قمم العرب .. تاريخ من التطبيع .. مقابل "لا" واحدة

قمم العرب .. تاريخ من التطبيع .. مقابل "لا" واحدة

أخبار عربية ودولية

الأربعاء، ٢٩ مارس ٢٠١٧

 في تاريخ القمم العربية كلها، لم يقل العرب "لا" إلا في قمة واحدة يتيمة، مازالت الأجيال تذكرها بقمة اللاءات الثلاث، (لا صلح، لا تفاوض، لا اعتراف) تلك التي عقدت في الخرطوم عام 1967. "لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض مع العدو الإسرائيلي قبل أن يعود الحق لأصحابه".
لم يعد الحق لأصحابه، إلا أن زعماء العرب دخلوا في صلح وتفاوض واعتراف، بل أكثر: عرضوا ما لم يكن أحد يتوقعه: التطبيع الكامل، (المباردة السعودية التي تبنّتْها قمة 2002) والمفارقة أن تلك القمة عقدت في لبنان البلد الذي بقيت فيه طوال سنوات شعلة مقاومة الكيان الإسرائيلي، والذي كان قبل عامين فقط شهد نصراً على الاحتلال حققته مقاومة أنجزت تحرير معظم الجنوب.


شجب وتنديد .. وتطبيع

قضية فلسطين رافقت كل القمم العربية، وكانت على رأس جدول أعمالها، لكنها في الواقع كانت شعاراً يُطرح، لا قضية يتم تبنيها، هنا بعض الوقائع، والدلائل:

بعد نحو عام على تأسيس الجامعة العربية، بدعم وتوجيه بريطاني، عقدت القمة الأولى بدعوة من الملك فاروق في قصر أنشاص في مصر، "طالبت" القمة "بوقف الهجرة إلى فلسطين، ومنع تسرب أراضيها إلى الأيادي الصهيونية"

احتلت فلسطين، ولم يجتمع زعماء العرب.

القمة الثانية جاءت بعد عشر سنوات من الأولى 1956 وإثر الاعتداء الثلاثي على مصر.

ومنذ القمة الرسمية الأولى التي عقدتها الجامعة العربية كمؤسسة سياسية، عام 1964، تم الاتفاق على أن تعقد القمم دورياً كل عام (وإن لم يحدث ذلك عملياً)، وصارت القضية الفلسطينية ترافق تلك القمم، لكن، في بيانات الشجب والتنديد والاستنكار.

بعد قمة اللاءات الثلاث التي جاءت بعد نحو شهرين من "نكسة حزيران" عام 1967، كان مقرراً أن يجمتمع العرب لوضع استراتيجية موحدة لمواجهة "إسرائيل"، عام 1969 لكن القمة لم تصدر بياناً ختامياً.

وبعد شهر على الحرب الأولى التي كانت فيها (سورية ومصر) صاحبتا المبادرة في الحرب ضد "إسرائيل" عُقدت قمة الجزائر. التي قررت "ضرورة التحرير الكامل لكل الأراضي المحتلة عام 1967".

صارت "فلسطين" تعني في القاموس الرسمي العربي "الأراضي المحتلة عام 67".

ورغم النصر الذي تحقق عام 73، كانت الدول العربية على موعد مع حدث شكل في حينه ذروة الاتجاه الخياني: توقيع اتفاقية كامب ديفيد في أيلول عام 1978.

بعد نحو ثلاثة أشهر على الاتفاقية اجتمع الزعماء العرب في بغداد، وقرروا رفض الاتفاقية، ونقل مقر الجامعة إلى تونس، وتعليق عضوية مصر ومقاطعتها "مؤقتاً لحين زوال الأسباب".

لم تزل تلك الأسباب باقية حتى اليوم، وعادت مصر، (1989) كما عاد مقر الجامعة العربية إلى القاهرة.


أول مبادرة تطبيع .. سعودية:

موقع الجامعة العربية لا يحتوي أي شيء عن قمة فاس عام 1981.

تلك واحدة من القمم الفاشلة كما توصف، إذ لم تستمر أكثر من أربع ساعات، بعد أن رفضت عدة دول (سورية، الجزائر، ليبيا، العراق) إضافة إلى منظمة التحرير الفلسطينية، ما عرضته السعودية (عبر ولي العهد آنذاك فهد بن عبد العزيز) وهي المبادرة التي عرفت لاحقاً باسم "مبادرة الملك فهد للسلام"، وهي في الواقع لم تكن سوى محاولة أولى تطبيعية، إذ كانت تنص على "حق كل دول المنطقة في العيش بسلام".

