بعد زيارة لافروف.. كيف يوائم الأميركيون مشروعهم الإقليمي مع مبادرة بوتين؟

بعد زيارة لافروف.. كيف يوائم الأميركيون مشروعهم الإقليمي مع مبادرة بوتين؟

أخبار عربية ودولية

الأحد، ١٤ مايو ٢٠١٧

 أنس وهيب الكردي

تبلورت المبادرة الروسية الجديدة حيال سورية في وساطة تتولاها موسكو بين واشنطن وحلفائها من جهة، وإيران وحلفائها من جهة أخرى. الوساطة التي تهدف إلى تهدئة التوتر الإقليمي، وإرساء معادلة دولية إقليمية لمكافحة الإرهاب في المنطقة، تتواجه مع مسعى إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإحياء مشروع «الشرق الأوسط الجديد»، من خلال بناء تفاهم بين الدول العربية «المعتدلة» وإسرائيل، من أجل تسوية القضية الفلسطينية، موجّه ضد كل من إيران وتنظيم داعش.
العنوان الذي وضعه الزعيم الروسي فلاديمير بوتين لمبادرته هو اتفاق مذكرة «مناطق تخفيف التصعيد». ويريد الزعيم الروسي من الاتفاق تحديد مصالح الدول المنخرطة في الأزمة السورية، وبالأخص إيران والولايات المتحدة. وهو أمر يقتضي جهداً جباراً. وبدا الرئيس الأميركي شديد التفاؤل بآفاق التعاون الروسي الأميركي حيال سورية، وسارع بعد توديعه وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف إلى التباحث مع ثعلب الدبلوماسية العالمية هنري كيسنجر عارضاً عليه نتائج زيارة الضيف الروسي، معلناً له عن إمكانية «القيام بعمل جيد جداً فيما يتعلق بسورية»، قد يتمثل في إيقاف «القتل والموت». هذا التفاؤل لا يخفي وجود تحفظ أميركي حيال المبادرة الروسية. يكشف عن هذا التحفظ مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي هربرت ريموند ماكماستر الذي أعلن قبل أيام من زيارة دونالد ترامب إلى العاصمة السعودية الرياض، عن عزم واشنطن التصدي لسلوك روسيا «الهدام» في سورية وأوكرانيا، وإن زاوج هذا العزم بالإعراب عن الأمل في التعاون مع موسكو في تسوية «المشكلات العالمية الهامة». وما بين التفاؤل والتحفظ، يدرس الأميركيون خياراتهم للرد على مبادرة بوتين ضمن إطار إستراتيجي شامل. ويقيمون حساباتهم على مختلف الصعد.
لا تستطيع الولايات المتحدة تجاهل روسيا في الحسابات الدولية، إذ إن كلتا الدولتين منخرطة في لعبة توازن حرجة ضمن المثلث الروسي الأميركي الصيني. ولزيادة ساحة المناورة السياسية للولايات المتحدة على الساحة الدولية، تحرص إدارة دونالد ترامب على أن تكون أقرب إلى بكين وموسكو معاً، من قرب إحداهما إلى الأخرى. لعبة التوازن هذه التي أغفلتها إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، تبدو إدارة ترمب يقظةً تماماً بالنسبة إليها.
وهناك مثلث أقل أهمية من المثلث الأول بالنسبة للسياسة العالمية، لكنه حاسم بالنسبة للأمن الأوروبي ولمستقبل المسألة الأوكرانية، هو المثلث الروسي الأميركي الألماني. وقرعت مساعي المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل للتقارب مع الرئيس الروسي، جرساً لدى الإدارة الأميركية، خوفاً من اتفاق برلين وموسكو على التعاون معاً حيال الأزمة الأوكرانية، ما يهدد بعزلة أميركية.
