ترامب يغرق في الرمال..

ترامب يغرق في الرمال..

أخبار عربية ودولية

الأحد، ٢ أبريل ٢٠١٧

يتبادل الساسة الأميركيون، من كلا الحزبين والولاءات المتعددة، الاتهامات اليومية حول ترسيخ مفهوم "علاقة قائمة لترامب مع روسيا". أما المؤسسة العسكرية وحلفاؤها فهي ماضية دون رقيب بتعزيز حضورها وترسانتها بالقرب من الحدود مع روسيا. في هذا التحليل أستعراض للإنقسامات السياسية داخل المؤسسة على خلفية تلقي الرئيس ترامب هزيمة لمشروعه "الغاء واستبدال" برنامج الضمان الصحي – اوباماكير؛ وما يتبعه من استكشاف للعقبات التي تعترض سلاسة آليات الحكم بين المؤسستين الرئيسيتين: الرئاسة والكونغرس. كما سيلقي الاضاءة على الانهيار السريع في شعبية ترامب التي بلغت ادنى مستوياتها بين كافة الرؤساء السابقين.

أبرز الاسئلة على ألسنة العامة والمختصين على السواء تمحورت حول قضيتين: هل لترامب علاقة "خفية" مع موسكو؛ ثم هل من دليل يثبت ادعاءه بالتنصت الرسمي على مكالماته بقرار رئاسي – أو ما شابه. الاجابة القاطعة ليست ضمن المتاح من المعلومات، وربما الهدف الابعد هو إلقاء ظلال من الشك على أهلية الرئيس ترامب القيام بمهامه والدفاع عن المصالح الوطنية.

من المرجح أن يبقى السؤال الاول معلقاً لدواعي الحفاظ على هيبة المؤسسة الحاكمة، وأن الثمن كان الاطاحة بعدد من أعضاء إدارة ترامب. أما سؤال التجسس فقد أجاب عليه بوضوح لا غبار عليه النائب السابق في مجلس النواب، رون بول، قائلاً إنه "بالطبع. الدولة تتجسس على كل فرد منا".

بول استند في حكمه القاطع على ملابسات تصريحات رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب، ديفين نيونيز، مطلع الاسبوع الجاري بالزعم أن "بعض أعضاء حملة ترامب الانتخابية، وربما ترامب نفسه، كانوا ضحية معلومات جانبية جمعت عن غير قصد."

ويمضي بول في تعليل قراره أنه لو صحت تلك المقولة فإن "أحد ما أصدر أمراً رسمياً لمراقبة شبكة الاتصالات الخاصة بحملة ترامب الانتخابية، وقد يكون أوباما استند إلى المادة 702 من قرار مراقبة الاتصالات الأجنبية" على الاراضي الأميركية، الصادر عام 2008. المادة تعرف للعامة بأنها "إطلاق يد الدولة في التجسس الداخلي لقاء توفيرها الحماية من العمليات الارهابية."

يستدرك بول بالقول إننا حقيقة لا ندري إن كان الرئيس أوباما متورطاً أم لا، أم هي استعراض عضلات لخصوم ترامب السياسيين بغية إلحاق الضرر بحملته.

صراع مراكز القوى

على الطرف المقابل، تتصاعد التجاذبات والمنافسة بين مؤسسة الرئاسة والكونغرس في سعي ثابت لأعضاء الحزب الديموقراطي، بشكل أولي، إلصاق تهمة محاباة ترامب لروسيا وتدخلها المزعوم في الانتخابات الرئاسية لصالحه. بينما في حقيقة الأمر ينفذ ترامب عكس ذلك وبالتعارض مع وعوده الانتخابية، بل يواصل العداء لروسيا ويمارس رياضة التعرض لقوانين البيئة وتفكيك القيود التي فرضها الرئيس أوباما على الشركات الكبرى عبر ولايتيه الرئاسيتين.

التدقيق في طبيعة "الصراع" المشار إليه يقود المرء لتشكل قطب جديد نافذ وبقوة في السياسة الأميركية عماده الصقور في كلا الحزبين، "المحافظين الجدد"، بالتضافر مع أذرع الاجهزة الأمنية – لا سيما مسؤولين ومدراء سابقين في وكالة الاستخبارات المركزية.

