أحمدي نجاد يشاغب على الرئاسة

أحمدي نجاد يشاغب على الرئاسة

أخبار عربية ودولية

الخميس، ١٣ أبريل ٢٠١٧

خلال سنوات حكمه إحترف محمود أحمدي نجاد جذب نظر الإعلام إليه. كانت كلماته تصبغ شاشات التلفزة الخبرية باللون الأحمر مرات عديدة في الأسبوع. هكذا تحول ابن حي نارمك شرقي طهران إلى أكثر الرؤساء الإيرانيين إثارةً للجدل. تخلى الرئيس السابق عن هوايته لردحٍ من الزمن. أربع سنوات غاب فيها عن الضوء. ربما كانت فرصةً للاستراحة قليلاً في الظل بانتظار أن يعود بضوضاءٍ أكبر، لكن كثراً كانوا يتساءلون كيف سيعود؟

قبل أشهرٍ طويلة من موعد انتخابات 2017 كان أحمدي نجاد يخط خارطة جولاته على المحافظات. بهدوء، من الظل الذي كان يسكنه أراد أن يثبِّت نفسه تدريجياً مرشح الأمر الواقع في مواجهة الرئيس الحالي حسن روحاني. ولأنه رجل صاخب حتى في قمة هدوئه أثارت حركته اهتمام الكثيرين ودفعتهم للسؤال عن حقيقة ما يصبو إليه. لم يطل الأمر حتى بدا واضحاً أنه ذاهب بخطىً واثقة نحو الترشح للرئاسة، وذهب إلى المرشد الأعلى السيد علي خامنئي سائلاً النصح، فكان الجواب الذي أبلغه إياه خامنئي وعاد وكرره أمام جمع من طلاب العلم الفقهي في 26 أيلول/سبتمبر 2016: "قلتُ له، بملاحظة صلاح حاله وصلاح حال البلاد، لا تشارك في القضية الفلانية. ولم أقل لا تشارك، قلنا: لا نرى من الصالح أن تشاركوا. هذا ما قلناه. وهذا بالتالي شيء عادي. يجب على الإنسان أن يقول لأخيه المؤمن ما يراه وما يفهمه وما يعتقد أنه لصالح أخيه المؤمن. ونحن في الغالب نعرف أوضاع البلاد أكثر من غالبية الأفراد". وأضاف المرشد الأعلى شارحاً أنه وبناءً على معرفته بالأشخاص "خصوصاً الأشخاص الذين كانت لهم مئات الاجتماعات واللقاءات بنا، نعرفهم أكثر وأفضل من الآخرين. في ضوء ملاحظة حال المخاطب وأوضاع البلاد يوصي الإنسان سيداً، ويقول له: لا تخض في هذه القضية، فهذا يخلق استقطاباً وثنائية قطبية في البلاد. والاستقطاب حالة ضارة بالبلاد."
سمع أحمدي نجاد النصيحة بأذنه وأكد أنه سيعمل بها، ولكنه لم يتوقف عن جولاته في المحافظات وفي الوقت ذاته بدأ يطرح اسم مساعده حميد بقائي مرشحاً مفترضاً للانتخابات المقبلة. قبل فتح باب الترشّح بأيام جمع الرئيس السابق الصحافيين ليعلن عن بقائي مرشحاً رسمياً لتياره في الانتخابات، وهو أمر لم يمنع عنه انتقادات الأصوليين الذين اعتبروا أنه بمجرد ترشيحه لمساعده فهو يعمل عكس نصيحة المرشد، فكيف بهم بعد أيام عندما يعلن ترشيح نفسه ودخول المعركة الانتخابية وإن بحجة "مساعدة بقائي"، كما قال لدى تقدمه بطلب الترشيح منتصف نهار الأربعاء.
نجح أحمدي نجاد مجدداً في لعبة جذب الأنظار إليه، بل ونجح أيضاً وللمرة الأولى منذ أعوام في توحيد الأصوليين المبدئيين والإصلاحيين، كل من موقعه، على رفض ترشيحه وإسقاط الأوصاف التاريخية وغيرها عليه. بين تشبيهه بأبي الحسن بن صدر، رئيس الجمهورية الأول بعد الثورة الذي انتهى به المطاف معزولاً، وبين وصفه بأنه من الخوارج، ونعته بقلة الحياء. واجه الرجل الجميع بتبرير ترشيحه بالقول بأن المرشد "نصحني ولم يأمرني." جواب استفزازي سيجلب عليه المزيد، لكن السؤال الكبير يبقى: لماذا قرر الرجل الذي كان يوصف يوماً بالخادم الأمين عدم الأخذ بالنصيحة وهرع بالمقابل لتنفيذ ما جرى وصفه بالعملية الانتحارية السياسية؟

