موسكو تتحدى واشنطن من خلال «الديبلوماسية الناعمة»

موسكو تتحدى واشنطن من خلال «الديبلوماسية الناعمة»

أخبار عربية ودولية

الخميس، ٣٠ مارس ٢٠١٧

استيقظ الدبّ الروسي من سباته العميق الذي بدأ منذ أكثر من 25 عاماً – ومن النافذة السورية بالتحديد – ليتحدى الولايات المتحدة، التي حكمتْ الساحة الدولية بأحادية، من خلال الديبلوماسية الناعمة باستقبال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نظيره الإيراني حسن روحاني.

وكان ساكن البيت الأبيض الجديد دونالد ترامب قد أعلن عداءه الصريح لإيران منذ وصوله الى الحكم ليلوّح بوجه الجمهورية الإسلامية بنقض الاتفاق النووي وليستقبل أعداء إيران في الشرق الأوسط ويعلن الشراكة معهم «لاستئصال الإرهاب الإيراني في المنطقة».

وبدل الساعتين المقرَّرتيْن والجلسة المبرْمجة بين الرئيسين، عقد بوتين مع روحاني جلستيْن استمرتا أربع ساعات وُقّع بنتيجتهما 14 اتفاقاً وبرتوكولا استثمارياً وتجارياً وعلمياً وتكنولوجياً. وكذلك أعرب بوتين وروحاني عن الاتفاق في الأهداف لمكافحة الإرهاب والتعاون الأمني – السياسي في الملفات الساخنة مثل سورية واليمن وليبيا وأفغانستان. وقد فتحتْ إيران مطاراتها العسكرية للطائرات الروسية كمحطةٍ قبل الانطلاق نحو أهدافها داخل سورية. وكذلك شكّلت الأزمة السورية باباً لتَعاوُنٍ غير مسبوق بين البلدين حيث قدّم كلٌّ منهما الدعم العسكري اللا محدود من الطائرات وحاملات الطائرات والأسلحة المتطورة والرجال والمال والنفط والتخطيط والتنفيذ لقيادة أركانٍ مشتركة، على الرغم من بروز بعض الخلافات التكتيكية التي قبِلتْ بها إيران ودفعتْ بها روسيا الى الأمام لتُظهِر دوراً دولياً يتخطى الأهداف الإيرانية العدائية لأميركا واسرائيل.

فروسيا لا تريد الحرب مع أميركا ولا تطلب معاداتها ولكنها لن تجاريها أو تسير خلفها في أي سياسةٍ تتضارب مع مصلحة موسكو. كما أن روسيا لا تريد العداء مع اسرائيل ولن تتدخل في الصراع الايراني (وحلفائه) مع تل أبيب ولا بشعائر طهران المنادية بـ «إزالة اسرائيل من الوجود». إلا أن روسيا لم تتردّد في إنذار اسرائيل حين اعتقد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو انه يستطيع اللعب في العمق السوري وأن لا يلتزم بما وضعتْه موسكو من خطوط حمر. وتجلى ذلك في مرحلتيْن: الأولى خلال زيارة نتنياهو موسكو واستخفاف بوتين بالمقاربة الدينية التي قدّمها رئيس وزراء اسرائيل إليه وردّه خائباً في ما

خص طلبه معاداة أو دفْع إيران خارج سورية، والثانية عندما سمحتْ روسيا لدمشق بإطلاق صواريخ باتجاه طائرات «الميغ» الاسرائيلية حين ذهبتْ الأخيرة نحو تدمر، وأسقطت دمشق طائرة من دون طيار وأطلقتْ صاروخاً بعيد المدى نحو اسرائيل. كل هذه وسائل ديبلوماسية ناعمة استخدمتْها موسكو في وجه تل أبيب لتقول إنها لا تريد أخذ أي دور في الصراع الموجود بين اسرائيل وايران، ولكنها لن تسمح لأحد بأن يلعب داخل سورية بطريقةٍ تفسد هدف روسيا بوقف الأعمال العدائية وإطلاق عملية السلام ومحاربة الإرهاب وعدم الغوص داخل المستنقع السوري بل إخراج الجميع منه بأيّ وسيلة، ديبلوماسية أم عسكرية خشنة.