للدلالة، يتردد الآن بقوة أن المدير الأسبق للوكالة المركزية، جيمس وولسي، هو من بادر بالاتصال بصحيفة "وول ستريت جورنال" ومشاركتها "بعض" المعلومات الحساسة التي تخص مستشار الأمن القومي السابق، مايك فلين، لا سيما نشاطاته التجارية مع اللوبيات التركية وآخرين. يشار إلى أن وولسي كان أحد أعضاء حملة ترامب الانتخابية منذ وقت مبكر وتم "الاستغناء" عن خدماته لتضارب آرائه وترامب حول رؤية الاخير للأجهزة الاستخباراتية التي ينوي إعادة تشكيلها.

وذهب وولسي بعيداً في إثبات "الادلة" الظرفية والمادية، للصحيفة المذكورة، 24 آذار، والتي تدحض ادعاءات ترامب وفريقه في عدد من القضايا. على سبيل المثال، يزعم وولسي أنه "شارك" في لقاء معد بين المستشار السابق مايك فلين، "وعدد من مسؤولين أتراك رفيعي المستوى، من ضمنهم وزيري الخارجية والطاقة نسيب الرئيس أردوغان، ايلول/سبتمبر 2016 .. استعرض فيه السبل التي من شأنها تسليم الولايات المتحدة للمطلوب لأنقرة، فتح الله غولين".

ويضيف وولسي أن "غولين مجند قديم لوكالة الاستخبارات المركزية."

نسرد هذا العرض لتبيان ربما ما هو أخطر في تقرير الصحيفة، إذ أوردت في نهاية المقال أن شركة "اينوفو" التركية مقرها في هولندا، ومملوكة لأحد مقربي أردوغان – ايكيم ألب تكين – أبرمت عقداً كبيراً مع المستشار السابق مايك فلين، قيمته نصف مليون دولار لمدة 3 أشهر "بالنيابة عن شركة إسرائيلية تعمل في قطاع تصدير الغاز الطبيعي إلى تركيا"، من حقلي "ليفياتان وتامار" في مياه البحر المتوسط.

باستطاعة المرء استكشاف البعد الاسرائيلي في صراع مراكز القوى، عند الاخذ بعين الاعتبار أن "وولسي" لا يزال من أشد مناصري إسرائيل، داخل المؤسسة وخارجها، وما قام به ضد مشغله السابق فلين هو لإبعاد الشبهة عن نفسه بالتطوع لتسريب معلومات منتقاة، كما يعتقد بعض الخبراء الأمنيين.

ومن أبرز مظاهر صراع مراكز القوى المتعددة ما يجري من استقطابات حادة داخل الحزب الجمهوري واعضائه في الكونغرس، إذ استطاع فريق ضئيل العدد من كبار المتشددين في الحزب من الاطاحة بتعديل برنامج الضمان الصحي نظراً لعدم تلبيته شروطهم ومتطلباتهم المقترحة، التي ظلت حتى اللحظات الأخيرة قيد المراهنة.

بل شكلت هزيمة بالمعنى الاشمل لجوهر برنامج الحزب الجمهوري الذي راهن على استثمار حجم التوفير الحكومي على برنامج الضمان الصحي، تراوحت التقديرات بين 300 إلى 500 مليار دولار على امتداد عشر سنوات، لتبرير إقدامهم على تقليص معدلات الضرائب على الميسورين والاثرياء.

ويستدل من ذلك أن الخريطة السياسية للحزب الجمهوري تحديداً ستشهد تباينات علانية ربما أشد مما ظهر، وأضحى الحزب "التقليدي والمحافظ" أسير خطابه المتشدد عينه وعجز قادته عن رأب الصدع في بنية الحزب.

الهزيمة التي تلقاها ترامب في مطلع ولايته ليست بالهينة عليه، لا سيما وأن أحد أركان خطابه الانتخابي ووعوده السياسية كان استحداث قرار ضمان صحي جديد، بالاستناد غلى الاغلبية العددية من الجمهوريين في مجلسي الكونغرس. واضطر، رغم خطابه الواثق من النجاح، إلى سحب المشروع بعد استحالة اقناع عدد كافٍ من الجمهوريين، وهم من صوت على تمرير القانون الاصلي عام 2010.

وما لبث ترامب أن لجأ لمهاراته العملية بالقفز عن المسألة قيد البحث، وتجرع الهزيمة، والانتقال إلى مسائل أخرى مدرجة على جدول أعماله أبرزها نيته تخفيض حجم الضرائب على الشرائح العليا وكبار الاثرياء، وهي مسألة تحظى بإجماع الحزبين.

