آلاف البحّارة السوريين تائهون: قراصنة من أمامهم ومن خلفهم !

آلاف البحّارة السوريين تائهون: قراصنة من أمامهم ومن خلفهم !

أخبار عربية ودولية

الأحد، ٢٣ أبريل ٢٠١٧

بعكس الصورة التي نتخيلها عن حياة البحارة وقصص المغامرات التي يعيشونها مع قراصنة الروايات وفي قلب عواصف المؤثرات السينمائية، فإن آلاف البحارة السوريين العاملين على السفن التجارية يعيشون رواية مختلفة يقاسون فيها أصعب ظروف العمل، ويمنعون من دخول مرافئ معظم دول العالم ويواجهون قراصنة الصومال المدججين بالأسلحة الحية ويتعرضون للحجز ولعرقلة اجراءاتهم في بعض الدول، دون وجود أية قوانين أو نقابة تنظم عملهم وتضمن حقوقهم ورواتبهم، وتتولى تنظيم العلاقة بينهم وبين أصحاب السفن التجارية من حيث إبرام العقود وتحديد الأجور ونيل الاستحقاقات والتعويضات الملحقة بها.
 

مناوشات

"ما أن أقول لأحدهم أنني أعمل بحاراً حتى يسألني ماذا رأيت وأين سافرت لكن لا أحد سألني ماذا تناولت من الطعام وكيف واجهت العطش والحرارة والبرد والأمواج والقراصنة و كم مرة أكلوا عليّ الراتب وغياب الحقوق المادية والمنع من التجول في المرافئ لأنني سوري" هكذا يصف البحّار علي الريس لوكالة "آسيا" حال البحارين السوريين وهمومهم ويضيف "قدّرت مديرية الموانئ عدد البحارة السوريين عام ٢٠١٥ بأكثر من ٢٤ ألف بحار ومهندس وعامل وميكانيكي وشيف وملاحي، لكن في كل شركات العالم الرواتب ثابتة إلا لدى مالكي السفن السوريين، الرواتب تتغير وتنقص حسب مزاجهم وأحياناً يتأجل تسليم الرواتب عدة أشهر بحجة أنّ السوق (مضروب) ولا نتقاضاها إلّا بعد فترة مناوشات وحوارات ومطاردات واستفتاءات عدا عن غياب التأمين الصحي وطبيعة العمل الخطرة."
 

لاعلم ولا خبر

نقابة عمال النقل البحري في اللاذقية لاعلم لها بمشاكل وهموم البحارة السوريين ولا أرقام عن عددهم، ولا علم لها عن أحوالهم أوالمشقات التي يتحملونها في البحر وفي الدول التي يمرون بها خلال رحلاتهم التجارية، وذلك لأنهم غير منتسبين للنقابة ولا ينضوون تحت سقفها.
 

فما هو سبب عدم انتساب أكثر من ٢٤ ألف بحارسوري إلى نقابة النقل البحري؟؟ يقول البحار عمار الغضبان "راجعنا نقابة العمال أكثر من مرة وطلبنا الانتساب لكن نقيب العمال قال إنه لايمكننا الانتساب لأننا غير متواجدين في البلد و نصحنا بالعمل على تأسيس نقابة مهنية مستقلة للبحارة، ووعدنا بالتعاون والمساعدة في ذلك.
 

ويضيف الغضبان "هل علينا كبحارة ترك البحر والاستقرار في البلد من أجل قبولنا في نقابة عمال النقل البحري؟ أم علينا تغيير مهنتنا من أجل الاستفادة من خدمات هذه النقابة؟
 

ويؤكد ذلك رئيس نقابة عمال النقل البحري إبراهيم إبراهيم حيث يقول بأنه من الأنسب قيام نقابة مهنية مستقلة للبحّارة، كنقابة المهندسين والمحامين والمعلمين، لأنّ أغلبهم مجازين ويحملون شهادات عليا ولهم نظام خاص بهم.
 

أما غرفة الملاحة البحرية، فليس من اختصاصها حقوق وواجبات البحارة بل تهتم بمالكي السفن التي ترفع العلم السوري فقط، وعددها لا يتجاوز ٣ سفن، ويؤكد أحد الضباط الملاحيين أنّ عدد السفن التابعة للشركة السورية للموانئ والتي ترفع العلم السوري ٣ بواخر هي"فينيقيا ولاواديسا وسورية"، بينما هناك أكثر من٦٠٠ باخرة سورية ترفع أعلام دول أمريكا اللاتينية ويعمل عليها عشرات آلاف البحارة والعمال السوريين ولايوجد أي تجمّع يرعى مصالحهم أو نقابة تطالب بحقوقهم ورواتبهم وتأميناتهم.
 

قراصنة الصومال

إضافة لكل الهموم التي تواجه البحّارة يأتي القراصنة الذين عاد نشاطهم منذ بداية عام ٢٠١٧ ليزيدوا الطين بلّة حيث تعرضت باخرة تجارية تحمل عشرين بحاراً وعاملاً سورياً لعملية قرصنة في ٨-٤-٢٠١٧ في خليج عدن لكن الطاقم استطاع مقاومتهم عبر الدخول إلى غرف المحركات وإغلاقها وتلحيمها من الداخل حتى وصلت المساعدة من سفينة حربية صينية تمكّنت من تحرير السفينة والقاء القبض على القراصنة.
 

