أفغانستان من أوباما إلى ترامب: «طالبان» لا تزال الأقوى

أفغانستان من أوباما إلى ترامب: «طالبان» لا تزال الأقوى

أخبار عربية ودولية

السبت، ١ أبريل ٢٠١٧

يكثر الحديث حالياً عن الاستراتيجية الأميركية في أفغانستان وذلك لسببين: أولاً بسبب تسلّم إدارة جديدة للسلطة في واشنطن، وثانياً لأنّ الحديث يرتبط باتهامات أطلقها مسؤولون عسكريون أميركيون منذ مدة قصيرة عن روسيا ودورها هناك
لور الخوري

يحيط الغموض بالاستراتيجية التي قد يتّبعها دونالد ترامب في أفغانستان، في ظل التجاهل العلني الذي تبديه إدارته تجاه هذا الملف الشائك، منذ تسلّمه السلطة، في 20 كانون الثاني. إلا أنّ صمت ترامب تقابله توصيات من سياسيين وعسكريين، يدعون فيها إلى زيادة عدد الجنود الأميركيين في أفغانستان، فيما تواجَه هذه التوصيات بتساؤلات عن مسار الحرب هناك، ونهايتها.

ورغم الاعتراف بإخفاق الرئيس السابق باراك أوباما، في مقاربته لهذه المسألة، لكن محاولات البحث عن توجّه مختلف لا تعطي رؤية مغايرة عمّا انتهجه هذا الأخير، على مدى السنوات الثماني السابقة.
وإذا أصغى ترامب أو لم يصغِ إلى دعوات السيناتور جون ماكين، وزميله في لجنة القوات المسلّحة في مجلس الشيوخ ليندسي غراهام، التي تطالب بزيادة عدد الجنود الأميركيين في أفغانستان، يبدو أن الحلول المتوافرة حالياً، ستستنسخ فشل أوباما. انطلق ماكين وغراهام من كلام قائد القوات الأميركية وقوات التحالف في أفغانستان الجنرال جون نيكلسون، ليقترحا توسيع الوجود الأميركي هناك. وفي مقال في صحيفة «واشنطن بوست»، أشارا إلى أن نيكلسون أكد أن الحرب هناك وصلت أمام «طريق مسدود». ووفق ما يرى السيناتوران، «يجب على ترامب مقاربة الحرب في أفغانستان» كما يقارب الحرب ضد «داعش»، مع إشارتهما إلى القوة الكبيرة التي باتت تتمتع بها حركة «طالبان»، بسيطرتها «على أكثر من 52 في المئة» من أراضي البلاد، في مقابل ضعف الحكومة المدعومة من واشنطن. وبرأيهما، فإن هذا الأمر ضرورة، لأن هناك ما يشكل «تهديداً حقيقياً» على «الأمن القومي الأميركي».