ولعل المستفيد الاكبر من "الهزيمة" كان ترامب إذ تحمل المسؤولية رئيس مجلس النواب بول رايان وفريق الحزب الجمهوري الاكثر تشدداً، "تجمع الحرية"، وما ستتركه من تداعيات على الانتخابات النصفية المقبلة، عام 2018، التي ستطال كافة أعضاء مجلس النواب، 435، ونحو ثلث مقاعد مجلس الشيوخ – 34 مقعداً؛ فضلاً عن انتخابات مناصب حكام الولايات لنحو 39 ولاية من أصل 50.

وعليه، تحول أعضاء الكونغرس بمجلسيه إلى حالة أشبه بالدعاية الانتخابية المستمرة والشلل العملي، وتداعياتها السلبية على التئام أعضائه أو الموافقة على استصدار قوانين "جديدة" مدرجة على جدول أعمال الرئيس ترامب.

أما الحزب الديموقراطي، فقد استعاد بعض حيويته في التصدي والمعارضة لبرامج ترامب وفريقه، ونال زخماً إضافياً عقب هزيمة مشروع استبدال "أوباما كير"، كان في أمسّ الحاجة إليه، وأضحى أقل ميلاً للمساومة بين الفريقين – بعبارة أخرى استبدل موقع الحزب الجمهوري في التعامل "السلبي" مع الرئيس أوباما.

أما أوضاع الحزب الداخلية فلا زالت تعاني من وطأة الانقسامات الانتخابية، بين جناحي كلينتون وبيرني ساندرز؛ وتداعيات الفضائح السياسية التي نشرتها ويكيليكس عن اللجنة الوطنية (المركزية) للحزب، مما أدى لإقالة المدير التنفيذي ومن خلفها في المنصب. بل إن رئيس اللجنة المنتخب حديثاً، توم بيرز، طلب من كافة أعضاء موظفي اللجنة تقديم كتاب الاستقالة كي يتسنى له النظر مجدداً في تعيين ما يراه مناسباً لأجندة الحزب.

ترامب: إلى متى؟

سلسلة متواصلة من الهزائم "لحكم" ترامب أرخت بظلالها على الاداء الأميركي العام. وحذرت أسبوعية "ذي ايكونوميست"، في عددها الاخير من أن ترامب "عالق في الرمال .. ورئاسته في حفرة" حفرها بنفسه: بدءاً بقراراته الرئاسية الاقصائية، إلى تحديه القضاء الأميركي لتجميده العمل بقرار رئاسي يحظر دخول مواطني سبع دول عربية وإسلامية، مروراً بعثرات فريقه الداخلي وإقالة مستشاره للأمن القومي، وانتهاء بهزيمة برنامجه لاستبدال الضمان الصحي.

هناك إجماع بين أقطاب المؤسسة الأميركية لحثّ ترامب على الاقرار بأن آليات التعامل التجاري "تختلف تماماً عن آليات الحكم"، التي تخضع للرقابة والمساءلة. أما مديات كراهيته للمؤسسات الاعلامية فهي مؤشر على اخفاقات داخلية يعاني منها، ويلقي باللائمة على الآخرين لقصوره الذاتي.

أما الهزيمة السياسية التي تلقاها في الكونغرس فإنها تدل على ما هو أبعد من تصارع تيارات عدة داخل الحزب الجمهوري، وتؤشر إلى خلل بنيوي كامن في مشروع القرار المقدم، فضلاً عن تسطيح مُخِلّ لقضايا متشعبة تقتضي حنكة ودراية عالية.

الانحدار الحاد في شعبيته، 35%، يدل على تآكل قاعدته الاجتماعية "العمالية،" بالدرجة الاولى؛ وفشل فريقه في استقطاب تيارات أخرى خارج الحزب الجمهوري الذي أصبح في وضع يهدد أحدهما بقاء الآخر.

الخروج من مأزق الصراعات الحادة داخل الحزب الواحد ومع عموم المؤسسة الحاكمة يقتضي بناء تحالفات بين الفريقين: ترامب بحاجة ماسة لاستقطاب واسترضاء قادة الحزب الديموقراطي، وإشراكهم في الاستفادة من "مشاريع البنى التحتية الضخمة"، التي وعد بها ترامب. فالقاعدة العمالية للحزب الديموقراطي تنوء تحت وطأة شح فرص العمل، والطرفان باستطاعتهما "إنقاذ" بعضا من سمعة وهيبة منصب الرئاسة – في المدى المنظور على الاقل.

البديل الآخر هو ما يحذر منه ويخشاه كبار المسؤولين: استشراء حالة الشلل وتبادل الاتهامات، وعجز كلا الفريقين عن استنباط "آليات حكم" بعد انكشاف الغلاف العازل لهيبة مؤسسة تستعصي على الحكم السوي.

المصدر: مكتب الميادين في واشنطن