تركيا بين سياسة أردوغان والاستحقاقات المقبلة

تركيا بين سياسة أردوغان والاستحقاقات المقبلة

أخبار عربية ودولية

الثلاثاء، ٢٨ مارس ٢٠١٧

 تحسين الحلبي

تساؤلات وأسئلة ملحة كثيرة تطرحها دول عديدة في المنطقة والعالم حول مدى قدرة أردوغان على الاستمرار بسياسته المضطربة والعدائية في كل الاتجاهات، فالملاحظ أنه على المستوى الدولي له مشكلات مع الاتحاد الأوروبي ومع روسيا وله علاقة ما تزال إدارة ترامب تعمل على توظيفها في المنطقة وعلى المستوى الإقليمي، الكل يرى أن أردوغان قام بانتهاكات صارخة وعدائية مباشرة ضد سورية والعراق وإيران، ولم يتحقق أي استقرار واضح لمستقبل هذه السياسات المتناقضة.. ومع ذلك يلاحظ المراقبون والمختصون أن الاتحاد الأوروبي ما زال يرى فيه حليفاً في (الناتو) الحلف الأطلسي رغم كل المشكلات التي تظهر بينه وبين ألمانيا، وهولندا واليونان، وهذا يعني أن أردوغان يشعر بحاجة الاتحاد الأوروبي لخدماته مهما كانت مناقضة ومنتهكة للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.. وعلى الرغم من محاولات موسكو الصبورة والهادفة إلى إيقاف انتهاكاته ضد سورية والجوار وتصحيح علاقاته مع طهران وبغداد، إلا أن هذه المحاولات ما زال من الصعب المراهنة على نجاحها أمام استمرار سياسته العسكرية العدوانية على سورية وفوق أراضيها.
لكن من الواضح أن هذه السياسة التي ينتهجها أردوغان جعلت تركيا تشرف على مرحلة انتقالية يعتقد المختصون أنها تتجه نحو إحدى نتيجتين: إما أن تزداد الانقسامات الداخلية في الوضع السياسي والاجتماعي التركي لسنوات كثيرة، وإما أن تتجه نحو انصياع أردوغان لضغوط مباشرة حادة من الجوار الإقليمي ومن المستوى الدولي الذي تمثله موسكو وبكين مع حلفائهما وبشكل لا تستطيع فيه واشنطن فرض كل شروطها.
وفي هذه الحال ستتوقف المسألة برمتها على مدى نجاح التحالف الدولي والإقليمي الروسي في تصفية مجموعات داعش والنصرة والقاعدة ليس من سورية وحدها بل من العراق وحرمان أنقرة من المراهنة على هذه المجموعات. ولذلك كان من الطبيعي أن تصر دمشق وطهران وموسكو في اجتماعات (أستانا) على أولوية محاربة المجموعات الإرهابية مهما كانت أسماؤها كمرحلة أساسية تنقل الوضع الإقليمي المجاور لتركيا إلى اختيار جدول عمل آخر.
تتمكن فيه دمشق وبغداد من السير نحو استعادة الاستقرار الداخلي من دون وجود الإرهاب. ويبدو أن ما يدركه حلفاء سورية في هذا الموضوع يدركه أردوغان الذي سيتوقع أن تفرض عليه نتيجة كهذه استحقاقات لا يرغب بدفعها تجاه سورية والعراق، لكنه مجبر في الوقت نفسه على التعامل معها مثل سحب قواته من أراضي سورية والعراق والانخراط في عملية مفاوضات سلمية مع كل الدول التي تضررت من دوره.
فالزمن لا يعمل لمصلحة أردوغان وطموحاته التوسعية، لأن حلفاءه في حلف الأطلسي أو في الاتحاد الأوروبي يواجهون ظروفاً غير مستقرة، ويعمل كل منهم على المحافظة على مستقبله سواء خارج الاتحاد أم في البقاء في الاتحاد بعد خروج بريطانيا وتهديد بعض القادة الفرنسيين بضرورة إجراء تغيير في العلاقات بين دول الاتحاد. وتبدو تركيا في هذا المشهد عامل عبء وليس عاملاً مساعداً أو مفيداً لأوروبا في ظروفها الراهنة، وربما تراهن موسكو على أن خسارة أردوغان بين الدول الأوروبية قد يدفعه إلى سياسة جعلته في الآونة الأخيرة يطلب من بوتين الانضمام إلى منظمة (دول شنغهاي للتعاون) التي تضم روسيا والصين والهند وإيران ودولاً آسيوية أخرى، ورغم أن أردوغان قد لا يكون جاداً في هذا الطلب الذي يتناقض مع استمرار بقائه في (الناتو) إلا أنه يدرك أيضاً أن تركيا مقبلة على دفع ثمن بعد أن أغلق الاتحاد الأوروبي أبوابه أمامها بسبب أردوغان نفسه، بينما لم تتضح سياسة ترامب تجاهه بالشكل النهائي حتى الآن، لكن المهم أن تركيا عام 2017 أصبحت تتعرض بسبب أردوغان لعوامل ضعف داخلي واضح وعوامل اضطراب وتناقض في علاقاتها مع دول كانت تعتمد عليها وعلى دورها قبل أن تتحول موسكو وحلفها الإقليمي في المنطقة إلى قوة صاعدة وقادرة على فرض خطوطها الحمراء.