القصة الكاملة لسفاح إسطنبول وتنقُّلاته حتى لحظة اعتقاله

القصة الكاملة لسفاح إسطنبول وتنقُّلاته حتى لحظة اعتقاله

أخبار عربية ودولية

الخميس، ١٩ يناير ٢٠١٧

في الـ22 نوفمبر/تشرين الثاني 2016 كانت الثلوج تتساقط على مدينة كونيا الواقعة وسط تركيا حينما وصلتها أسرة من الأتراك الأوغر تتكون من 4 أفراد بعد أن عبرت الحدود الشرقية للبلاد مع الجارة إيران.. الأب شاب أوزبكي عمره 33 عاماً يُدعى عبد القادر مشاريبوف، ويقول إنه هنا “من أجل حياة أفضل” مثل كل الناس.

لم يكن أحد يعلم في تلك المدينة التي تحتفظ تحت تربتها بجثمان الصوفي الشهير جلال الدين الرومي، الشهير هنا بلقب “مولانا”، أنها تستقبل شخصاً سيصبح بعد 39 يوماً بالضبط قاتل نفس الرقم من الأشخاص، وكأنه “يفدي” كل يوم قضاه في البلاد بروح.

بدا هذا الرجل، الذي اعتقلته الشرطة أخيراً الإثنين 16 يناير/كانون الثاني 2017 في إحدى الشقق بمنطقة إسنيورت في القسم الأوروبي من إسطنبول، حينما نفذ عمليته، -بدا- رجلاً محترفاً يقوم بعمل استعد لأجله كثيرًا، قبل أن يثبت ذلك حينما اكتشفت قوات الأمن في تحقيقاتها المتتالية أنه تلقى فعلاً تدريباً لسنتين في جبال أفغانستان.

وحسب صحيفة “خبر ترك”، فإن منفذ الاعتداء أوزبكي الجنسية، يُعرف بين إخوته في تنظيم “داعش” بسوريا الذي كان على اتصال معه بلقب “أبو محمد الخرساني”، ويتحدث 4 لغات بطلاقة، هي العربية والروسية والصينية والأوزبكية، كما يستطيع أيضاً أن يتواصل بالتركية.

وفي هذا التقرير نعرفكم على مسار تنقلات الرجل الأوزبكي الذي أرعب تركيا مع بداية 2017، وأثار العالم كله بقدرته على تنفيذ عمله الإرهابي، ثم الهروب كأنه لم يقم بأي شيء، رغم كل التدبيرات الأمنية المتخذة.
الوجهة الأولى: كونيا

حاول عبد القادر أن يظهر مثل أي أب حالم بمستقبل أفضل لأبنائه حينما استقبلته مدينة كونيا الأناضولية أول يوم: بحث في البداية على شقة في المدينة تأويهم بمساعدة أحد السماسرة الذي أجر له أستوديو بمنطقة سولجوكلو بالمدينة.

وحسب صحيفة “حرييت”، فقد بقي الرجل في مسكنه الجديد ليوم واحد فقط، ومن دون أن يُعرف السبب طلب من نفس السمسار أن يُغيره، حيث انتقل إلى شقة أخرى في نفس المنطقة استأجرها بـ1100 ليرة (300 دولار).
وقد التقطت كاميرا مراقبة في الـ15 ديسمبر/كانون الأول 2016 منفذ الاعتداء وهو يدخل إلى محطة الحافلات بمدينة كونيا من دون أن يحمل معه أي أغراض، أو أن يكون معه شخص آخر.

ونشرت وسائل إعلام مختلفة بأن المنفذ كان في طريقه حينها لإسطنبول، من دون أن تؤكد أي جهة رسمية هذه المعلومة.
عندما وصل المهاجم إلى إسطنبول، استقر أول الأمر بمنطقة باشاك شهير، حسب تصريحات لوالي إسطنبول واسب شاهين في مؤتمر صحافي الثلاثاء 17 يناير/كانون الثاني.

وأضاف المسؤول التركي أنه ” قبل الاعتداء بيوم أو يومين غير مسكنه مرتين سعياً منه للتخفي، قبل أن يتوجه إلى الملهى من منطقة زيتنبورنو”.
يوم الاعتداء

في ليلة رأس السنة كان كل شيء بالنسبة للمعتدي قد تم، خرج إلى حافة الشارع بمنطقة زيتنبورنو في إسطنبول الأوروبية، والمعروفة باستقرار الجاليات الآسيوية بكثافة فيها.. أوقف سيارة أجرة واتجه نحو حي بيشيكتاش التاريخي الشهير والقريب من أورتاكوي.