إنّ المزيد من التدخل
الأميركي يُبقي أفغانستان
رهينة لواشنطن

لا يوجد ما هو جديد في اقتراح ماكين وغراهام، ذلك أن النمط عينه الذي يتحدثان عنه، كرّرته الإدارات الأميركية المتعاقبة، منذ سنوات في أفغانستان، أو على الأقل منذ عام 2007. وهذا ما دفع المقدّم المتقاعد في الجيش الأميركي، ديفيد إل دايفس، إلى القول إنّ من الضروري إعادة النظر في «أخطاء الماضي»، مشيراً في مقال في مجلة «ذي ناشيونال إنترست»، إلى أكثر من ألفي قتيل من الجيش الأميركي وأكثر من 17 ألف جريح، ومليارات الدولارات التي أُنفقت في تلك الحرب، فضلاً عن الضحايا المدنيين، فيما لم تنجح بلاده «من خلال زيادة عدد جنودها، منذ عشر سنوات إلى اليوم، بالفوز أو بتغيير الواقع الميداني».
وإذا لم يكن الحل في زيادة عدد الجنود، فقد يكون سياسياً، بنظر الباحث بارنيت روبين. بعبارة أخرى، فإن «أميركا لا تستطيع تنقية أفغانستان من الإرهاب»، وفق ما يرى روبين، في مقال نُشر أيضاً في مجلة ذي «ناشيونال إنترست». بل إن المزيد من الجنود قد يحرك «الحالة الجامدة» بشكل طفيف ولمدة أطول، وهذه الحالة قد تدوم «بقدر ما تنوي الولايات المتحدة أن تدفع أموالاً». ويشير روبين إلى أن «الاستراتيجية الحالية» تعني «التزاماً أبدياً من قبل الولايات المتحدة»، ذلك أنها لا تقوم «بشيء لتغيير الظروف الجيوسياسية التي خلقت بيئة محفّزة للإرهاب العالمي في المنطقة الحدودية بين أفغانستان وباكستان».
الباحث في السياسة الأميركية في أفغانستان بول ميلر، يضع الحرب في هذه البلاد في إطارها السياسي أيضاً. وفي مقال في مجلة «ذي أميركان إنترست»، يشير إلى أن إدارة أوباما فشلت، حتى اللحظة الأخيرة، في «فهم شروط الانتصار في الحرب، والتي تتمحور حول خلق نظام سياسي بديل». ويذهب إلى ما هو أبعد من مجرّد الحديث عن الأخطاء، متطرّقاً إلى نوع من «الحلول»، على اعتبار أنه «من دون نظام مستقر وشرعي في أفغانستان، لن يكون هناك نهاية للعنف السياسي».
من ناحية أخرى، يمكن القول إن «التهديد» المباشر الذي تطرّق إليه ماكين وغراهام ليس حقيقياً، بالنظر إلى أن هدف «طالبان» هو تسلّم «السلطة في أفغانستان، وليس شن حرب ضد الولايات المتحدة»، على حد تعبير الباحث تشارلز بينيا، في تقرير على موقع «ذي أميركان كنسرفاتيف». أكثر من ذلك، فإن «الوجود الأميركي» لا يفعل شيئاً سوى «إضفاء المزيد من المعنى لجهود طالبان»، أي بمعنى آخر إعطاء سبب لتحركات «طالبان» المختلفة، وهو ما يشير إليه الباحثان مايكل سامبل وثيو فاريل، في دراسة أعدّاها في كانون الثاني، واستندا فيها إلى مقابلات مع قادة ووزراء سابقين في «طالبان».
الوسائل السياسية تعني عدم التعامل مع «طالبان» كـ«منظمة إرهابية»، وهذا ما آثر أوباما القيام به. فعندما ورث الحرب في أفغانستان عن سلفه جورج بوش الابن، عمد إلى تحديد مواعيد ــ تبيّن لاحقاً أنها وهمية ــ لإخراج جيشه من هناك. لم يتمكن الرئيس السابق من الوفاء بوعوده، ليغادر السلطة تاركاً في أفغانستان 9800 جندي أميركي. اعتمد أوباما، منذ عام 2009، استراتيجية مبنية على تدريب القوات المحلية الأفغانية، لتخوض المعارك المباشرة مع «طالبان»، تاركاً الباب مفتوحاً أمام المفاوضات السياسية مع الحركة (التي للإشارة لا ترِد على اللائحة الأميركية للمنظمات الإرهابية). بالتزامن، اعتمدت نوعاً من الازدواجية، منتهجة قتل قادة الحركة من خلال استهدافهم بطائرات من دون طيار، من دون أن يلعب جيشها سوى دور استشاري، وذلك مع إطلاق أوباما لقب «حرب الضرورة» على مغامرة بلاده في أفغانستان.
إدارة أوباما لم تغلق الباب كلياً أمام التعامل مع «طالبان»، أو مع من اعتبرتهم غير ملتزمين إيديولوجياً في الحركة. ففي عام 2013، سمحت لـ«طالبان» بتأسيس «سفارة في المنفى في العاصمة القطرية الدوحة» مع رفع العلم ومنح المميّزات الدبلوماسية الأخرى. إضافة إلى ما تقدم، أطلقت الولايات المتحدة، عام 2014، سراح خمسة من كبار قادة «طالبان» من سجن غوانتانامو.
مع كل ذلك، لم تعطِ «طالبان» لأوباما، قبل نهاية ولايته، «النصر» الذي أراد أن يخرج به، وهو عبارة عن «صفقة سلام». بل إن أوباما لم ينجح بالخروج من المستنقع الأفغاني، ولو بتحقيق واحد من وعوده. علاوة على ذلك، أخفقت الحكومة المدعومة من واشنطن، في تحقيق المطلوب منها، ما انعكس في سيطرتها الضعيفة على أجزاء من البلاد، في مواجهة «طالبان» التي رسّخت حضورها في مناطق عدّة، فيما تبدو قادرة على تهديد مناطق خارج دائرة نفوذها التقليدي.
لا يمكن القول إن الولايات المتحدة لم تستثمر الوقت الكافي في هذه الحرب، لكنها لم تحقّق أهدافها المعلنة، بل «خلقت ظروفاً ومشاعر لمصلحة من يجندون الشبان ويحوّلونهم إلى إرهابيين»، وأوجدت «فراغاً في السلطة ليملأه إرهابيون وقادة حرب وميليشيات طائفية وإثنية... الحرب الأهلية والإرهاب استتبعا ذلك»، يقول الباحث راجين مانون، في «ناشيونال إنترست»، متحدثاً عن وقوع عدد هائل من الأسلحة الأميركية في أيدٍ وصفها بالـ«خطأ»، وذلك بالإشارة إلى أن الولايات المتحدة أرسلت، بالأساس، أعداداً كبيرة من هذه الأسلحة للجيش والميليشيات التي درّبتها.
المزيد من التدخل الأميركي سيبقي أفغانستان رهينة للولايات المتحدة، لكنه لن يكون قادراً على تغيير مسار الحرب بشكل دراماتيكي. فكما الملا أختر منصور من قبله، هكذا تعهّد زعيم الحركة الجديد، الملا هبة الله أخند زاده، بمواصلة «الجهاد». وإن كان ذلك يعني شيئاً، فهو أن «طالبان»، وإن كانت عاجزة عن حكم أفغانستان مرة أخرى، إلا أنها ستكون جزءاً من مستقبلها السياسي، في السلم أو في الحرب. وقد تُختصر هذه المعادلة في عبارة استخدمها تقرير نُشر على موقع «ذي إنترسبت»، وهي: «كما أوباما من قبله، سيصعّد ترامب تلك الحرب، وكما أوباما من قبله، سيخسر ترامب تلك الحرب».