في الشرق الأوسط، مثلث تتوازن ضمنه السعودية، تركيا وإيران. هذه القوى الإقليمية تتفاعل في مسارح اليمن وسورية والعراق ولبنان. ولقد تمكنت موسكو من جذب اثنتين من قوى هذا المثلث الإقليمي إلى صفها، «هما تركيا وإيران» عبر عملية أستانا. وتسعى موسكو إلى زعزعة التحالف الأميركي في الشرق الأوسط من خلال كسب القاهرة وعمان والجزائر، إلى مساعيها لنشر «قوات مراقبة عسكرية» في «المناطق الأمنية» التي يؤسس لها اتفاق أستانا.
لكن الولايات المتحدة لم تبد أي إشارة إلى رغبتها في دعم هذه العملية، وهي تحفظت عن المشاركة فيها مشاركة كاملة مكتفية بدور المراقب. فليس من عادة القوى العظمى دعم مسار سياسي أو دبلوماسي لا تكون شريكاً كاملاً في إنتاجه. وبالنسبة لواشنطن يجب لأي مسار من هذا النوع، أن يكون من إنتاجها هي، كي توفر له الدعم. وعمل بوتين بذكاء على التعامل مع هذا الأمر من خلال القول: إن «مناطق تخفيف التصعيد» هي في أساسها فكرة أميركية «المناطق الآمنة» من «بنات أفكار» ترامب.
ولعل الأخطار في الشرق الأوسط هي ما حمل الروس على اجتراح مبادرة خاصة وتقديمها للأميركيين علهم يقبلون الانخراط فيها. فرسم مستقبل المنطقة، أو على الأقل الهلال الخصيب ما بعد داعش يقترب، وكافة القوى تشحذ قواها لهذه اللحظة. وأعادت واشنطن تفعيل مشروعها الإقليمي وهي تريد الاكتفاء بتحالفها الدولي وتطوير علاقاتها مع الدول العربية «المعتدلة» من أجل إنهاء داعش من دون التعاون مع روسيا أو إيران. أكثر من ذلك تعمل واشنطن على ترتيب المنطقة ما بعد داعش على الرغم من إيران.
لقد صممت موسكو مبادرتها من أجل تخفيف مناطق الاحتكاك الإقليمية خصوصاً في إدلب وجنوب سورية، وفرض إيران شريكاً في عملية إعادة بناء المنطقة ما بعد داعش. وسعت إلى جذب الولايات المتحدة والأردن وإيران إلى تفاهم بشأن درعا والقنيطرة. عند هذه النقطة يبدأ تناقض الحسابات الأميركية الروسية.
وبالرغم من أن الإدارة الأميركية تبدو شديدة الاهتمام بمصير جنوب سورية وشرقها ضمن حساباتها الإستراتيجية لقطع التواصل ما بين سورية، العراق وإيران، وضمان أمن إسرائيل، لكنها تبدو أكثر خوفاً من مآلات التعاون الروسي الإيراني في المنطقة. وعلى الأرجح أن يرفض ماكماستر، المحرك وراء الكواليس لإدارة دونالد ترامب، أي تعاون مع روسيا في الشرق الأوسط لا يتعامل مع مسألة القوة الإيرانية وتحالفاتها من القوى المسلحة.
يعتقد ماكماستر أن الخطر الأكبر على السياسة الأميركية العالمية يتمثل في الحرب اللامتناظرة التي تشنها قوى مسلحة مدعومة إيرانياً وروسياً في شرق أوروبا والشرق الأوسط.
وهكذا تقتضي مصالح واشنطن إحداث تقارب أميركي روسي من شأنه أن يزيد من هوامش الحركة الأميركية عالمياً، لكن إدارة دونالد ترامب لن تقبل بأي مبادرة روسية من شأنها تهديد مشروعها في المنطقة على المدى المتوسط أو الطويل، والأرجح أنها لن تقبل مبادرة مصممة للحفاظ على التعاون الروسي الإيراني في المنطقة أو منبثقة منه.