يُدرك أحمدي نجاد أن مرشحه لا يملك حظوظاً كبيرة بتخطي حاجز مجلس صيانة الدستور. السبب في ذلك يعود لتوقيفه لسبعة أشهر في إطار التحقيق بتهم فساد عندما كان مساعداً للرئيس. الشهور انقضت وبقائي خرج بريئاً لكن دمغة السجن لم تغادر سجله. أما مساعده الآخر ونسيبه، إسفنديار رحيم مشائي، فقد رُفض في الانتخابات السابقة من قبل المجلس، الأمر الذي يجعل من ترشيحه أمراً لا طائل منه. بالنتيجة هو المرشح الوحيد عن تياره الذي لديه حظ، ولو غير مضمون، بإمكانية تخطي صيانة الدستور وخوض المعركة الانتخابية. على هذه القاعدة ضرب الرجل بعرض الحائط كل الحسابات وتقدم على قاعدة إما أن يكون مرشح الأمر الواقع، بحكم الرفض الذي سيطال بقائي، أو أنه سيخدم بقائي بوضع المجلس أمام مفاضلة بين "سيء وأسوأ" من وجهة نظرهم، وعندها سيكون الأولى درء المفسدة ودفع "الأسوأ بالسيء"، وهكذا يضمن مكاناً لتياره على خارطة المنافسة.

في أيار/ مايو من العام 2013 حصل أمر مشابه، لكن بشكلٍ معاكس. كان موكب الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد يخترق شوارع طهران ليصل في اللحظات الأخيرة لمهلة الترشيح للانتخابات. كان الهدف تأمين ترشح نسيبه مشائي لخلافته في رئاسة البلاد في الدقائق الأخيرة. للوهلة كاد مشائي أن يكون آخر المرشحين لولا أن رجلاً آخر كان بالمرصاد. جلس الراحل هاشمي رفسنجاني منتظراً في سيارة في أحد الأزقة خارج مبنى تسجيل الترشيحات وما أن انتهى مشائي حتى باغته السياسي العجوز مقدماً طلبه للترشيح. كان طلب ترشيح هاشمي بمثابة هدية لمجلس صيانة الدستور لتسهيل رفضه ورفض مشائي معاً، وبذلك يُخرج أحمدي نجاد نهائياً من اللعبة.
يضاف ملف أحمدي نجاد وبقائي إلى عشرات الملفات الأخرى التي سيدرسها صيانة الدستور للخروج بلائحة مرشحين محدودة ستخوض السباق الرئاسي في 19 أيار/مايو المقبل. الرئيس حسن روحاني سيكون واحداً من هذه الملفات، كذلك السيد ابراهيم رئيسي مسؤول العتبة الرضوية في مشهد. كانت التوقعات تشير إلى أن معركة ثنائية بين السيد والشيخ سترمي بظلالها على الانتخابات، لكن أحمدي نجاد في حال تخطيه العقبة الأخيرة سيحول دربي رجال الدين إلى مواجهة ثلاثية مفتوحة قد لا تُحسم نتيجتها من الدورة الأولى.