أزمة قطر... أمة بين الانفصام والارتزاق

أزمة قطر... أمة بين الانفصام والارتزاق

أخبار عربية ودولية

الأربعاء، ١٤ يونيو ٢٠١٧

إيهاب زكي - بيروت برس -

من أبرز ما جاء في قائمة الأدلة ضد يوسف القرضاوي في اللائحة السعودية للإرهاب، أنه كان يحرض على الإرهاب في سوريا منذ العام 2013، وهذا العام تحديدًا هو عام اعتذار القرضاوي، فقد اعتذر فيه لعلماء السعودية عن مساندته لحزب الله وإيران، قائلًا "لقد كان علماء السعودية الذين ينتقدون حزب الله أعلم مني وأكثر نضجًا، وحزب الله كذبة كبيرة والشيعة خدعوني"، وهذا اعترافٌ واضحٌ وصريح بالمراهقة الشرعية رغم شيخوخة العمر وأرذله. ولكن لا نعرف إن كان هذا الاعتراف ساري المفعول حتى اللحظة، حيث علماء السعودية الأكثر علمًا ونُضجًا يهاجمون قطر حد إدخالها جهنم، والمفارقة أنّ هذا الاعتذار كان تتويجًا لاتحاد علماء قطر وعلماء السعودية في الدعوة للـ"جهاد" في سوريا، والذي أصبح إرهابًا إن دعمته قطر، و"جهادًا" إن دعمته السعودية، وعلى القرضاوي أن يسلّم بذلك، فالناضجون بعكس المراهقين يستطيعون التمييز بين الإرهاب والجهاد، ولا أظن مراهقته الشرعية قادرة على إسعافه في السؤال المُلح، فالناضجون العالمون يحاصرون قطر، فيما الخادعون يمدونها بالمؤن ويفرشون لها أساطيل الجو والبحر.

إنّ الأزمة بين السعودية وقطر أضحت دليلًا لا يرقى إليه الشك، على أنّ من تأخذ الأمة عنهم دينها، هم مجرد مطايا لرغبات السلطان مهما انحطت في رذالتها، وأنّ من تستقي منهم ثقافتها ويشكّلون وعيها، ما هم إلا حفنة من النخاسين الرخائص، ومهما أوتي الإنسان من خمولٍ ذهني وبلادة فكرية لا بد أن يلتفت لاصطفاف هؤلاء على طرفَي الأزمة، وأن يقيس هذه المواقف على ما سبق وبدَر منهم تجاه أزماتٍ وحروبٍ سابقة. فالسعودية تحشد كل من ابتاعتهم من مثقفين ورجال دين لشيطنة شيطان قطر، والذي هو "فرخ" شيطان إذا ما قورن بالمارد السعودي، ولنا أن نتخيل ما صنع هؤلاء في سوريا مثلًا، وكيف أنهم سعوديون وقطريون استباحوا دين الناس وعقولهم في سبيل التحريض عليها وإسقاطها، وكيف أنهم جعلوا ولا زالوا من مجرد وجود النظام السوري علة كل كفرٍ وسببًا في ضياع الدين والدنيا، كما هم أنفسهم من جعل ولا زال من جرائم القتل اليومي في اليمن، دليلًا على صحوة الأمة وسبيلها لحماية بيضتها، واليوم تنافخت اللحى المبتاعة وتورمت العقول المشتراة قطريًا للدفاع عن قطر المحاصرة، فيما الكوليرا التي تفتك باليمنيين جراء الحصار، فهي على قاعدة "إنّ لله جنودًا من كوليرا".

وبعيدًا عن هؤلاء الذين يصنفون بالنخبة، فإنّ عموم الجماهير في هذه الأمة -التي تصطف في أحد الخندقين- تعاني انفصامًا صريحًا، فهم يصطفون بشكلٍ تكاد تنهدم مبرراته وتنعدم أسبابه، فهذان معسكران لا شيعة ولا فرس ولا علويين ولا نصيريين ولا حوثيين فيهما، معسكران "سنيّان" لا يختلفان في شيء ويتماهيان في كل شيء، وليس فيهم من "يقتل شعبه بالبراميل" وليس فيهم من "انقلب على الشرعية"، وفيما هما يتطاحنان سياسيًا وإعلاميًا ودينيًا، لا زالا يتفقان على التبعية والاستسلام للغرب وصهاينته، ولا زالا يتفقان على تدمير هذه المنطقة لصالح أهداف أمريكية "إسرائيلية". فمن ضمن الاتهامات التي تسوقها السعودية لقطر، هي أن قطر تسعى لتقوية التنظيمات الإرهابية لتدمير الجيوش الوطنية، بل أصبح الإعلام السعودي يغص بعناوين على شاكلة "عقيدة الدوحة في استهداف الجيوش الوطنية"، والطريف في الأمر أن لائحة الاتهام السعودية إلى قطر، لو رفعنا اسم قطر ووضعنا اسم السعودية فهي منطبقة تمامًا وزيادة، وهذا الاستبدال لن يكون بعيدًا ولا مستبعدًا حين يريد ساكن البيت الأبيض ذلك. ولن تصيبني الدهشة إن رأيت أمريكا تسوق بن سلمان وأسلافه أو أخلافه إلى المحاكم الأمريكية أو الدولية بذات التُهم التي توجهها اليوم إلى قطر، فماذا تفعل السعودية في سوريا والعراق واليمن وليبيا غير الذي تفعله قطر، وقد يكون الاصطفاف على قاعدة المراهقة الشرعية للقرضاوي، فالجيوش الوطنية المنهدمة سعوديًا فضيلة، والمنهدمة قطريًا رذيلة وكبيرة.

فيما يتكابش هؤلاء مع هؤلاء، يقوم المسؤولون "الإسرائيليون" بالإفصاح عن ترتيبات وتفاهمات مع "المحور السنّي"، برعايةٍ وفضلٍ من ترامب، كما أعرب مؤخرًا "وزير الخارجية الإسرائيلي"، وهذا لبّ الحكاية، وعلى المتخندقين مع كلا الطرفين وأيًا كان المنتصر، أن يعلموا أنّ هذا الانتصار لن يصب إلّا في خانة "إسرائيل"، فإن كانت السعودية قدمت التنازلات سلفًا إلى "إسرائيل" عن طريق ترامب، حتى يضمن بن سلمان الوصول للعرش، فإنّ قطر تفتتح بازارًا كان وما زال مفتوحًا للتنازلات ليحمي تميم عرشه، والتناقضات الأمريكية في التعاطي والتصريحات ما هي إلا انعكاس لسباق التنازلات هذا، و"إسرائيل" تنتظر نهاية البازار لقطف الثمار منفردة، ففي أيّ ميزان حسنات سيصب أجر هذه الثمار، في ميزان حسنات الناضجين أم المراهقين، الله أعلم.