المعارضه المصرية بين "الحمْل الكاذب" و"الحمْل خارج الرحم"

المعارضه المصرية بين "الحمْل الكاذب" و"الحمْل خارج الرحم"

أخبار عربية ودولية

السبت، ٢٥ مارس ٢٠١٧

إن ضعف وهشاشة نظام الحكم القائم، وفشله على جميع الأصعده في تحقيق الأهداف المرجوة منه داخليا وخارجيا؛ يجعلنا نتنبأ بسقوطه قريباً رغم دعم الجهات الأربعة له وهي: الشرطة، والقضاء، ورجال الأعمال، والدعم الخليجي، إلا أنه من الوارد جدا تكرار سيناريو مابعد تنحي الرئيس الأسبق مبارك ... فالسيناريو الأكثر حدوثًا هو؛ إقدام القوات المسلحة على إبعاد الرجل من منصبه، وإدارة شؤون البلاد وفقاً لطبيعة صراعات القوى في لحظات الثورة، ذلك أن القوات المسلحة هي أكبر قوة منظمة، ومنضبطة، وتملك السلاح، وبالتالي تستطيع أن تفرض وجودها على رأس الحكم.


والسيناريو الثاني هو تمكن جماعة الإخوان من الوصول إلى السلطة، وهو أمر صعب للغاية بعد أن أظهرت فشلاً، وإخلالاً بمبادىء الثورة، تبلغ حد الخيانه.. مما أدى إلى إحراق ورقتها، وكراهيتها من قبل المصريين، ولكنه يبقى احتمالاً وارداً نظراً لتنظيم صفوفها، وتوحد كلمتها.


وقطعا لا نتوقع وصول الشعب أو ممثليه الحقيقيين إلى السلطة عند سقوط السيسي، وأظن ذلك من الأمور الطبيعية، لأننا حتى الآن لم نتمكن من تأسيس حزب سياسي جاد يعمل على تحقيق مصالح الكتلة الكبرى من بسطاء المصريين، وهم بعشرات الملايين من موظفين صغار، وعمال، وفلاحين إلى طلاب! وحرفيين، وعاطلين عن العمل... أجل هذا الحزب غير موجود بالمرة، وبناؤه يحتاج إلى وعي، ووقت، ودأب حتى يؤمن الشعب ببرنامجه السياسي، ويلتف حوله، ليتسلم السلطة في انتخابات، أو في ثوره قادمة...


فالأحزاب في مصر؛ ليست أحزابا سياسية بل أحزاب شخصية لا تعبّر عن قوى اجتماعيه بل عن أفراد، ولإعادة هيكلتها يجب أن تعلن عن هويتها، وانحيازها، وعن مصادر تمويلها، وعن موقفها من كامب ديفيد، فالأحزاب جميعها تهدف إلى الشهرة، وحب الظهور وليس لها تواجدٌ حقيقي في الشارع.


وللأسف الشديد؛ إن القوى السياسيه قد أضاعت فرصة ذهبية من استغلال الوعي السياسي الشعبي، وحراكه عقب ثورة يناير 2011لهيكلة، وخلق قواعد حزبية تستفيد من هذا التواصل الجماهيري الشعبي مع كيانات تعبر عنه كقناة شرعية منظمة.


ولا شك أنّ معايير التقييم والحكم على مدى قدرة التيارات المعارضة "الحاليه" وجدارتها بأن تحكم مصر... هو تقديمها للبدائل السياسية الموجودة بالفعل، من جانب، ومن جانب آخر وهو الأهم، وضع خطة لتحديد " التكلفة" لتلك البدائل، وآليات وأدوات تنفيذها، وأن توحد صفوفها، وكلمتها، وجهودها.. فلاشك أنّ تخلّف المعارضة المصرية عن الإستجابة للتحديات التي فرضها نظام السيسي على المصريين هو؛ عدم وجود مشروع سياسي يجمع القوى السياسية المختلفة تحت مظلة جامعة تحشد الصفوف لإنقاذ البلاد التي صارت على شفا كارثة حقيقية.


ومع تعدد مصادر الدعم، والتمويل سواء أكان سياسياً، أو مادياً، فإنّ أساليب ومناهج سياسات المعارضة المصرية تختلف تبعاً لنوعية تلك الجهات الداعمة، وللأسف الشديد، إنّ تلك السياسات المعارضة تُدار من خارج مصر، وليس من داخلها، مما يضع تلك الكيانات بشكل مستمر بشبهة، وثمة ريبة، وعديد من التساؤلات، والتنبؤ بفشلها في إحداث حراك وطني شريف تجاه التغيير والإصلاح، وعملية تطهير الصف الثوري منهم بكشفهم، وإقصائهم لم تتم بعد.


فيجب أن تعلن المعارضة المصرية بكل وضوح عن تخليها عن كل مصادر تمويلها الخارجية، وتعلن عن هويتها السياسية بلا مواربة، وتجهر بتبرئها من اتفاقية كامب ديفيد، ورفضها التام لكل سياسات التطبيع، فلا نريد استبدال نظام متحالف مع القوى الإستعمارية واسرائيل خارجيا، وبالداخل يقوم بحماية الطبقة الرأسمالية المعبرة عن تحالفاته الخارجية، بآخر شبيه له !! فكما حدث قديما بأنّ؛ الإنجاز الذي حققه المحارب المصري في حرب 73 قد تم إهداره على مائدة المفاوضات بتحويل النصر إلى تسوية، ومشروع التحرير إلى مشروع تحريك، ثم تطبيع .. لا يمكننا تكراره بواسطة معارضة مزيفة هشة تتاجر بظروف البلد، وأحلام الفقراء، في الوقت الذي لا ترقى إلى الدور الوطني المنوط بها بتغيير النظام لكل اختياراته، وتوجهاته، فالأحزاب المعارضة في الديمقراطيات العالمية، تظل ترمومتر قياس لنبض الشارع، وتطور الحياة السياسية، فلن نقبل أن تكون المعارضة المصرية مجرد تعبير عن "مظلومية" الثوار على غرار مظلومية "الإخوان"، ولن نعترف بهذا المستوى المشبوه من التمثيل الثوري مادام كيانها هشاً، وأجندتها رمادية، ومصادر تمويلها خارجية مبهمة، لا تقدم بديلاً سياسياً لنظام السادات المتوارث، كأداة للإمبريالية العالمية، والرأسمالية المتوحشة.


لن نعترف بمعارضة تعمل على تغيير الأسماء، وليس على سقوط ودحر قواعد نظام فاسد فاشل، فالمعارضة المصرية توهمك بأنها حاملٌ مخلصٌ أمينٌ كفءٌ لمستقبل مصر الواعد، بينما هي -بحقيقتها- تحمل نسقاً مشابهاً لنظام قائم منذ عقود، نسقاً يجمع بين الحمْل، والحلم الكاذب .. ويتموضع خارج الرحم الوطني الشعبي.