجوية الواسعة في الثمانينيات، أسرابا من 60 مروحية روسية من طراز «مي 8»، فيما لم يتبقَّ من الخمسين مروحية سورية من الطراز ذاته، بعد خمسة أعوام من القتال، إلا النصف تقريباً، وهي مروحيات تطلق صواريخ غير موجهة، ومخصصة لنقل القوات الخاصة، وقادرة على العمل بسرعة في مسارح العمليات السورية.
تَقَدَّم الوحدةَ عند وصولها أربعة ضباط كبار من هيئة الأركان المصرية. وفي مقرّ الأركان السورية في دمشق، يعمل منذ شهر ضابطان مصريان برتبة لواء، على مقربة من غرف العمليات. وقالت مصادر عربية مطلعة لـ «السفير» إن اللواءين المصريين يقومان بجولات استطلاعية على الجبهات السورية، منذ وصولهما الى دمشق قبل شهر. وشملت العمليات التقييمية للضباط المصريين معظم الجبهات، وكان آخرُها الجبهة الجنوبية، في القنيطرة، وخطوط فصل القوات مع الجولان المحتل، ودرعا. وأمس الأول، شارك اللواءان المصريان في اجتماع تقييمي لمنطقة عمليات الفرقة الخامسة السورية التي تنتشر حول درعا. وقد عقد الاجتماع المصري السوري في مقر الفرقة السورية في مدينة ازرع، بعد زيارة استطلاعية قاما بها لقاعدة الثعلة الجوية في ريف السويداء.
والأرجح أن ما يجري ليس سوى ثمرة جهود واتصالات مصرية سورية، تكثفت خلال الأسابيع الأخيرة، بعد سلسلة من اللقاءات الأمنية غير المعلنة بدأت قبل أكثر من عام بين القاهرة ودمشق. الوحدة المصرية وصلت بعد ثلاثة أسابيع من زيارة اليوم الواحد التي قام بها الى القاهرة في السابع عشر من تشرين الأول الماضي، أعلى مسؤول أمني سوري، اللواء علي المملوك رئيس مكتب الأمن الوطني، للقاء اللواء خالد فوزي نائب رئيس جهاز الأمن القومي المصري. وتذهب مصادر عربية الى توقع أن يكون الانخراط المصري أكثر من عملية رمزية، برغم معانيها السياسية والاستراتيجية التي تمسُّ طبيعة الصراع الإقليمي حول سوريا، وأن تتعداها الى إرسال قوات صاعقة مصرية للمشاركة على نطاق أوسع في دعم الجيش السوري. ونقلت مصادر عن مسؤول أمني سوري رفيع قوله إن المصريين وعدوا الجانب السوري بإرسال قوات الى سوريا، وإن موعد ما بعد الثالث والعشرين من كانون الثاني المقبل سيكون ساعة الصفر التي سترتفع بعدها وتيرة الانخراط المصري العسكري في سوريا، دون أن يتبين رسمياً سقف ذلك الانخراط. ويقول مصدر سوري مقرب من الملف لـ «السفير» إن موعد ما بعد كانون الثاني المقبل سيشهد وصول قوات مصرية كبيرة ستشارك في العمليات العسكرية، ولن تكتفي بتقديم المدد الجوي في قاعدة حماه.
ويتقاطع وصول الوحدة المصرية الى القاعدة الجوية السورية، التي تشهد عمليات قتالية واسعة حولها منذ أشهر، مع إعراب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بوضوح عن دعم مصر لـ «الجيش السوري» في ما يتجاوز كلاسيكيات الدعوة الى مكافحة الإرهاب، وملامسة عناصر ثلاثية القاهرة، دمشق، بغداد، لترميم منظومة الأمن الإقليمي العربي التي أطاحتها التدخلات التركية والأميركية، وهيمنة السعودية على المؤسسات العربية المشتركة، خصوصاً الجامعة العربية التي لم يعد لها أي وجود.