لكن هذا لم يمنع نشوب خلافات تكتيكية على الأرض في سورية. إذ ان هدف إيران إعادة فرض السيطرة الكاملة للجيش السوري والتمسك بالرئيس بشار الأسد وطرْد كل الجيوش الغريبة من الأراضي السورية والقضاء على «داعش» و«القاعدة».

أما روسيا، فإنها تتعايش مع الأمر الواقع وتقبل بـ «الاحتلال» التركي – الأميركي للأراضي الشمالية السورية في الوقت الراهن لأنها تريد وقف الحرب والجلوس الى طاولة المفاوضات. وهذا ما دفع موسكو الى ايجاد خط موازٍ – وليس إلغائياً – لجنيف في كازاخستان (استانة) لتقول للعالم عموماً وللولايات المتحدة خصوصاً انها عادت وهي تحمل السلاح بيدٍ وغصن الزيتون باليد الأخرى، وبأدواتٍ تخصها هي ولا تقتصر فقط على أدوات غربية، من دون ان تتخلى موسكو عن المحافل الدولية التي هي ايضاً جزء منها.

وفي التاريخ المعاصر، لم تصل أبداً العلاقات بين موسكو وطهران الى هذا المستوى من التعاون الاستراتيجي منذ أكثر من عشرين عاماً، بدءاً من التعاون التجاري وصولاً الى المستوى الأمني الاستراتيجي، لتُدخِل موسكو حليفتها طهران في محور آسيا واوروبا وهي التي كانت قد صوّتت 4 مرّات على عقوباتٍ ضد برنامج إيران النووي في مقررات الامم المتحدة ولمصلحة القرار 1973 الذي سمح لـ «الناتو» بالدخول الى ليبيا وترَك خلفه دولةً فاشلة حَكَمتْها الفوضى وتحكّم بها الإرهاب.

اما اليوم، فإن بوتين لا يريد لروسيا ان تعود الى حجرها الذي استيقظت منه وهو عبَر على جسر سورية لينتقل الى العالم الشرق أوسطي وللساحة الدولية ليتحدى الغرب الذي أراد دولة فاشلة أخرى في بلاد الشام ليحكمها الإرهاب المتمثل بعشرات الآلاف من المقاتلين الذين تعتبرهم المجموعة الدولية إرهابيين، فقط تحت عنوان «إسقاط النظام».

أما عن عداء الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإيران، فإنه لا يعني بوتين بشيءٍ، لاسيما وانه لم يرصد اي تعاون مميّز بين موسكو وواشنطن ولا أي تَقارُب ولا شراكة على اي مستوى يُذكر لا في سورية ولا في أي مكان آخر حتى الآن.

فبدل أن تتقدّم العلاقات، ها هو ترامب يعود الى الوراء في الملف السوري ويرسل جنوداً بالمئات إلى الشمال السوري ليؤكد نياته باحتلال الأرض، وها هو ترامب يبتزّ دول الشرق الأوسط مادياً تحت غطاء «معاداة إيران» ليعلن الحرب الكلامية على طهران من دون ان يبادر لأيّ خطوةٍ عملية ضد الجمهورية الإسلامية.

وهكذا يمثّل اللقاء والتعاون الايراني – الروسي تحدياً واضحاً لواشنطن، خصوصاً ان بوتين يريد إشراك طهران في بحر قزوين والقوقاز وأفغانستان وليبيا وسورية وكذلك اليمن في محادثات السلام التي يعمل لأجلها بوتين.

إذاً، المواضيع المشتركة أكثر وأبعد بكثير من سورية والشرق الأوسط، ولهذا فإن من الطبيعي ان تخسر واشنطن وتل أبيب وبعض دول الشرق الأوسط جراء هذا التقارب الروسي – الإيراني، لاسيما وان هذا التعاون بدأ يتّخذ منحى غير مسبوق بين البلديْن.