وحسب ما نشرته وكالة “إخلاص” للأنباء، فإنه طلب من سائق سيارة الأجرة أن يجري مكالمة من هاتفه الخاص وهو في الطريق إلى تنفيذه العملية، من دون أن تُكشف هوية الشخص الذي تحدث إليه.

وطلب بعدها من السائق أن يستمر في السير في اتجاه أورتاكوي التي يتواجد فيها الملهى، مروراً بساحل بيشيكتاش على البوسفور (مسافة 4 كيلومترات).

عند وصوله إلى أورتاكوي، طلب الرجل من السائق أن يتوقف على بعد 10 أمتار من ملهى رينا، دفع ثمن الأجرة ونزل ليكمل على رجليه من دون أن يأخذ حقيبة كان قد وضعها في صندوق السيارة.

موقع الملهى

الساعة تشير إلى الواحدة و15 دقيقة صباحاً من يناير/كانون الثاني 2017. داخل ملهى رينا المطل على البوسفور كان أكثر من 600 شخص يحتفلون بقدوم السنة الجديدة، يتمنون لبعضهم البعض عاماً سعيداً وحياة أطول، ولم يكن أحدهم ليتخيل أن العام لن يبدأ سعيداً أبداً، وأن حياة 39 شخصاً منهم سنتتهي بعد قليل.

بينما يعلو صوت الموسيقى من الداخل، كانت خطى “أبو محمد الخرساني” تتسارع في الخارج، أخرج من حقيبة ظهره بندقية كلاشنكوف أوتوماتيكية وأطلق النار على أول شخص رآه أمامه ليرديه قتيلاً على الرصيف، معلناً بذلك بداية أول مجزرة سيعرفها العام الجديد!

لم يكن يحتاج الرجل سوى لـ7 دقائق حتى يقوم بالمهمة الإرهابية التي جاء من أجلها، أطلق النار في كل الاتجاهات وقتل 39 شخصاً وجرح 65 آخرين قبل أن يهرب دون أن يترك خيطاً سهلاً للوصول إليه.

أنهى المجزرة في تمام الساعة الواحدة و23 دقيقة بعد منتصف الليل بعد أن أطلق 180 رصاصة على المحتفلين، وكان بين الفينة والأخرى يتحرك في المكان ليتأكد من وفاة من أصابهم برصاصة، وحينما ينتبه إلى أن أحدهم مازال يتنفس، يطلق النار عليه من جديد حتى يُرديه قتيلًا.
الهروب

إثر تنفيذه للعملية، قام المهاجم بالابتعاد من محيط الملهى مستعملاً سيارة أجرة، لكن السائق أنزله بعد 5 دقائق في منطقة “كورو تشيشمي” قرب مركز بيشيكتاش حينما اكتشف أنه لا يملك المال لدفع الأجرة.

والتقطت كاميرا مراقبة في المكان لحظة إنزال سائق السيارة له.

وحسب والي إسطنبول، فإن المهاجم الأوزبكي تمكن من الوصول إلى منطقة زييتنبورنو من جديد، وهناك انتقل إلى باشاكشهير أيضاً، حيث تنقل بين شقتين متخفياً، قبل أن يذهب إلى منطقة سيليفري، التي تبعد عن إسطنبول 67 كيلومتراً نحو الغرب على بحر مرمرة.

وقال الوالي إن المهاجم عاد إلى منطقة إسنيورت بإسطنبول قبل 3 أيام فقط، لتتمكن قوات الشرطة من كشفه ومراقبة المنزل من دون اعتقاله، في محاولة لكشف علاقاته في المدينة والأشخاص الآخرين الذين يُحتمل تورطهم في الهجوم.

وبعد متابعة متواصلة له، قررت الشرطة التركية أخيراً التدخل واعتقال الشخص الذي كان طيلة الشهر المطلوب الأول في البلاد، مخافة أن يتمكن من الهرب ويفقدوا أثره من جديد.

وقد أُلقي القبض أيضاً على 5 أشخاص تواجدوا في الشقة ذاتها برفقة مشاريبوف: رجل من قرغيزستان وآخر من العراق و3 فتيات، الأولى من مصر اسمها تينا (26 سنة)، والثانية صومالية تُدعى عائشة (27 سنة)، فيما الثالثة سينغالية واسمها دينا (27 سنة)، كان القاتل قد جلبهن ليساعدنه في تدبير أمور المنزل وشراء الطعام.

ووجدت الشرطة في المنزل مبلغ 197 ألف دولار، ومسدسات وذخائر، والعديد من شرائح الموبايل، إضافة إلى طائرتي كاميرا مراقبة “درون”، حيث -وبحسب والي إسطنبول- تستمر التحقيقات لمعرفة لماذا وكيف استخدمت.