صفعة جنيف للمعارضة بـ«حلّ في ظلّ الرئيس الأسد»… والجعفري للتفاوض بعد الإدانة

صفعة جنيف للمعارضة بـ«حلّ في ظلّ الرئيس الأسد»… والجعفري للتفاوض بعد الإدانة

أخبار عربية ودولية

الأحد، ٢٦ فبراير ٢٠١٧

سياسة جديدة في التعامل مع النقاط الساخنة في العلاقات السعودية الإيرانية سجّلتها الزيارة المفاجئة لوزير الخارجية السعودية عادل الجبير إلى بغداد والإعلان عن نيّة تعيين سفير جديد للرياض بديلاً للوزير ثامر السبهان الذي سُحب بعد أزمة علاقات سعوديّة عراقيّة، كانت تتصرّف خلالها الرياض وفقاً لمعادلة المقاطعة كالتي فرضتها على لبنان قبل انعطافها نحو تشجيع حلفائها للسير بانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، ودخول خطّ المنافسة مع حزب الله الذي تعتبره امتداداً للحضور الإيراني، بدلاً من اعتماد المقاطعة بوهم فعالية العقاب الجماعي للبنانيين في دفعهم للاستسلام للمشيئة السعودية.

تبدو سياسة التسابق مع إيران على الحضور اللبناني أقلّ إحراجاً منها في العراق، إن لم تكن أشدّ فائدة، في ظل تمسّك الرئيس ميشال عون بثوابته، رغم اعتماده اللغة الدبلوماسية وحرصه على تطبيع العلاقات العربية والغربية مع لبنان، أما في العراق فتبدو السياسة السعودية الجديدة ترجمة لتفاهم أميركي تركي سعودي يريد عزل العراق عن نقاط المواجهة المباشرة الساخنة مع إيران، انطلاقاً من وجود حضور أميركي مباشر من جهة، ومن جهة مقابلة التسليم بوجود بيئة شعبية حاضنة للحضور الإيراني تشبه لبنان وتزيد، ولا يمكن مواجهتها بل السعي لمنافستها، لحصر الاشتباك السعودي بملفات الخليج، والاشتباك التركي بالملف السوري، ووقوف واشنطن في موقع الضاغط على إيران والمفاوض لموسكو لقطف ثمار هذه المعادلة.

هذا التطوّر، رغم وروده تحت عنوان المواجهة مع إيران بطريقة أخرى، أسهم في تبريد التصعيد، كما فعل التوصل للتفاهم اللبناني على انتخاب العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية اللبنانية، وفتح أملاً بقدرة العراق كما لبنان على لعب دور التبريد للسخونة الإقليمية، ومدّ الجسور بين الرياض وطهران في توقيت مناسب لكليهما، خصوصاً ندماً يتحقّق بنضوج الرياض لتقبّل حقائق الفشل في التصعيد، ووضوح الوصفة الأميركية للتفاوض مع موسكو، وتسليم واشنطن باستحالة جعل حزب الله موضوعاً تفاوضياً مع إيران وروسيا.

في هذا المناخ من التجاذبات والفوضى السياسية، وغياب التواصل الفعلي الهادف للتفاهم على دفع العملية السياسية في سورية، بين موسكو وواشنطن من جهة وبين كلٍّ من الرياض وأنقرة مع طهران من جهة مقابلة، يجمع المتابعون على التشاؤم في توقّعاتهم من محادثات جنيف الخاصة بسورية، رغم شحنة التقدّم التي حقّقتها ورقة المبعوث الأمميّ ستيفان دي ميستورا، تحت ضغط الموقف الروسي الحاضر في كل تفصيل، فسقطت معادلة «الانتقال السياسي» ووهم هيئة حكم انتقالي كانت تتمسّك بها جماعات المعارضة، كلّما ورد الحديث عن جنيف، وجاءت ورقة جنيف هذه المرّة مستندة فقط إلى القرار الأممي 2254 وواضحة اللهجة بسقوط معادلة هيئة حكم انتقالي لصالح حكومة في ظل الرئيس السوري تتّسع لمشاركة المعارضة بينما كان وفد جماعة الرياض المعارضة، وهو يتلقّى صفعة دي ميستورا لم يصحُ بعد من صفعة الموقف الرسمي السوري الذي ربط كل تفاوض بعد جرائم تفجيرات حمص بإدانة صريحة وواضحة لها، فظهر وفد الرياض مقابلها تحت مستوى السياسة ومجرد تابع ذليل لجبهة النصرة، التي ظهرت بتصريحات جماعة الرياض كقائد فعلي للفصائل المسلحة المشاركة من أستانة إلى جنيف من دون أن تقطع فعلياً مع النصرة، من معارك درعا إلى القابون وانتهاء بحي الوعر في حمص، حيث يصطفّ الجميع وراء جبهة النصرة، وها هي تعلن رسمياً مسؤوليتها عن تفجيرات حمص بتوقيت يتصل بجنيف، ولديها ملء الثقة بأن أحداً من الفصائل ومفاوضي المعارضة لن يجرؤ على إدانة واضحة، وبالتالي إثبات إمساكها بقرار المعارضة العسكري والسياسي.

