إنها تغلي.. باريس وعود الكبريت الرطب منذ الأزمنة الوسطى

إنها تغلي.. باريس وعود الكبريت الرطب منذ الأزمنة الوسطى

أخبار عربية ودولية

الخميس، ٢٣ فبراير ٢٠١٧

ليس في ضواحي العاصمة الرقيقة، مجرد بسمار في الساق يسبب كل ذلك الألم والضجيج الذي ينظر إليه الساسة الطامعون بالإليزيه، من زاويتين متقابلتين بحدة، من أقصى اليمين ومن أقصى اليسار، بل في ضواحي باريس تلك الأعراض السيئة لغرغرينا الفساد التي تنتشر في أطراف نظام الحكم في فرنسا، فرنسا التي لا تريد أن تكون أقل فسادا وانتهازية في السلطة، وليست فرنسا التي تحلم صامتة بعودة شخص على طراز شارل ديغول.
تلك الملاسنات الكلامية الحاصلة بين المتنافسين على الإليزيه لا تنبئ بالخير إطلاقا، باريس التي تغلي لن يبرد نارها عما قريب والتفاؤل لن يكون سيد الموقف، لذلك فإن الاحتكام إلى الشارع سيكون على أشده في الأوقات المقبلة، ثمة من يستنسخ التجربة الأميركية في الانتخابات الرئاسية إلى فرنسا، فتبادل الاتهامات والصفقات المشبوهة صارتها زبدة الفطور السياسي الفرنسي كل صباح ولا يمكن الانطلاق إلى العمل سياسيا دون تناول هذه الوجبة الدسمة، التي لها وقعها الكبير على الشارع الذي لم يعد يريد أن تكون فرنسا إلا أقل فسادا عما هي عليه الآن.
شوارع باريس تدرك تماما أن المنصب الرئاسي، منذ ساركوزي الذي لا يزال عالقا في شباك الاتهامات بالفساد، أن هذا المنصب بات شخصيا جدا ومتملقا لكل قوة يمكن أن تساهم بتحقيق طموحات ضيقة لساكن الإليزيه، الغباء هو الصفة اللصيقة بالسياسة العامة للقصر الرئاسي الفرنسي منذ سنوات وليس قدرة فرنسا على الولوج في الملفات الدولية، بل المطلوب تحديدا هو راحة ساكن الإليزيه أيا يكن، الذي عادة ما تكون تلك الراحة مصطنعة إلى حين الاستفاقة في وقت متأخر على دوي مفاجئ ومرعب لا تحلم به باريس، كما حصل مع فرانسوا أولاند غير مرة.
حتى السلطات الأمنية الفرنسية التي لم تعد تخرج إلى الشوارع دون العصا الغليظة، اعتادها الجمهور وتعامل معها على أنها الواقع الذي لا مخرج منه على الأقل حتى فترة ليست بقصيرة، فالحكومة في باريس الآن هذا هو مزاجها، كثير الغضب والانفعال دون أية أفكار عن تفتيت المشاكل وتحويلها حصواتها إلى رمال تذوب وسط سيول تغييرية يطالب بها الشارع.
إذن باريس تغلي، بين الحين والآخر سنشاهد موجات الفوران تلك، وسينظر أصحاب الياقات اليمينية إلى ذلك على أنه تخريب وخروج على القانون، أي أنهم لا يريدون التعامل مع الأمر بتبصر، لا يريدون حل المشكلة على الإطلاق ولا حتى الاعتراف بها، ربما سيلجأون إلى الكثير من المبررات العنصرية وبعد ذلك، فالتوجه لدى الإليزيه يجب أن يكون باتجاه اتباع سياسات ليست مناسبة محليا، وهذا العقل يذهب بفرنسا إلى مكان بعيد والأضواء فيه مطفأة، يشبه المكان إلى حد ما الأزمنة الوسطى وهذا بحد ذاته ناقوس خطر وسط أوروبا.