يقول ضابط السلامة البحرية جورج نصر لوكالة "آسيا" إنّ منطقة القرصنة تمتد في بحر العرب منذ خروج الباخرة من مضيق باب المندب إلى نهاية السواحل العمانية وحتى جزيرة مدغشقر وأحيانا يبتعد مدى القرصنة عن السواحل الصومالية ل250 ميلاً بحرياً بسبب وجود سفينة تحمل القراصنة، مجهزة بكل معدّات الإبحار من تحديد الموقع للرادار لجهاز الإرسال والاستقبال الصوتي VHF وهذه الباخرة تسمى "السفينة الأم" وبلغة البحارة "الأمّاية".
 

ويشرح نصر ترتيب عملية القرصنة بعد تعرضه لمحاولات قرصنة باخرته في بحر العرب ويقول: "بعد أن تُحدد الفريسة تتجه مجموعة زوارق صغيرة وسريعة جداً تسمى "السنابك" إلى الباخرة المستهدفة وتحمل من شخصين إلى سبعة أشخاص في كل زورق، وأغلب الهجمات تكون فجراً قبل بزوغ الشمس لاستغلال نوم الطاقم أو تعبه بعد السهر للمراقبة.
 

ويضيف نصر " كل زورق يحوي سلم ألمنيوم طويل يضعوه على بدن الباخرة ويتسلقوه بسرعة خاطفة، وكل فرد يحمل سلاح فردي (بندقية) وأغلب الأحيان يكون معهم قاذف (آر بي جي) وفي حال لم يستجب القبطان أو حاول مواجهتهم يضربون برج القيادة بقذيفة تكون كافية لإثارة الخوف والاستسلام"
 

ويؤكد الضابط البحري أنّ الطاقم لا يستطيع مواجهة القراصنة المدجحين بالسلاح إذا لم يكن في الباخرة طاقم حماية خاص لأنه يُمنع على البحارة امتلاك أي نوع من أنواع الأسلحة وينحصر دور حماية البواخر بمكاتب الحماية الخاصة الموجودة في مصر ودبي، يتألف طاقم الحماية الخاص من ٤ قناصين بكلفة عالية جداً تصل إلى ٢٠٠ ألف دولار على كل رحلة، وبالتالي معظم السفن لا تستخدمهم بل تعتمد على وسائل حماية ذاتية مثل اسلاك مكهربة حول الباخرة أو قواذف مياه وهذه الأساليب نادراً ما تجدي نفعاً مع القراصنة.
 

ويؤكد نصر أن كل دول العالم بعد الأزمة السورية منعت نزول البحارة السوريين إلى أراضيها وموانئها باستثناء أوكرانيا وروسيا والجزائر والسودان، ويضيف " بقيت ٢٠ شهراً في البحر ولم أنزل إلّا مرتين في أوكرانيا والسودان، بينما بقية الدول العربية ممنوعون منها رغم أن القوانين الدولية تسمح بالدخول إلى الميناء والتسوق والترويح عن النفس لكن البحارة السوريين أمامهم الحديد وخلفهم البحر وفي عقولهم تدور الأسئلة حول كيفية تحصيل الرواتب من مالك الباخرة الملياردير والذي يدفع راتب "البحريّ" على مضض.
 

أما عن الطعام على البواخر فيصفه البحار سامر عبيد بالسيئ جداً ويضيف "الطباخ هو روح الباخرة لأنه يتعامل مع كل الطاقم ولكنه عندما يحاول (تبييض وجهه) مع صاحب الباخرة ينعكس ذلك على نوعية وكمية الطعام فيقلل من الكميات ويغير نظام الطبخ المتّبع على كل السفن وهو ٤ أيام طبخ ويوم لحم أبيض ويوم لحم أحمر ويوم سمك وغالبا يلغي السمك إلّا إذا صاده الطاقم بنفسه، بينما يتذرع الطبّاخ بعدم تقديم اللحم الأحمر لأنه يؤذي نفسية العاملين الهنود".
 

البحارة على الفيسبوك

بغياب أي رابطة أو منظمة يجتمع تحت سقفها البحارة السوريون، أنشأوا على مواقع التواصل الاجتماعي عدة صفحات تحمل أسماء "نادي البحارة السوري" و"مشاكل البحّار السوري" و"تجمّع البحّارة السوريين "وأهم طلباتهم تتلخص في إنشاء نقابة مستقلة للبحارة السوريين، معترف بها دولياً من منظمة العمل الدولي، لضمان معاملة البحار السوري في الخارج وفق القوانين الدولية، وإنشاء أكاديمية بحرية سورية لإقامة الدورات التأهيلية للسفر على السفن بدلاً من أن يذهب البحارة السوريون إلى لبنان والأردن ومصر للدراسة فيها، وإنشاء محاكم بحرية متخصصة في التجارة البحرية.