«النفوذ الروسي يتزايد»

أعلن وزير الدفاع الأميركي جايمس ماتيس، أمس، أن بلاده قلقة بشأن وجود روسيا في أفغانستان وتعاملها مع مقاتلي «طالبان». وقال: «رأينا نشاطاً روسياً يتعلق بطالبان... لن أقول في هذه المرحلة إن كان هذا قد تجلى في صورة أسلحة أو أشياء من هذا القبيل، لكن المؤكد أن ما يسعون إليه هناك في ضوء أنشطتهم الأخرى يثير قلقنا». وفي السياق، أعلن أنه لم يحسم بعد ما إذا كان سيوصي بزيادة في أعداد القوات الأميركية في أفغانستان.
بدوره، رأى الجنرال الأميركي والقائد الأعلى لـ«حلف شمال الأطلسي» في أوروبا، كيرتس سكاباروتي، الأسبوع الماضي، أنه «منذ فترة، شهدتُ النفوذ الروسي وهو يتزايد من ناحية الارتباط وربما حتى الإمدادات لطالبان»، وهو أمر نفته موسكو. في المقابل، تحدثت الخارجية الروسية عن أن الولايات المتحدة لن تشارك في مؤتمر سيعقد الشهر الحالي في موسكو بشأن أفغانستان، وهو ليس الأول من نوعه الذي تستقبله العاصمة الروسية. ففي كانون الأول الماضي، عقد حوار روسي ــ باكستاني ــ صيني بشأن المفاوضات السياسية في أفغانستان.
(الأخبار)