تركيا أطلسية.. وأردوغان ينتظر سياسات ترامب الجديدة

تركيا أطلسية.. وأردوغان ينتظر سياسات ترامب الجديدة

أخبار عربية ودولية

الخميس، ١٢ يناير ٢٠١٧

تركيا تلك الدولة الإقليمية المؤثرة على العالم العربي والإسلامي، وعلى منطقتي البلقان وآسيا الوسطى،تسعى لملمة جراحها، بعد العديد من المشاكل الأمنية والاقتصادية والاجتماعية التي تعترضها، فهل فشلترهانات سياسة أردوغان تجاه سورية ومشروع "الإخوان المسلمين"؟ وهل من رؤية لأنقرة مع التحوُّل الجذري في سورية؟

عن تلك الأحداث الأمنية المنبئة بوجود أكثر من تقاطع مخابراتي يريد اللعب على الساحة التركية، جريدة "الثبات" حاورت الخبير في الشؤون التركية محمد نور الدين،مستفسرة عن الأحوال التركية المتسارعة، وإليكم الحوار:

لتوضيح الرؤية التركية يفصّل نور الدين المنحى الداخلي عن الخارجي، رغم العلاقات المؤثرة والبينيّة فيما بينهما، يقول بخصوص المعطى الداخلي: تركيا منذ الانقلاب الفاشل في مرحلة دقيقة لجهة إعادة تكوين السلطة أولاً، وإعادة هندسة المجتمع التركي ثانياً.

برأي نور الدين، عنوان المرحلة الداخلية بالنسبة للرئيس التركي أردوغان واضح،فهو يدفع الأمور تجاه الاستقطاب الداخلي الإثني مع الأكراد،كما المذهبي مع العلويين، إضافة إلى الديني مع العلمانيين، وتلك المعطيات تؤشر إلى عمله لتغيير النظام - وليس السلطة - من برلماني إلى رئاسي.. وبغض النظر عن تلك المبررات، طبيعة الصلاحيات التي يريد أن يحظى بها رئيس الجمهورية بالتعديل الدستوري المقترَح تفترض وضع كل شيء بيده، بما فيها تعيينات معظم أعضاء الهيئات القضائية، وتحديداً المحكمة الدستورية، بحيث لا يمكن القول بعدها هناك استقلال للقضاء بتاتاً.

معطى داخلي وخارجي

هذا المنحى، بحسب نور الدين، يدفع الأمور إلى اختناق سياسي داخلي بين "حزب العدالة والتنمية"،الذي يقف إلى جانبه "حزب الحركة القومية"، وبين ببقية مكونات المجتمع؛ من أكراد وعلويين وعلمانيين وقوى يسارية وديمقراطية ليست مرتبطة بأي مكون واضح.. وبرأيه،حملة الاعتقالات والتصفيات والإقالات وتجميد الوظائف، مع ما يرافقها من سياسات لعزل رؤساء بلديات، واعتقال لكتاب معروفين، بمجرد انتقادهم لسياسة أردوغان، تؤزّم الوضع الداخلي التركي وتضعه أمام مرحلة انتقالية قد تتبلور معالمها في نيسان أو أيار، مع طرح التعديل الدستوري على الاستفتاء الشعبي، في حال مرّ بالبرلمان هذا الأسبوع.

فيما يخص البُعد الخارجي، يرى نور الدين أن ما يلفت نظر المتابع الدولي حالياً مسألة التقارب التركي الروسي -الإيراني، وحتى العراقي، يقابل ذلك تزايد الشرخ بين أنقرة والولايات المتحدة الأميركية، يقول نور الدين: تركيا مهما اختلفت مع الغرب، وتضاربت المصالح الاستراتيجية فيما بينهما، لا يمكن لأنقرة أن تخرج من تحالفها، لأن علاقاتها بنيوية عضوية وعمرها يزيد عن السبعين عاماً،أما بخصوص علاقاتها مع روسيا وإيران فهي حتى الآن مستجدّة، ومهما بلغت ذروتها من التحسُّن لا يمكن أن تصل إلى مرحلة المحور الاستراتيجي.. أردوغان مهما اختلف مع الغرب، لا يمكنه أن يخرج من هذا المحور، وبتقديري، تقارُب أردوغان مع موسكو وطهران وبغداد وأي دول إقليمية اخرى في المستقبل، ليس سوى مرحلة انتقالية لتوظيف هذه الأوراق لصالح تصحيح علاقاته مع الأطلسي والولايات المتحدة،وتحسين موقع أنقرة في المساومة المقبلة مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

رعاية أميركية للانقلاب

نسأل نور الدين عن الانقلاب الفاشل الذي جرى منذ أشهر:هل تكشّف منه الحقيقي من المسرحي؟ يقول: القناعة داخل تركيا و"حزب العدالة والتنمية" تشير إلى ضلوع فتح الله غولن بعملية الانقلاب بدعم من الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي، وهذا الأمر يستند إلى تحقيقات قضائية وسلوكيات ميدانية للانقلابيين في بعض المناطق، إضافة إلى تصريحات باردة غربية تجاه الانقلاب، وما تلى ذلك من فتور بين أنقرة وواشنطن واضح، وهذا الأمر دفع بأردوغان للالتفات أكثر فأكثر صوب روسيا..

