من يرسل “هديته” أولاً… كوريا الشمالية أم أميركا؟

من يرسل “هديته” أولاً… كوريا الشمالية أم أميركا؟

أخبار عربية ودولية

الخميس، ١ يونيو ٢٠١٧

تدور رحى الحرب السياسية والإعلامية بين الولايات المتحدة الأميركية وجمهورية كوريا الشمالية، لتشغل بال العالم بالكامل. البعض يطالع الأزمة لمعرفة ما ستؤول إليه مصائر الأمور، بعدما أصبحت المعادلة مكتملة، وعرف كل طرف إلى أين سيتجه إذا وقعت الواقعة، والبعض الآخر يسلّي نفسه بحرب من التصريحات، التي يعتبرها مهزلة لن تسفر عن شيء ملموس.

والحق أنني ممن يؤيدون الرأي الآخر، فلن يحدث شيء، لأن كلا الطرفين يملك ما يمكن أن نسميه رادعاً للآخر، بل إن كل طرف يملك ما يدفع كثيراً من دول العالم إلى اتخاذ موقف حاسم قبل أن تتطور المعركة لتصبح فرضاً على الجميع، وتضر بالكرة الأرضية، التي أصبحت هزيلة بين الكواكب بسبب ما يحدث فيها من مهازل.

مثلاً، تدرك الولايات المتحدة أنها لن تقدم على حرب نووية في المستقبل -القريب على الأقل- ولكنها في الوقت نفسه تتحسب لإمكانية أن يرسل إليها رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون صاروخاً على سبيل الهدية، حاملاً معه نهاية جزء لا بأس به من أراضي وسكان الولايات المتحدة.

وعلى الرغم من إدراكها لهذا الأمر، نجد أن القوات الأميركية تنهك نفسها في التدرب على إمكانية التصدي لصاروخ عابر للقارات، وهو نفس نوع الصواريخ التي تصر كوريا الشمالية على اختبارها وتطويرها وزيادة قوتها وكفاءتها القتالية، وهو عمل في الواقع ذكي، لأنه يتيح للقوات تجنب عنصر المفاجأة إذا ما استجد شيء، أو إذا ما فكر أون في إرسال هديته.

فقد أعلن الجيش الأميركي في بيان أصدره، الثلاثاء، ووزّعه بسرعة غير معهودة على وسائل الإعلام العالمية لضمان سرعة نشره، أنه أجرى تجربة ناجحة على اعتراض صاروخ باليستي عابر للقارات، في اختبار هو الأول من نوعه، ويأتي وسط تصاعد المخاوف من البرنامج الصاروخي الكوري الشمالي. وقالت وكالة الدفاع الصاروخي التابعة للبنتاغون، إن الصاروخ الاعتراضي الذي أطلق من قاعدة سلاح الجو في فاندنبرغ بولاية كاليفورنيا، اعترض بنجاح هدفه وهو صاروخ بالستي عابر للقارات، أطلق من “موقع ريغان للتجارب”، في جزر مارشال في المحيط الهادئ.

ومنذ يومين، أشرف الزعيم الكوري الشمالي٬ كيم جونغ أون٬ على تجربة لصاروخ باليستي جديد تم التحكم فيه بواسطة نظام توجيه دقيق، وأمر بتطوير أسلحة استراتيجية أكثر قوة٬ وفق ما ذكرت وكالة الأنباء المركزية الكورية.

الصاروخ٬ الذي تم إطلاقه أُطلق، الاثنين، كان مزوداً بتسلسل آلي متقدم سابق لعملية الإطلاق٬ مقارنة مع نسخ سابقة من الصواريخ
“هواسونغ”٬ وهو الاسم الذي تطلقه كوريا الشمالية على صواريخها من طراز سكود٬ وهذا يشير إلى أن كوريا الشمالية أطلقت صاروخا مطوراً من طراز سكود مثلما يقول الجيش الكوري الجنوبي.

