من الشعيرات إلى طنطا.. الرصاصة الأولى في الحرب الثالثة

من الشعيرات إلى طنطا.. الرصاصة الأولى في الحرب الثالثة

أخبار عربية ودولية

الأربعاء، ١٢ أبريل ٢٠١٧

أسامة الدليل - كاتب مصري

الحروب والفوضى والتخريب، وكل عمل غير طبيعي يقع في مكان ما من العالم عادة ما تكون له أصداء في الجغرافيا سواء المحيطة أو البعيدة، هذا ما استقر عليه الجيوبوليتك لأكثر من مئة عام من الرصد والبحث والتحليل، لذلك ليس مستغرباً أن تكون يد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ملوثة بدم المصريين في طنطا والإسكندرية الذي سفك صباح الأحد الماضي، ومن قبلها بدم العراقيين المدنيين الذين قتلهم «الدواعش» غرب الموصل صباح السبت، وبدم الشعب العربي الفلسطيني على يد «الدواعش» في مخيم عين الحلوة في صيدا اللبنانية ظهر الجمعة، وبدم الشعب العربي الليبي في جنوب «برقة» حيث تحركت ميليشيات الإرهاب الداعشي في اليوم ذاته للقضاء على قوات الجيش الوطني الليبي، وبالتزامن ضحايا الإرهاب في استوكهولهم في السويد الأوروبية السبت، وقنبلة لم تنفجر في أوسلو عاصمة النرويج صباح الأحد… كل ذلك تم خلال 48 ساعة ترتيباً على الضربة العدوانية الخرقاء التي استهدفت مطار الشعيرات في ريف حمص فجر يوم الجمعة الماضي.

ما قام به ترامب كان عدواناً تخريبياً محدوداً لم يتخط جغرافيا الشعيرات والقرى المحيطة، وقد تعافى مطار الشعيرات في أقل من 12 ساعة، واصلت بعدها الطائرات السورية نهار الجمعة قصف معاقل الإرهاب، لكن المشكلة كانت تكمن في الرسالة من وراء هذا التخريب المحدود وهي من بندين:

أولاً: نحن جزء من معادلة النفوذ على الأرض ونصطف إلى جوار كل من يرمي لتغيير الخرائط في هذه المنطقة، ولا يهم إذا كان اصطفافنا إلى جوار الإرهاب الداعشي مادام هذا الأخير لا يستهدف أمن «إسرائيل».

وثانياً: نعم هذا استفزاز علني لروسيا والصين!

إعلان «داعش» مسؤوليته عن التفجيرين الانتحاريين في وسط وغرب دلتا النيل «طنطا والإسكندرية» يكشف عن حقيقة البند الأول بجلاء، فتوقيع «داعش» على الأحداث التي تلت الضربة في العراق ولبنان وليبيا ومصر وكذلك في السويد والنرويج يثبت لنا أن الإرهاب تلّقى تفويضاً واسعاً بموجب هذه الضربة العدوانية المحدودة التي يعرف العسكريون في واشنطن أنها بلا أي قيمة استراتيجية وأن مخاطرها وأعباءها أكبر ألف مرة من مكاسبها، وأنها وبالنص: تبعث برسائل خاطئة إلى المنطقة بأسرها.

ثم إن الضربة الداعمة للإرهاب لم تكن ردة فعل على اتهام الحكومة السورية باستخدام سلاح كيماوي تشهد المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة رسمياً على عدم وجوده في أيدي الجيش العربي السوري، مقابل توافر مئات البراهين على وجوده في يد الإرهاب في العراق وسورية وليبيا، ذلك أن اختيار المجال الجوي اللبناني خط سير للصواريخ الأمريكية لتفادي الدفاعات الجوية الروسية على سواحل المتوسط في طرطوس يعني أن التزام واشنطن بالمذكرة الموقعة بين الطرفين لمنع الحوادث في المجال الجوي السوري قد انتهى بالالتفاف عليها، وتم استخدامها في الخداع، ما أفضى بالجانب الروسي إلى إيقاف العمل فوراً بها. وهو ما كان ينتظره الكونغرس الأمريكي الذي كان جاهزاً للتوقيع فوراً صباح السبت على تفويض ترامب بإرسال صواريخ محمولة كتفاً مضادة للطائرات للإرهابيين في سورية، وهو بالضبط ما كان يرمي إليه التركي أردوغان منذ عامين ليتمكن من «قطف ثمرة» دعمه للإرهاب في سورية. السرعة التي تمّ بها التصويت وتزامنها مع تجدد مناشدات أردوغان بإنشاء ما يسمى «مناطق حظر طيران» في الشمال السوري يؤكد، بما لا يترك مجالاً للجدل، أن ضربة الشعيرات كانت فعلاً مبيتاً وليست رد فعل، والتصريحات الرسمية الأمريكية مساء السبت التالي للضربة بأن ضرب الشعيرات كان رسالة تحذير لأطراف أخرى يؤكد أنها «رسالة» وأن لا علاقة لها بمكافحة الإرهاب وأنها تستهدف جغرافيا أخرى وهنا نأتي للبند الثاني.

تلقائياً اكتمل الاستقطاب، ذلك أن التحالف السوري –الروسي- الإيراني ازداد صلابة، والصين لم تتزحزح عن موقفها من الأزمة، بل شاركت القاهرة مناشداتها للمجتمع الدولي بالتوقف عن العبث من خلال التصعيد في سورية والعمل على الحل السياسي بأسرع ما يمكن، تفادياً لإراقة دماء -سالت بالفعل- في غرب آسيا وشمال أفريقيا ووسط أوروبا في غضون 48 ساعة. ولعل ما بين أيدينا الآن من تحرك للقطع البحرية الأمريكية باتجاه شبه الجزيرة الكورية لشنّ ضربات ضد بيونغ يانغ «النووية» يؤكد أن نيات إشعال حرب عالمية ثالثة تتواجه فيها القوى التي انتصرت في الحرب الثانية قد تجاوزت حدود الخفاء، وأن العدوان على قاعدة الشعيرات في سورية هو رصاصة البداية وأن المواجهة الوشيكة ستدع خريطة المنطقة العربية بيد الإرهاب يرسم فيها ما يشاء ويزيل فيها ما يشاء من حدود، وأنه لا الأمم المتحدة ولا مجلس الأمن ولا القانون الدولي يمكنهم وقف آلة العبث الغربي في المجال الحيوي الأوراسي.

والحق أنه كان علينا أن ننتبه منذ كانون الثاني الماضي أننا في 2017، أي في مئوية وعد بلفور، والثورة البلشفية، وبداية انضمام لورانس للشيخ فيصل، واحتلال القوات البريطانية لبغداد بعد إخلاء العثمانيين والغزو النمساوي- المجري لفورلاني الإيطالية، وانطلاق معركة رفح على الحدود المصرية مع فلسطين، وإعلان أمريكا الحرب على ألمانيا في سياق الحرب العالمية الأولى