هل يجمع عون بين السعودية.. وسورية؟

هل يجمع عون بين السعودية.. وسورية؟

أخبار عربية ودولية

السبت، ١٤ يناير ٢٠١٧

عماد مرمل
شكلت زيارة رئيس الجمهورية ميشال عون الى السعودية في بداية العهد علامة سياسية فارقة، لما تختزنه من دلالات وابعاد، سواء في توقيتها أو مضمونها. وتؤشر هذه الزيارة بالدرجة الأولى الى مدى التحولات، بل الانقلابات في المواقف، التي تفرضها الدينامية السياسية وموازين القوى المتحركة، فلا عداوات مستمرة ولا تحالفات دائمة.. وحدها المصالح ثابتة.

وعلى هذه القاعدة، فإن السعودية التي كانت تضع الفيتو الرئاسي على الجنرال، وكانت تناصبه العداء بسبب تمرده على اتفاق الطائف عند إقراره عام 1989، ونتيجة تحالفه مع «حزب الله» وسوريا بعد عودته الى لبنان عام 2005.. هي ذاتها غضت الطرف عن انتخاب عون، ثم استقبلته رئيسا بحفاوة عكسها الملك سلمان الذي تجاوز كل الاعتبارات السابقة، وأعطى توجيهاته الى وزرائه المعنيين بالتجاوب مع طلبات لبنان!

وإذا كان مؤيدو المملكة في لبنان يعتبرون أن انفتاحها على عون يندرج في سياق قناعتها بأن سلوكه كرئيس للجمهورية يختلف عن سلوكه كرئيس «للتيار الوطني الحر» المتحالف مع فريق «8 آذار»، وأنه أصبح بعد انتخابه على مسافة واحدة من الجميع وخارج أي اصطفاف محلي أو إقليمي.. إلا أن هناك في المقابل من يعتقد بأن الرياض وحلفاءها اللبنانيين يحاولون تجميل حقيقة أن خيارهم في المنطقة ولبنان قد هُزم، وأن قبولهم بوصول عون الى رئاسة الجمهورية إنما أتى تحت ضغط موازين القوى المستجدة والوقائع الجديدة التي رجّحت كفة محور المقاومة والممانعة من سوريا الى اليمن، على حساب المحور الآخر.

ويفترض أصحاب هذا التحليل، من معارضي السياسة السعودية، أن قرار الرياض بفتح أبوابها أمام عون، بعدما أقفلت لعقود من الزمن، يعكس محاولة للتعايش مع الأمر الواقع وتقليص الخسائر المترتبة عليه، الى جانب السعي في الوقت ذاته الى «استقطاب» عون وجذبه قدر المستطاع نحو موقع وسطي، على المستويين المحلي والإقليمي، لإبعاده ما أمكن عن خط حزب الله-دمشق.

ثقة كبيرة بعون

ولكن هؤلاء يؤكدون أن الخيارات الاستراتيجية للجنرال هي صلبة وراسخة، وغير قابلة للتحول أو التعديل، خصوصاً انها هي التي حملته الى رئاسة الجمهورية، وهذا ما سيثبت عند أي اختبار مفصلي، مع الاخذ بعين الاعتبار أن موقعه الجديد يُحتّم عليه المرونة والبراغماتية والانفتاح على الجميع والتفاعل معهم.

ومن الواضح أن عدم تحسس «حزب الله» حيال قرار عون بأن تكون السعودية وجهته الخارجية الأولى بعد انتخابه، برغم ما بين «الحزب» والرياض من صراع حاد، هو مؤشر حاسم الى مدى ثقة المقاومة وقائدها السيد حسن نصرالله في رئيس الجمهورية، وحجم الاطمئنان الى سياساته، حتى لو زار السعودية والتقى ملكها، ثم زار قطر واجتمع الى أميرها، مع العلم أن كلا من الدولتين شريك في الحرب على سوريا.

