ترامب يوسع الهوّة مع أوروبا.. أميركا أولاً وليذهب الجميع إلى الجحيم!

ترامب يوسع الهوّة مع أوروبا.. أميركا أولاً وليذهب الجميع إلى الجحيم!

أخبار عربية ودولية

الأحد، ٤ يونيو ٢٠١٧

في السياق العام يبدو أن ذلك المسار الثابت في ضغوطه يرمي لمراكمة سجل الأخطاء والخطايا التي تستدعي تنحيته أو محاكمته أو دفعه للإستقالة، إن أمكن، وتسليم نائبه مايك بنس زمام الأمور. بيد أن تلك الفرضية لا تصمد طويلاً أمام التبصّر في توجهات ترامب، داخلياً وخارجياً، للوقوف على مشاعر العداء المتبادلة بين ترامب وأركان المؤسسة، لا سيما الأمنية والاستخباراتية بشكل خاص.

 ترامب لا ينافي معايير المؤسسة المرسومة، بل ذهب بعيداً في السعي لتحقيق غاياتها غير آبه بضحاياه من دول وشعوب وقوى سياسية مجتمعة. أما التداعيات الداخلية لبرامجه المنبثقة من صلب معتقدات وتوجهات الحزب الجمهوري فهي ليست محل نقاش أو نزاع.

ترامب، ببساطة شديدة، أزاح القفاز الحريري الذي كان يغلّف السياسات الأميركية بميله الصريح لترويج السياسات والاستراتيجيات عينها دون مواربة أو معسول الكلام، وهو ما يميزه عن الرؤساء التقليديين ممن سبقوه.


يحرص الساسة والقادة الأميركيون على اختلاف توجهاتهم وانتماءاتهم الحزبية على ديمومة تذكير مواطنيهم بعظمة النظام السياسي، مما يخوّل المؤسسة الحاكمة بسط سيطرتها ونفوذها على العالم، بمسميّات تحرص وسائل الاعلام المختلفة على تداولها وترويجها مثل شعار "استعادة أو استمرار قيادتها للعالم"، وتحديث الخطاب في عهد ترامب لأميركا اولاً.


بهذه الخلفية شدّ الرئيس ترامب رحاله قاصداً جولة خارجية هي الأولى لتشمل محطات عديدة، حظي بافراط الاستقبال والإعداد له في الرياض، محطته الأولى، وأسفرت عن عقد صفقات تسليحية واستثمارات في البنى التحتية الأميركية بمبالغ يصعب على المرء استساغتها.

أما في المحطات الأوروبية المتعددة، فقد راهن مضيفوه من قادة حلف الناتو على إمكانية "تليين" موقفه من الحلف والابتعاد عن مواقفه المتطرفة إبان حملته الانتخابية: انتقاده لصلاحية الحلف بأنه "عفا عليه الزمن" ورفضه لصيغة الاتحاد الأوروبي.


البيان الختامي الصادر عن مجموعة الدول الصناعية السبع أبرز خيبة أمل القادة الأوروبيين، والاخفاق في تلطيف مواقف ترامب، وتسليمه بوجود خلافات بين واشنطن وشركائها في المجموعة الدولية. وزاد الطين بلّة رفض ترامب الانضمام لنظرائه في المجموعة في التأكيد على التزام كافة الأطراف بـ"اتفاقية باريس حول تغير المناخ"، تجسيداً للقول المأثور "تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى".


خيبة الأمل الأوروبية من ترامب في غير محلها عند النظر إلى حقيقة الاستراتيجية الأميركية على مدار عقود طويلة، محورها تحقيق المصالح الأميركية الخاصة "وترغيب" الآخرين الانضمام لركبها خشية تلقي ضرباتها.


وليس أدلّ على تلك المقولة من مقال مشترك نشرته يومية "وول ستريت جورنال" 30 أيار/ مايو الماضي، لأهم أركان البيت الأبيض، مستشار الأمن القومي هيربرت ماكماستر والمستشار الاقتصادي غاري كون، وسعيهما الترويج لترامب بأنه لم يرضخ لضغوط الآخرين، وكانت بوصلته "الحفاظ على المصالح الأميركية".


أوضح الثنائي المذكور بعبارات بالغة الصراحة والقسوة بأن ترامب "وجه رسالة واضحة لأصدقائنا وشركائنا في كافة محطاته" أعرب فيها عن جهوزيته للعمل سوياً "عندما تتقاطع مصالحنا" مع الآخرين.


ولم يشأ أركان المحافظين الجدد ترك الأمور على عواهنها، محذّرين الأطراف "التي نتشارك وإياها مصالحنا بأنها لن تجد صديقاً أكثر ثباتاً من الولايات المتحدة.. أما اولئك الذين يقررون تحدي مصالحنا سيواجَهون بعزيمة قوية".