ففي إطار حديث أدلى به أمس الى الصحافي البرتغالي باولو دانتينيو، تقدم الرئيس المصري نحو موقف يُعَدُّ الأقرب من دمشق. وقال السيسي إن «الأولوية الأولى لنا أن ندعم الجيش الوطني على سبيل المثال فى ليبيا لفرض السيطرة على الأراضي الليبية والتعامل مع العناصر المتطرفة وإحداث الاستقرار المطلوب، والكلام نفسه في سوريا.. ندعم الجيش السوري وأيضا العراق». ويرفض الرئيس المصري توسيع التدخل الدولي في سوريا حتى تحت أعلام الأمم المتحدة، وإبقاء الجيش السوري محور أي عملية تهدف الى إعادة فرض الأمن والاستقرار في سوريا. وقال الرئيس المصري «من المفضل أن تكون القوات الوطنية للدول هي التي تقوم بالحفاظ على الأمن والاستقرار في مثل هذه الأحوال».
وأشار السيسي إلى أن «سوريا تعاني من أزمة عميقة منذ خمس سنوات، وموقفنا منها في مصر يتمثل في أننا نحترم إرادة الشعب السوري، وأن إيجاد حل سياسي للأزمة السورية هو الحل الأمثل، ولا بد من التعامل بجدية مع الجماعات الإرهابية ونزع السلاح منها، بالإضافة إلى وحدة الأراضي السورية، حتى لا يتسبب ذلك في تجزئة مشكلة سوريا، وصولا إلى إعادة إعمار ما دمرته الحرب في سوريا».
والواضح الآن أن مصر التي رفضت المشاركة في عدوان «عاصفة الحزم» على الشعب اليمني، تبتعد يوماً بعد يوم عن السعودية ومحور البلدان الخليجية المتورطة في المذبحة المفتوحة ضد اليمنيين اللذين تعاملا بغطرسة لا قِبَلَ للوطنية المصرية بها، لا بل وتتجه القاهرة، انطلاقاً من حماه، الى مواجهة محتملة معهما عبر الساحة السورية، وهو أحد أبعاد الانخراط المصري في سوريا، حتى ولو بقي في حدوده العسكرية الرمزية في قاعدة حماه، والتي لن تكون كاسرة للتوازنات الميدانية، لكنها ستظل مشحونة برسائل سياسية وجيواستراتيجية مهمة، إذ يوفر تفاهم الحدّ الأدنى السوري - المصري مجدداً، لو تطور، استرداد حجر الزاوية التاريخي في النظام الإقليمي العربي قبل انهياره في العام 2001 عندما استسلمت عواصم العرب الكبرى أمام ابتزاز الولايات المتحدة لها بعد هجمات أيلول في نيويورك، واندثر تماما بعد الهجوم الأميركي على العراق عام 2003. والأهم أن المصريين، ومن دون المبالغة في حجم انخراطهم وتأثيرهم على المسار العسكري، يتيحون لدمشق مع تحليق 18 طياراً عربياً مصرياً في سماء الشمال السوري، وفي مواجهة تحالف تركي سعودي قطري، ومجموعات سلفية إرهابية، سقفاً عربياً ضرورياً، ومهماً، لصراع شهد استقطاباً مذهبياً حاداً مع انخراط إيران في الساحات السورية والعراقية. ويبدو أن أكبر كتلة سنية عربية تتجه الى تصحيح وجهة الصراع بانحيازها الى دمشق، والى إحداث توازن عربي مع تعاظم الوجود الإيراني والروسي في سوريا. ومن الواضح أن الانخراط المصري بغض النظر عن حجمه يعني أن سوريا خط عربي مصري أحمر، وأنه لا يزال لمصر دور إقليمي، في مجالها الشامي، وأنها مع طياريها وقواتها الخاصة، ربما غداً، طرف في المعركة من الآن فصاعداً حول سوريا.