أما بخصوص الأحداث الأمنية المتزايدة في الآونة الأخيرة، فيلفت نور الدين إلى أنالتصفيات الأمنية داخل الجيش والاستخبارات وقوى الأمن الداخلي والمؤسسات الأمنية التي تلتْ محاولة الانقلاب، شكّلت مما لا شك فيه وهناً في تماسُك المؤسسات الأمنية، وضعفاً في قدرتها الفاعلة.. يضيف نور الدين: القدرة الأمنية الاستخبارية تراجعت مع إقالات وتصفيات طالت المراكز القيادية الكبرى، وبالتالي بات اختراق الجبهة الداخلية أسهل من ذي قبل، وهنا علينا ألا ننسى أنه قبل حصول الانقلاب حصلت عشرات التفجيرات..

ولأن طبيعة الأحداث الأمنية التي شهدتها تركيا منذ سنتين متنوعة ومتعددة برأي نور الدين،فإن لكل حدث له طبيعته الخاصة؛ منه ما يستهدف الأكراد، ومنه ما تحمِّل مسؤوليته تركيا لـ"داعش"، فيما الأخيرة لا تتبناه، لهذا السبب حادثة استهداف الحافلات التي بداخلها جنود أتراك وشرطة تركية لها طابع يختلف عن استهداف المدنيين في مقهى "رينا" الليلي بالرصاص العشوائي،ومقتل السفير الروسي من قبَل رجل أمن تركي، وباستثناء التفجير الأخير،"داعش" لم تتبنَّأي تفجير،وفي متابعاتي لرأي بعض المحللين الأمنيين الأتراك المرموقين (بعضهم رؤساء لأجهزة مخابرات سابقين) يشيرون إلى أنه رغم تبنّي "داعش"التفجير الأخير، لكن ذلكلا يعني أنها وراء التخطيط له، لأن جمع المعلومات الجزئية يلحظ عملاً محترفاً؛ تماماً كحادثة مقتل السفير الروسي، وبالتالي هناك أحد داخل الدولة التركيةيقدم التعاون والتسهيلات لجهات وتنظيمات إرهابية لتنفيذ عملياتها، و"حزب العدالة والتنمية" وأردوغان يلفتون إلى تورُّط أجهزة الاستخبارات الأميركية في تلك الأحداث، وهذا التحليل على درجة عالية من الاحتمال الموضوعي والواقعي.

التحوّلات السورية

عنعودة مدينة حلب إلى كنف الدولة السورية،برأي نور الدين الأمور ما بعدها ليست كما قبلها، فتحرير حلب يعطي دفعاً معنوياً لقوات النظام السوري وحلفائه للتعاطي ميدانياً وسياسياً مع المناطق التي خرجت عن السيطرة بطريقة أكثر اطمئناناً وأماناً، وإن كانت تلك المناطق تحت سيطرة "داعش" أو "الجيش الحر" أو غيرهما، يقول: السلوك التركي ما بعد حلب أجبره على تقديم العديد من التنازلات، وهذه السلوكيات سواء كانت داخل سورية لجهة العلاقة مع التنظيمات المعارضة،لاسيما مع "النصرة" في مناطق إدلب أو بعض المناطق العراقية، يريد التركي توظيفها إيجاباً لإجبار الأميركيين كما الروس لزيادة التعاون معهلتحقيق عدة مكاسب.. وبرأيي، تركيا لم تغيّر نظرتها الاستراتيجية تجاه سورية، فالتبدّل هو تكتي فقط، لأنها عملياً غير قادرة ولا تريد أن تقوم بتغييرات أساسية قبل أن تتضح سياسات ترامب الجديدة تجاه المنطقة وسورية ومحاربته للإرهاب.

ويقول نور الدين: ما يسمّى بتحوُّل المسار التركي من الأطلسي إلى محور روسي إقليمي معادٍ لأميركا حتى الآن غير جدي بما فيه الكفاية، يضيف: قبل تبلور السياسة الأميركية من الآن وحتى عدة أشهر لا يمكن ترقُّب الكثير من الأتراك بخصوص محاربتها جدياً للإرهاب في شمال سورية، وإن حصل تنسيق روسي - إيراني - تركي في هذا المجال.

أكراد سورية

وردّاً على سؤال، يعتبر نورالدين أن المكوّن الكردي في سورية لا يريد إنشاء كيان ذاتي مستقل عن الدولة السورية، وإن كان حقهم في الحفاظ على هويتهم الثقافية (لغة – صحف – تلفزيون – راديو) أمراً مشروعاً، وتلك الحقوق يمكن الحفاظ عليها من خلال لامركزية موسَّعة، كأن يكون محافظ القامشلي أو كوباني على سبيل المثال من أهل تلك المناطق، لا من مناطق لا تفهم حاجاتهما، وبرأيه، نحن متجهون إلى هذا الحد بخصوص أكراد سورية، لأن العودة إلى مرحلة ما قبل الأزمة السورية غير منطقية ولا واقعية، سيما أن الأكراد دافعوا عن مناطقهم ميدانياً وعسكرياً وبقوة. يشير نورالدين كذلك إلى عدم قدرة الأكراد داخل سورية إلى إنشاء حكم ذاتي واضح على الطريقة العراقية، كونهم يعانون انقساماً داخلي أولاً وعددهم الديمغرافي لا يتجاوز المليونين والنصف المليون بأكثر تقدير ثانياً، لهذا السبب الأكراد في المنطقة ما زالوا ضحية اللعبة الدولية ولكن هناك تحقيق جيد لبعض المكاسب المتعلقة بهويتهم، وهذا الأمر إنجاز للحركة الكردية بالعموم.

أجرى المقابلة: بول باسيل
الثبات