من الغارة على تدمر إلى اغتيال مازن فقهاء.. حربٌ لا تريدها «إسرائيل»

من الغارة على تدمر إلى اغتيال مازن فقهاء.. حربٌ لا تريدها «إسرائيل»

أخبار عربية ودولية

الأحد، ٢٦ مارس ٢٠١٧

إيهاب زكي - بيروت برس -

ليس من باب العبث حين نقوم بتشبيه الهزائم الفضيحة التي تُمنى بها مجاميع الإرهاب في سوريا، بالهزائم التي تتلقاها وستتلقاها "إسرائيل"، حيث أن هذه المجاميع لا تتحرك إلا بتكتيكات "إسرائيلية"، وأكاد أجزم أن ما سُمي بـ"الثورة السورية" لو جاءت في ذروة الصعود "الإسرائيلي" لاختلف المشهد واختلفت النتائج عما هي عليه الآن، ولكنها جاءت في زمن الانحدار "الإسرائيلي" وكبديل عن عجز تلك "الدويلة"، وما زالت حتى اللحظة تستثمر في ذلك البديل رغم يقينها بفشله، لكنه رغم ذلك قابل للاستثمار، خصوصًا مع تظافر جهود عربية وإقليمية ودولية لخدمة المصلحة "الإسرائيلية"، بالحفاظ على قابلية هذا البديل للاستثمار. وما إصرار ما يسمى بـ"وفد المعارضات السورية" إلى جنيف على معزوفة رحيل الأسد البالية، إلا أحد الأدلة على ذلك، فالحائط المسدود يعني استمرار الصراع والنزيف، ولكن في هذا الوقت التي تحاول "إسرائيل" إطالته لتستفيد للحد الأقصى، فإنّ محور دمشق يراكم أسباب القوة فيما تراكم هي أسباب الضعف والزوال.

هناك ثلاث ساحات محتملة للعدوان "الإسرائيلي" المقبل بنسبٍ متفاوتة حسب الترتيب، لبنان -غزة -سوريا، ففي لبنان هناك معادلات ردعية قد تم ترسيخها مبكرًا، مما جعل من اليد "الإسرائيلية" تعاني من شللٍ يكاد يكون مزمنًا، وهذا ما يساهم في انحسار القوة "الإسرائيلية" داخل حدود فلسطين المحتلة. أما في سوريا وبعد تصدي الصواريخ السورية، فإنّ تلك اليد اصيبت بالارتعاش المؤدي للانكماش، وهو ما سيزيد من المساهمة في حالة الانحسار. وأما في غزة، فإنّ اغتيال الشهيد مازن فقهاء عبر عملية أمنية لا عسكرية، وكما أُطلق عليها عملية "الاغتيال الهادئ"، فهذا يؤكد أن "إسرائيل" لا تريد حربًا، ليس لأنها "دولة" سلام بل لأنها كيان عجز، فالاغتيال عبر عملية عسكرية تدرك "إسرائيل" أنه سيجرها إلى حربٍ جديدة مع غزة، وبما أنه ليس بمستطاعها الانتصار حتى في غزة، فقد لجأت إلى العمل الأمني لتنفيذ الاغتيال، وقد تكون فكرت أنه بالتعاون مع حلفائها في تركيا وقطر تثني المقاومة عن الرد، وبذلك تكون حازت الحُسنيين، ولكن في حال كان احتمال الضغط مستبعدًا، وقامت المقاومة بالرد بعمليةٍ أمنيةٍ مماثلة، فهل تذهب "إسرائيل" للحرب التي تبغضها ضعفًا لا تنزّهًا.

هذا الانحسار "الإسرائيلي" وكما أنه دليل وهنٍ وهوان، فهو طريقٌ معبدٌ نحو الحماقات، وإذا ما أضفنا إليه حماقة الطاقم السياسي لكيان العدو، يصبح لدينا حماقات مركبة تؤدي إلى أخطاءٍ أكثر حماقة. فيقول الكاتب الصهيوني ران ايدليست في جريدة "معاريف"، إن "نتنياهو جثة سياسية محروقة، والجثة السياسية المحروقة أخطر من الأسد المصاب، فكيف سنعرف توجهه"، ويضيف "يقولون إنّ ليبرمان هو البالغ والمسؤول في الحكومة، ويجب أن يقدم لجمهوره ولو لمرة واحدة إثبات أنه مستعد لقتل الكثير من العرب"، ولنا أن نتخيل "حكومة" يكون فيها ليبرمان مقياس الرشاد، فكيف إذا كان الرشاد بمفهوم تلك "الدويلة" هو قمة الحماقة. فرغم أن "إسرائيل" بـ"حكومتها" و"نخبتها" و"إعلامها" لا تريد افتعال حربٍ نتاج حماقةٍ "حكومية" مقصودة أو نتاج خطأ "حكومي" أحمق غير مقصود، فإنّ "حكومة" (يقولون) إنّ ليبرمان عاقلها الوحيد، قد يكون وجودها الضرورة القصوى لزوال الكيان حربًا لا تلاشيًا وبعوامل ذاتية، خصوصًا إذا أضفنا لمأزق الكيان برمته، مأزق نتن ياهو الشخصي، فهو مُلاحق بقضايا فساد ويهدد بحل "الحكومة" وإجراء انتخابات مبكرة، هذا في الوقت الذي يهدده "حزبه-الليكود" بـ"حكومةٍ" دونه إذا أصرَّ على خيار الانتخابات المبكرة.

نخلص إلى أنّ استمرار العجز "الإسرائيلي" عن تحقيق "رشاد قتل الكثير من العرب"، يؤدي بالنتيجة إلى استثمار ما يسمى بـ"الثورة السورية"، لأنها "الرشاد" الوحيد بالمفهوم الصهيوني، فقد اعتبر الكاتب الصهيوني سالف الذكر وفي محاولة تنصلٍ واضح من دعم ما يسمى بـ"الثوار والمجاهدين"- كما هي السياسة الكلامية لكيان العدو حيث يتشدقون بعبارة لا ندعم أي طرف في الحرب السورية-، يقول "إنّ الغارة الإسرائيلية الأخيرة لم تخدم الأمن الإسرائيلي، بل خدمت مصالح عصابات السعودية التي تخسر الحرب أمام إيران وسوريا وحزب الله". والحقيقة أنه رغم ما أدعيه من خبرة، فلا أستطيع تلمس المصالح السعودية الخاصة في سوريا دون ربطها بخدمة المشروع الصهيوأمريكي، فالسعودية كيان غير عاقل وبالتالي غير مفكر وبالتالي فهو منزوع الأهلية لننسب إليه الإرادة والقدرة. وختامًا، فإنّ الرشاد الحقيقي لـ"إسرائيل" هو الاستمرار بالاستثمار في ما يسمى بـ"الثورة السورية" كبديلٍ للعجز والانحسار، وأن الحماقة الأكبر هي التفكير بالتغلب على هذا الانحسار وعلى هذا العجز بمحاولة إثبات العكس.