سقط الصاروخ الباليستي القصير المدى في البحر قبالة ساحل كوريا الشمالية الشرقي٬ وكانت هذه هي التجربة الأحدث في سلسلة من التجارب الصاروخية٬ التي تتحدى الضغوط والتهديدات الدولية بفرض مزيد من العقوبات.
هنا من الممكن أن تمر الواقعة مرور الكرام، ولكن المقلق في الأمر هو ما صارح به كيم بعد الانتهاء الناجح من التجربة الصاروخية، حيث أكد على أن كوريا الشمالية سوف تطور المزيد من الأسلحة القوية على مراحل متعددة٬ تماشيا مع جدولها الزمني للدفاع عن نفسها ضد الولايات المتحدة الأميركية، وهو رد واضح كما نرى.

الرئيس الكوري الشمالي أبدى قناعته بأن الدولة “ستحقق قفزة أكبر إلى الأمام في هذا النشاط لإرسال “هدية أكبر للأميركيين”٬ رداً على الاستفزازات العسكرية الأميركية، في نفس الوقت الذي أعلنت فيه كوريا الجنوبية أنها أجرت مناورة مشتركة مع قاذفة قنابل أميركية من طراز “بي­1 بي لانسر”٬ الأسرع من الصوت٬ وهو أمر لا يمكن أن يمر مرور الكرام على “كيم جونج أون”.

إذا فالواضح أن هناك قناعة لدى كثير من دول العالم -والمحللين أيضاً- بأنه لا شيء سيحدث، ولكن الاستعدادات على الأرض تقول إن كلا الطرفين يتحسب لاحتمالات أن يقدم الآخر على خطوة عنيفة، ويعمل على أن يكون جاهزاً لها، خاصة كوريا الشمالية، التي ترفض التواجد الأمريكية حول شبه الجزيرة الكورية، وتورط بعض جيرانها في تقديم يد العون للأميركيين.

وبالطبع يطرح السؤال نفسه هنا: هل توجه الولايات المتحدة أي سلاح لكوريا الشمالية لتكون البادئة بالحرب؟
يجيب على هذا السؤال الدكتور أحمد عبدالفتاح، المتخصص في الشأن الأميركي، وأستاذ العلاقات الدولية، بقوله إن الولايات المتحدة الأميركية لن تكون البادئة أبداً في أي معركة غير سياسية، إلا إذا تأكدت من أن الأمر تجاوز صيغة التهديدات الجوفاء إلى صيغة الحرب الرسمية، هنا فقط يمكن أن تتحرك لتوجيه ضربة وقائية تحميها وتحمي أراضيها من أي سلاح كوري شمالي.

ويؤكد عبدالفتاح، أن أميركا تتدرب على إتقاء خطر الأسلحة الكورية، وهذا الإجراء يدخل في حيز التفوق العسكري الأميركي، الذي لم يترك الأمور تسير وفقاً للأقدار ويتحسب لكل خطوة وموضع القدم، وبالتالي فهو أمر طبيعي، هناك تهديد ما، وأنا أدرب نفسي على التصدي لأي خطر.

وفي المقابل، يرى أستاذ العلاقات الدولية أن تهديد رئيس كوريا الشمالية بشأن “إعداده هدية للولايات المتحدة” ليس سوى رسالة لبث الخوف لدى الأميركيين، وإن كان الرجل يملك ما يمكن أن يؤذي به الأميركيين، خاصة أن الوحدات والقوات والقواعد الأميركية منتشرة حول كوريا الشمالية، سواء في المحيط أو في كوريا الجنوبية أو في دول الخليج القريبة منه.

كلا الطرفين يستعد لأي خطوة يقدم عليه الآخر، ولكن الأكثر تهورا وجرأة -حسبما يرى المحللون- هو رئيس كوريا الشمالية، فهل يمكن أن ترسل كوريا “هديتها” إلى أميركا فعلا؟