هل يمهّد وصول يلدريم الى بغداد للإنضمام إلى المحور السوري الإيراني؟

هل يمهّد وصول يلدريم الى بغداد للإنضمام إلى المحور السوري الإيراني؟

أخبار عربية ودولية

الأحد، ٨ يناير ٢٠١٧

عبد الباري عطوان
وصل الى بغداد اليوم (السبت) السيد بن علي يلدريم، رئيس الوزراء التركي على رأس وفد وزاري كبير، يضم وزيري الدفاع والطاقة، في محاولة لترميم العلاقات بين البلدين، وكسر حالة العزلة لبلاده مع دول الجوار، بعد تراجع سياساتها في الملف السوري وتوثيق علاقاتها مع موسكو.
اختيار بغداد القريبة جدا من المحور الايراني السوري، وفي هذا التوقيت الذي تشن فيه قوات مكافحة الارهاب العراقية المرحلة الثانية من حربها لاستعادة مدينة الموصل من سيطرة "الدولة الاسلامية"، يعني ان الرئيس رجب طيب اردوغان قرر الانخراط في هذا المحور بشكل اكثر جدية، خاصة انه يخوض حربا صعبة في مدينة الباب في مواجهة تنظيم "الدولة"، وتتكبد قواته خسائر ضخمة بدأت تطرح تساؤلات متنامية في اوساط الرأي العام التركي حول مدى صوابية هذه الحرب وجدواها، وموافقته على سحب جميع قواته من قاعدة بعشيقة شمال العراق، التي كانت موضع توتر مع بغداد، هو احد الادلة في هذا الصدد.
***

هناك ثلاثة تطورات رئيسية، داخلية وخارجية، يمكن من خلالها استقراء الموقف التركي المتأزم، وما ترتب عليه من انعكاسات حتمت تغييرات في الكثير من الملفات الرئيسية في الاقليم:

الاول: توتر العلاقات التركية الامريكية الى درجات غير مسبوقة، فبعد اتهام الرئيس اردوغان علنيا لأمريكا بدعم الارهاب، وتنظيم "الدولة الاسلامية" خاصة، وتخلي حلف الناتو عن تركيا في حربها ضد هذا التنظيم وغيره من التنظيمات الكردية، ها هي الحكومة التركية تصعد حملتها، وتهدد بإغلاق قاعدة انجرليك الجوية في وجه الطائرات الامريكية والغربية الاخرى التي تنطلق منها لضرب قواعد "الدولة الاسلامية" في العراق وسورية، وقال السيد فكري اشيق، وزير الدفاع التركي، امس "يجب ان يدرك الجميع ان القاعدة ليست تابعة لحلف الناتو واستخدامها وغيرها يتم بموافقة انقرة".

الثاني: التصريحات المفاجئة و"الصادمة" التي ادلى بها السيد نعمان قورتولموش نائب رئيس الوزراء، والمتحدث باسم الحكومة واعترف فيها بخطأ السياسات التركية في سورية منذ البداية، و"ان بلاده ارادت بناء مرحلة ديمقراطية في سورية ولكنها لم تتمكن من ضمان تطوير الوسائل السياسية وتنفيذها، فامكانياتنا لم تكن كافية، والمجتمع الدولي لم يقدم دعما جادا في هذا الشأن".

الثالث: وهو داخلي ويتمكن من استمرار حملة الطرد لآلاف الموظفين الاتراك من مناصبهم لوجود شبهات بانتمائهم الى حركة الداعية فتح الله غولن، وآخرهم ستة آلاف موظف، وتمديد حالة الطوارئ لثلاثة اشهر، ووصول عدد المعتقلين الى حوالي 40 الفا، نسبة كبيرة منهم من العسكريين والقضاة والاكاديميين.

التطورات الثلاثة مترابطة ببعضها البعض، ويجب النظر اليها من منظور جمعي لمعرفة مسارات السياسات التركية المقبلة، فمن الواضح ان الرئيس اردوغان بالتهديد بإغلاق قاعدة انجرليك يواصل من خلاله ايصال رسائل اخيرة لواشنطن التي ادارت له ظهرها بالكامل، ولكن من المستبعد ان تستجيب واشنطن اليه، فقد بدأت الحرب ضد "الدولة الاسلامية" قبل سماح تركيا لها باستخدام هذه القاعدة (انجرليك)، كما انها غزت العراق عام 2003 واحتلته، دون الاستعانة بها بعد رفض البرلمان التركي طلبا باستخدامها في هذا الغزو، والسبب بسيط وهو انها تملك قواعد جوية في عدة دول عربية من بينها قاعدة العيديد في قطر.

الرئيس اردوغان يخشى من دعم امريكا للميليشيات الكردية المسلحة وتسليحها على غرار ما فعلت مع المعارضة السورية، مثلما يخشى ان القانون الامريكي الذي صدر قبل اسبوعين بالسماح للحكومة برفع الحظر عن تزويد جماعات مسلحة بمعدات متطورة وصواريخ مضادة للطائرات والدبابات القصد منه دعم الاكراد في سورية وتركيا نفسها.

اما اذا نظرنا الى استمرار حملة الاعتقالات، وتصاعد طرد الموظفين، فإنّ هذه السياسة تذكر بنظيرتها التي اتبعها بول بريمير، الحاكم العسكري الامريكي للعراق بعد الاحتلال، وتمثلت في قانون اجتثاث البعث، وحل الجيش والاجهزة الامنية العراقية، مما ادى الى خلق الحاضنة الدافئة لصعود ونمو "الدولة الاسلامية".
***

المشكلة الاساسية التي يواجهها الرئيس اردوغان ونظام حكمه، ان كثرة التغيير في سياساته والذهاب من اقصى الشمال الى اقصى الجنوب فيها، واتباع الشيء ونقيضه في فترات متقاربة قلص من حجم الثقة بهذه المواقف والسياسات من قبل القوى الاقليمية والدولية على حد سواء، والشي نفسه يقال على صعيد التهديدات وكثرة الرسائل الى هذه الجهة او تلك التي تعكس حالة من الارتباك في معظم الاحيان.

فاليوم يعترف نائب رئيس وزرائه السيد قورتولموش بأن سياسة بلاده كانت خاطئة منذ البداية في التعاطي مع الملف السوري، واذا كان الحال كذلك، لماذا الاصرار على التمسك بهذه السياسة الخاطئة طوال السنوات الست الماضية، وهي السياسة التي لم تكن فاشلة في سورية فقط، وباعترافه، وانما ارتدت ارهابا على تركيا نفسها، وباتت تهددها بالتفكك والحروب الاهلية، الطائفية والعرقية.

تركيا استخدمت الورقة الطائفية جنبا الى جنب مع السعودية، لبذر بذور الفوضى الدموية في المنطقة بدخولها في تحالفات مع امريكا وحلف الناتو، التي هي عضو فيه، وتدخلاته العسكرية في ليبيا والعراق وسورية واليمن، وحديث السيد قورتولموش عن وجود اطراف تريد تشتيت شعوب المنطقة وكسر ارادتها من خلال اذكاء الخلافات العرقية والطائفية بينها صحيح ودقيق، ولكنه نسي او تناسى ان تركيا كانت وما زالت على رأس هذه الاطراف.

في جميع الاحوال ان تأتي هذه الاعترافات والخطوات متأخرة، افضل من ان لا تأتي ابدا، والمهم هو الثبات، وتصحيح الخطأ بجدية.
رأي اليوم