لكن الدول العربية عادت لتستأنف القمة عام 1982 وتتبنى المبادرة، في قمة عقدت في فاس أيضاً، وكانت تحوي اعترافاً ضمنياً بـ "إسرائيل"، وقد حرص الزعماء العرب على عبارة مثل "دعم صمود الشعب الفلسطيني" في وثائق القمة، رغم ذلك.

وبينما كان العرب مشغولون بالبحث عن "مبادرات السلام" كانت "إسرائيل" ترد على "الغزل العربي" باجتياح لبنان. سيناريو تكرر ذاته تقريباً عام 2002:


مبادرة تطبيع أخرى .. سعودية:

قمة بيروت عام 2002 تبنت مبادرة الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز، (وكان وقتها ولياً للعهد، تماماً كما أن الملك فهد كان ولياً للعهد حين طرح مبادرته) وسميت بـ "مبادرة السلام العربية" وهي تتلخص "بالتطبيع الكامل"، مقابل الانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967.

واللافت أن قمة عمان السابقة 2001 كانت دعت "لمواصلة توظيف الطاقات العربية في خدمة قضايا الأمة العربية ووضع إمكانياتها كافة لتحرير الأرض العربية المحتلة"

طرح العرب مبادرتهم تلك، وعرضوا "سلاماً" على كيان لم يستطيعوا أن "يمونوا" عليه بمجرد الموافقة على السماح للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بحضور تلك القمة، بل إن "خطأً تقنياً" كما قيل حينها، منع بث كلمة متلفزة له. لم تكتف "إسرائيل" بمنع عرفات من المغادرة بل هي زادت وتيرة القصف والحصار الذي كانت تفرضه عليه.

يومها حاول وزير الخارجية القطري حمد بن جبر أن يقدم للعرب إحدى "فوائد التطبيع" حين قال أمام عدسات التلفزة إنه يتواصل مع الإسرائيليين لمحاولة فك الحصار عن عرفات.

الرد الإسرائيلي على القمة التطبيعية لم يتأخر كثيراً .. ولم يكن بالتجاهل فقط، بل باجتياح الضفة، وارتكاب مجازر كان أبرزها في مدينة جنين، ولم تستطع مبادرة العرب حتى أن تفك الحصار عن عرفات.

وبقي العرب في جميع قممهم اللاحقة يجددون التمسك بخيارهم الاستراتيجي ذاك، "مباردة السلام" حتى "قمة غزة" عام 2009، التي جاءت بعد أقل من شهر على العدوان الإسرائيلي على غزة، عقدت القمة "بمن حضر" ورغم أن القمة التي حضرها 12 زعيماً عربياً حاولت أن تظهر بمظهر الصقور، واستعادة بعض أمجاد قمة اللاءات الثلاث، إلا أن سقف قراراتها كان: "تعليق المبادرة العربية للسلام، ووقف كافة أشكال التطبيع مع إسرائيل".


تعليق عضوية سورية

تلك الدول التي أقرت في إحدى قممها (قمة 2003) بـ "عدم السماح لأي دولة بمساعدة العدوان على العراق" ثم قام بعض الزعماء الذين وقعوا على ذلك بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية على الغزو البري والجوي للعراق (وهي: قطر والكويت، والسعودية، بالدرجة الأولى).

تلك الدول ستبدأ منذ 2011 مساراً جديداً في قممها، وهو العام الذي تم فيه تأجيل القمة إلى أجل غير مسمى.

كانت آخر قمة عربية تحضرها سورية هي التي عقدت في ليبيا القذافي عام 2010، ومنذ 2011، العام الذي فرضت أحداثه إلغاء القمة العربية، بقي مقعد سورية شاغراً (باستثناء الحدث الذي شكل خرقاً لكل الأعراف، عام 2013 حين احتل الائتلاف ذلك المقعد).

وهو اليوم شاغر .. في القمة التي وصلت أخيراً إلى مكانها الأكثر تعبيراً: قمة البحر "الميت"