وختم الثنائي وعظهما بالتوضيح لمن يلزمه الأمر أن شعار "أميركا أولاً .. يشير ليس لإستعادة قيادة أميركا للعالم، بل تسخير مواردها الديبلوماسية والاقتصادية والعسكرية لتعزيز الأمن (القومي) الأميركي، والرخاء الأميركي، ونشر النفوذ الأميركي على امتداد العالم".


في السياق السياسي عينه، نستحضر ملخص تصريحات لمديرة الأبحاث في المجلس الألماني للعلاقات الخارجية، دانييلا شوارتزر، بقولها إن "جولة ترامب، خاصة في الشق الأوروبي منها، أكدت "المعادلة الصفرية .." التي يستند إليها.. إذ حسب رؤية ترامب للعالم يصبح اللاعب فيها إما فائزاً أو مهزوماً".

أما المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، فقد وصفت اللقاءات العاصفة مع ترامب بأنها "غير مرضية على الاطلاق".


دور الحكومة البريطانية في "الصراع الاوروبي – الأميركي" تجسد بموقف عدائي للمنظومة الأوروبية، واتخذت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي مواقفاً صبّت في صالح الولايات المتحدة بالكامل، مما أغضب زملاءها الآخرين، لا سيما المستشارة الألمانية، إذ عبرت عن حنق غير معهود نحو واشنطن ولندن بالقول إنه "يتعين علينا الاوربيين أخذ زمام أمورنا بأيدينا .. دفاعاً عن مستقبلنا بقوانا الذاتية وتقرير مصيرنا كأوروبيين".


انضمت تركيا لسيل الهجوم على دول حلف الناتو وعلى رأسها ألمانيا، لدوافعها الخاصة طمعاً في ابتزاز دائم لبرلين على خلفية الانفاق على اللاجئين السوريين في أراضيها. وقال وزير خارجيتها مولود جاويش أوغلو في قمة الحلف إن "ألمانيا تدعم كل ما هو معادٍ لتركيا". لكن تلك المسألة الخاصة بتركيا ومواقفها المتأزمة أيضاً مع واشنطن لها فصل آخر خارج السياق الراهن.


الأزمة الداخلية في صفوف دول المجموعة الصناعية تتمدد وتتشعب، وتنذر بالمزيد، مما حدا بصحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية التحذير من انقسامات في طور التشكيل تتشاطر "العداء للولايات المتحدة والمملكة المتحدة .. مجموعة جي-7 (الصناعية) تنشطر إلى فريقين كمرآة لما حدث إبان الحرب العالمية الثانية: محور الحلفاء فيه بريطانيا والولايات المتحدة، ودول المحور (ألمانيا، ايطاليا، اليابان، وفرنسا المحتلة)".


التيارات الأميركية "الواقعية" في السياسة والاستراتيجية أيضاً أصابها الإعياء من جولة ترامب الأولى لنتائجها في تعزيز الانقسامات، ويجادلون بأنه كان ينبغي على ترامب وفريقه اختصار جولته والعودة لواشنطن عقب انتهاء زيارته للرياض.

اتفاقية باريس للمناخ

من نافل القول أن إعلان الرئيس ترامب انسحاب بلاده من الاتفاقية المبرمة عام 2015 بتوقيع 195 دولة للحدّ من التلوث المناخي على امتداد العالم، لم يكن مفاجئاً بقدر ما كان مخيباً لجهود العديد من القوى والشخصيات النافذة، لحمله على الإقلاع عن وعوده الانتخابية بهذا الخصوص.
معظم الدول الأوروبية أعربت عن خيبة أملها من تصرف واشنطن الفردي، وصفته يومية "نيويورك تايمز" بأنه يمثل "تبني البيت الأبيض لأصوات الانعزاليين ضمن فريقه.. أبرزهم ستيف بانون".

وشددت الصحيفة على آلية إعلان ترامب لقراره باصطفاف حشد من مؤيديه وطاقم إدارته في حديقة البيت الأبيض "كجمهور يستعد لخطاب النصر"، إذ بدا ترامب في أبهى صوره الانتخابية وهو يعد مؤيديه بمزيد من الانتصارات وتجسيد شعار "أميركا أولاً". وأشاع لمؤيديه أن الاتفاقية "تلحق الضرر بسيادة الولايات المتحدة واقتصادها .. لنمضي معاً في رفع مكانة أميركا العظيمة مرة أخرى".