في اليوم الثالث من جنيف ضاعت فرصة ذهبيّة لتقطف المعارضة مناخاً من التفهم والتقدير، لو أقدمت بمبادرة منها بالدعوة لصدور إدانات عربية ودولية لتفجيرات حمص، كعمل إرهابي لا يمثل المعارضة ولا يمكنها النظر إليه إلا كتخريب لمساعيها التفاوضية، وتأكيد خيار جبهة النصرة بالتموضع ضمن معسكر الإرهاب واعتبارها عدواً لكل السوريين، ودعوتها للوفد الرسمي لعدم إفساح المجال لتعطيل التفاوض باعتباره هدفاً للمفجّرين، وأهمية صدور مثل هذا الموقف كانت طبعاً قبل أن يشترط السفير بشار الجعفري رئيس الوفد الرسمي المفاوض إدانة التفجيرات الإرهابية في حمص كشرط لمواصلة التفاوض، ولو حدث ذلك لكان بما سيفتحه من مجال سياسي وشعبي ودبلوماسي لتأكيد صدق ما قالته الفصائل في لقاءات أستانة بداية حقيقية للعملية السياسية، لكن الذي صدر من تصريحات الوفد المفاوض، بعسكرييه وسياسييه، كان صادماً في جنيف بوصوله حد اتهام الدولة السورية بالوقوف وراء التفجيرات، ورفض لفظ جملة واضحة تقول، «ندين التفجيرات الإرهابية التي نفّذتها جبهة النصرة في حمص»، والاختباء وراء كلمات فضفاضة، مثل موقفنا معروف من الإرهاب، وإذا كان هذا العمل يندرج ضمن هذا الإرهاب فيكون الموقف معلوماً، ما أثار السخرية الإعلامية والسياسية من تفاهة الوفد والمفاوضين، عسكريين وسياسيين، وعجزهم عن امتلاك الحد الأدنى من مؤهلات الدور الذي يتنطّحون إليه، وكشفهم درجة الخضوع لسطوة جبهة النصرة.

الفوضى الدولية والإقليمية المحيطة بكل ساحات المنطقة ومساحاتها، انطلاقاً من غياب مفاوض أميركي في الملفات الساخنة، تبدو مصدر إلهام سياسي في لبنان لتصنيع تسويات على طريقة هذه الفوضى، فتبدو الموازنة العامة في طريق الإقرار بعد تأكيد ضمّ سلسلة الرتب والرواتب إليها من جهة، وخضوعها لتعديلات ضرائبية تضمن عدم تعرّضها لمواجهات مع جناحَيْ المعادلة الاقتصادية، الطبقات الشعبية ومقابلها الشركات العقارية والمصارف، ولكلتيهما مَن ينطق بلسانه على طاولة مجلس الوزراء.

فوضى أشد وضوحاً ستحكم ولادة هادئة وباردة قد تمتدّ شهوراً لقانون الانتخابات النيابية، بعدما جرى التوافق على تخطّي عقدة المهل، ونجح النائب وليد جنبلاط بتقديم صيغة صالحة لتنظيم الفوضى، بترجمة معادلة، لا لقانون الستين ولا للتمديد ولا للفراغ، باعتماد معادلة، نعم لقانون يسمح بمرونة التحكم بتوزيع مقاعده بين النظامَين الأكثري والنسبي ورسم حدود الدوائر الانتخابية بإرضاء الجميع بحد مقبول، فتقدّم المختلط كإطار فضفاض على سواه، على أن تملأ تفاصيله وفراغاته بما تقدّمه الأطراف عن مناطق نفوذها كمقترحات لما يناسبها، ويجري تجميعها وتتم المواءمة بين تناقضاتها بتسويات تفاوضية ومقايضات، وبعد الانتهاء من هذه الطبخة يتم استخلاص قواعد تبرّر السير بهذه الصيغة، وإدخال تعديلات طفيفة تمنحها الشرعية وفقاً لمعادلة المعيار الواحد في رسم الدوائر وتوزيع المقاعد بين النظامين الأكثري والنسبي.