وقد سبق لنصرالله أن أكد أنه ينظر الى عون كجبل لا يهتز، تحت وطأة أي ضغط. وبهذا المعنى، فإن الحزب يفصل بين تموضعه الذاتي وضرورات الدولة اللبنانية التي تستوجب مد الجسور في اتجاهات مختلفة، للمحافظة على مصالحها الحيوية ومصالح اللبنانيين، من دون أن يخشى من أن يتعرض للغدر أو الطعن في الظهر، تحت ظل وجود عون في قصر بعبدا.

ومن لم يتأثر بحرب تموز 2006، وبقي ثابتاً على دعمه للمقاومة فيما كان كثيرون في لبنان والمنطقة يتنصلون منها ويتواطأون عليها، لا يُخشى عليه أو منه في نظر «حزب الله»، لأن من أظهر كل هذه المناعة والحصانة الوطنيتين في مواجهة عدوان إسرائيلي مدعوم من أميركا وبعض الدول العربية، تهون امامه كل أنواع التحديات الأخرى.

الى سوريا

وفي انتظار «تسييل» نتائج لقاءات عون في المملكة، لاسيما على صعيد تحريك الهبة العسكرية المجمدة للجيش اللبناني ورفع الحظر عن عودة السياح السعوديين الى لبنان.. يبدو أن المحك الذي يواجه رئيس الجمهورية في المرحلة المقبلة يتعلق بزيارته المرتقبة الى سوريا، وهي زيارة مدرجة على جدول أعماله، كما يؤكد المقربون منه.

ولئن كانت قوى «8 آذار»، وفي طليعتها «حزب الله»، قد تعاطت بواقعية ومرونة مع رحلة عون الى السعودية، فإن القوى المعارضة لدمشق في لبنان لا توحي حتى الآن بأنها ستتصرف بالطريقة ذاتها، إذا حصل اللقاء بين الجنرال والرئيس بشار الأسد الذي كان أول من أرسل موفداً الى عون لتهنئته بانتخابه رئيساً للجمهورية.

ولعل امتناع الرئيس سعد الحريري عن مصافحة السفير السوري المعتمد في بيروت علي عبد الكريم علي، خلال استقبالات عيد الاستقلال في القصر الجمهوري، يؤشر الى حجم حساسية «تيار المستقبل» وأطراف أخرى كـ«القوات اللبنانية»، حيال فتح أي باب على سوريا، بحجة «ارتكابات النظام ضد شعبه»، وفق أدبيات خصومه.

لكن، ما يتعمد هؤلاء تجاهله هو أن أزمة النازحين السوريين الى لبنان، تتطلب التنسيق مع الدولة السورية لتسهيل عودة أكبر عدد ممكن منهم الى وطنهم وبالتالي التخفيف من أعبائهم الخدماتية على لبنان الذي يعاني من ضغوط اقتصادية واجتماعية شتى.

كما أن تحدي الإرهاب العابر للحدود يستدعي أعلى درجات التعاون بين الأجهزة الأمنية والعسكرية، في الدولتين، بمعزل عن المواقف المسبقة لدى البعض، خصوصاً أن مجموعات من «داعش» و«النصرة» تنتشر في مناطق حدودية مشتركة.

ثم ليس مفهوماً، كيف أن دولاً بعيدة بدأت تعيد النظر في سياستها السابقة المتشددة ضد سوريا وتمدّ خيوطاً أمنية ودبلوماسية مع قيادتها، بينما هناك في لبنان من يرفض الحد الأدنى من التنسيق بين الدولتين اللتين تجمعهما روابط التاريخ والجغرافيا.   

أياً يكن الأمر، فإن عون لا يوحي بأنه من النوع الذي يتأثر بمزاج هذه الفئة أو تلك في ما يفعله، وهو أعطى منذ اللحظة الأولى لتوليه الرئاسة انطباعاً بأنه مصمم على انتزاع أوسع مساحة ممكنة من الاستقلالية في قراراته، بمعزل عن مقدار الخطأ أو الصواب فيها.

وعليه.. هل يستطيع عون أن يجمع بين زيارتين للسعودية وسوريا.. المتواجهتين؟

  صدى الوطن