 أبرز زعماء الحزب الجمهوري، ميتش ماكونيل، رحّب بشدة بقرار ترامب الذي "سدد ضربة قوية لسياسات الرئيس (السابق) أوباما العدائية لانتاج الطاقة محلياً".
الرئيس باراك أوباما بدوره سارع للدفاع عن سياسته المناخية رداً على ترامب والحزب الجمهوري بالقول إن"الدول المتبقية في اتفاق باريس ستحصد الفوائد من خلال فرص العمل والصناعات التي ستنشأ".
التراشق في المواقف بين البيت الأبيض والحزب الجمهوري من جهة قابله اصطفاف كبريات الشركات الأميركية لصالح الاتفاقية، عززه تصريحات الدول الأوروبية المختلفة، الالتزام بنصوص الاتفاقية.

كما أن أقليّة في إدارة ترامب كانت على تباين واضح من موقفه، أبرزهم وزير الخارجية ريكس تيلرسون وكريمة ترامب إيفانكا.
 كما أن سيل الاتهامات في الداخل الأميركي يلقي اللوم على ترامب ليس للانسحاب بحد ذاته فحسب، بل لتراجع مكانة الولايات المتحدة وتزعمها للمبادرات الدولية، الأمر الذي أسهم برأيهم في تبوأ الصين وأوروبا الدور الأكبر على الصعيد العالمي، مما يناقض وعود ترامب بأميركا أولاً.

الساسة الاستراتيجيون في أميركا يأخذون على ترامب تراجعه عن هدف محاصرة روسيا اقتصادياً وحرمانها من تزويد السوق الأوروبية بمصادر الطاقة من الغاز الطبيعي. كما أن انسحابه من اتفاق باريس يعزز توجه الأوروبيين لروسيا لضمان تدفق الطاقة في سياق البحث عن مصادر بديلة عن روسيا.

يشار في هذا الصدد إلى حجم الاستثمارات المالية الكبيرة التي أعدّتها كل من الصين وألمانيا للانفاق على تقنيات حديثة لتوليد الطاقة المتجددة، مما أدى لانخفاض ملموس في كلفة الألواح الشمسية الواعدة.

السؤال الأبرز المتداول على ألسنة المراقبين في واشنطن محوره (ماذا كان باستطاعة ترامب فعله غير ما فعل. الثابت أن قراره بأي اتجاه سيكلفه بعضاً من رصيده السياسي، ولذا سعى للتخفيف من غلواء خصومه الديموقراطيين بإبقاء باب التفاوض مفتوحاً للتوصل إلى اتفاقية تلبي المصالح الأميركية بشكل أفضل، وفق تصوراته".

اما حقيقة إعادة التفاوض الموعود فقد فنّده أستاذ علوم البيئة في جامعة أكسفورد، مايلز آلان، بالقول إن مزاعم ترامب ما هي إلا"محاولة لحرف الأنظار".

تجدر الإشارة إلى سلسلة من القرارات الصادمة التي اتخذها ترامب في الأيام القليلة قبل الإعلان عن الانسحاب من الاتفاقية، أهمها وقف الإلتزامات المالية لبرامج الأمم المتحدة المتعلقة باتفاق المناخ، فضلاً عن برامج محلية أخرى طالها مشرح قطع المعونات المالية، وما سيتبعها من تداعيات متسارعة تؤثر في سير الحياة اليومية.
مصير التصدع.

عند الإجابة على سؤال مدى التصدّع في العلاقات الأميركية الأوروبية يرجّح الساسة الأميركيون التغلّب على تلك العثرة المرحلية، إذ أن المصالح الأميركية العليا تستدعي الإبقاء على تماسك وتوسع حلف الناتو في أوروبا وبالقرب من الحدود والشواطىء الروسية.

نظرة للتاريخ القريب لحلف الناتو لعقد الستينيات من القرن الماضي، أصدر الرئيس الفرنسي شارل ديغول قراره بانسحاب قوات بلاده العسكرية من القيادة المشتركة للحلف، وأمهل كافة العسكريين الأجانب سنة كاملة لإخلاء الأراضي الفرنسية. وعادت فرنسا لخيمة حلف الناتو بعد تلك المرحلة دون أن تتضرر مصالحها أو مصالح شركاءها الأوروبيين.

ملفت للنظر أيضاً أبعاد التشابه بين شخصية كل من ديغول وترامب، فكلاهما لم يتعاطى السياسة من قبل واستنداً إلى دعم قاعدة شعبية مؤثرة. ديغول أيضاً رمى لاعلاء كلمة فرنسا على المسرح الدولي "واستعادة عظمتها"، مما كلفه ضمور في العلاقات مع جيرانه الأوروبيين. كما أن ديغول آنذاك عارض صيغة اتحاد أوروبي.


تقاطع مصالح الولايات المتحدة مع دول الاتحاد الأوروبي بشكل خاص، وكذلك مع بريطانيا، تشكل الدافع الرئيس لوجهة السياسات المقبلة، والتي سترسم معالم العلاقة المقبلة بعد ذهاب قطبي الرحى، ترامب وميركل.