3 أسباب تجعل من استقلال إقليم كردستان عن العراق أمرًا شبه مستحيل

3 أسباب تجعل من استقلال إقليم كردستان عن العراق أمرًا شبه مستحيل

أخبار عربية ودولية

الجمعة، ٢٣ يونيو ٢٠١٧

أحمد الدباغ
تخذ الأكراد قرارهم وحددوا الـ 25 من سبتمبر (أيلول) القادم موعدًا لإجراء استفتاء استقلال إقليم كردستان عن العراق، فهل سيتسنى لأكراد العراق تحقيق حلمهم وإقامة دولة خاصة بهم؟
نبذة تاريخية عن إقليم كردستان العراق

إقليم كردستان العراق هو إقليم عراقي يقع شمال البلاد يبلغ عدد سكانه قرابة خمسة ملايين ونصف المليون نسمة، ويتمتع بحكم ذاتي تحده إيران من الشرق وتركيا في الشمال، وسوريا إلى الغرب وبقية مناطق العراق إلى الجنوب. العاصمة الإقليمية للإقليم محافظة أربيل، والمعروفة كرديا بـ«هولير».

يعود إنشاء إقليم كردستان العراق إلى معاهدة الحكم الذاتي في مارس (آذار) 1970 عند الاتفاق بين المعارضة الكردية والحكومة العراقية بعد سنوات من القتال، وبعد انتفاضة الشعب العراقي عام 1991 ضد نظام الرئيس الراحل صدام حسين، اضطر الكثير من الأكراد إلى الفرار والنزوح من البلاد ليصبحوا لاجئين في المناطق الحدودية مع إيران وتركيا، وفي ذات عام 1991 أنشئت في الشمال منطقة حظر الطيران بعد حرب الخليج المعروفة بـ«حرب الكويت»، مما شكل ملاذًا آمنًا سهل عودة اللاجئين الأكراد.

ونتيجة لذلك غادرت القوات العراقية منطقة كردستان في نهاية المطاف في أكتوبر (تشرين الأول) عام 1991، وغدت المنطقة مستقلة ذاتيًا بحكم الأمر الواقع، وبعد عام 2003 دخل الأكراد بقوة في العملية السياسية التي أعقبت الغزو الأمريكي ليبدأ حلم الاستقلال الفعلي يراودهم منذ ذلك الحين.

الصعوبات الداخلية في استقلال اقليم كردستان
على المستوى الكردي

صعوبات ومعرقلات جمة سيواجهها الإقليم في سعيه للاستقلال عن العراق، ولعل أكثرها صعوبة هي الصراعات الداخلية الكردية – الكردية، فالأكراد في إقليم كردستان العراق ليسوا على قلب رجل واحد، حيث إن هناك جناحين رئيسين في الإقليم يسيطران عليه، ولكل منهما إدارة خاصة به، وهما الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الرئيس العراقي الأسبق جلال طالباني، وهذا الحزب يسيطر على مدينة السليمانية شمال شرق العراق، وهي مركز ثقله، أما الحزب الثاني فهو الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني رئيس الإقليم حاليًا، وهذا الحزب يسيطر على مدينتي دهوك وأربيل «عاصمة الإقليم»، ومن الجدير بالذكر أن لكل من هاتين السلطتين في الإقليم قوة أمنية خاصة بها منفصلة تمامًا عن الأخرى تضم الاستخبارات التي تعرف كرديا بـ«الأسايش» وقوة عسكرية تعرف بالـ«البيشمركة».

وتبرز بين الفينة والأخرى الخلافات الكبيرة بين الجانبين، ولعل أبرزها كان في عام 1996 عندما استعرت حرب دامية بين الجانبين طلب على إثرها مسعود بارزاني مساعدة صدام حسين فدخل الأخير بجيشه إلى مدينة أربيل، وسيطر عليها في سبتمبر (أيلول) عام 1996، ثم ما لبث الجيش العراقي أن انسحب من أربيل لتضل المدينة تحت سيطرة مسعود البارزاني.

وفي غضون ذلك، أقفل برلمان الإقليم أبوابه منذ تشرين الأول (أكتوبر) عام 2015؛ بسبب خلاف حول ولاية مسعود برزاني الرئاسية (فعندما انتهت ولايته الثانية، ظهر خلاف حول ما إذا كان يجب التمديد له أو الاستبدال به عبر إجراء انتخابات كردية عامة)، كذلك يتسبّب هذا الخلاف بتدخّل تركيا وإيران، ما يجعل الشرخ بين الأكراد أكبر، سيما أن الاتحاد الوطني الكردستاني له علاقات قوية جدًا مع إيران، أما نظيره الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة البرزاني، فعلاقته مميزة مع تركيا.

وللاقتصاد نصيب من المشاكل الداخلية الكردية، فواقع الموازنة الداخلية للإقليم يعد المحرّك الرئيس للصراع السياسي. فمع انهيار أسعار النفط، باتت الأحزاب الكردية تتصارع على ما يمكنهم الحصول عليه. وفي الوقت عينه، تعاني حكومة الإقليم من وطأة الضغوط الشعبية إثر إخفاقها خلال السنوات التي كانت فيها إيرادات النفط مرتفعة في تطوير اقتصاد قائم على القطاع الخاص وغير نفطي، والآن مضت أشهر على تخلّف «حكومة إقليم كردستان» عن تسديد رواتب الموظفين الحكوميين لديها؛ ما يؤدّي إلى استياء شعبي كبير.

كما تطرح الأزمة المالية خطرًا على قطاع النفط والغاز الكرديين، ونظرًا إلى تأخر حكومة إقليم كردستان أكثر من مرة عن تسديد المدفوعات المستحقة إلى شركات النفط الدولية العاملة في أراضي الإقليم، هدّدت بعض هذه الشركات بتعليق عملياتها أو مغادرة الإقليم بشكل كامل.

يحق للأكراد والعراقيين عامة أن يتساءلوا عن مآلات الاستقلال، وعن الجهة التي ستحكم الإقليم بعد استقلاله، وهل ستتفكك الجبهة الكردية بعد 14 عامًا على توحدها أمام بقية المنافسين العراقيين؟!

على المستوى العراقي

أما ما يخص صعوبات الانفصال على مستوى العراق، فهي كثيرة ومتشعبة، ولعل أبرزها هو رفض الحكومة العراقية استقلال الإقليم، حيث قال المتحدث باسم رئاسة الوزراء سعد الحديثي: إن «أي موقف أو خطوة تتخذ من أي طرف في العراق، يجب أن تكون مستندة إلى الدستور، وأي قرار يخص مستقبل العراق المُعرَّف دستوريًا بأنه بلد ديموقراطي اتحادي واحد ذو سيادة وطنية كاملة، يجب أن يراعى النصوص الدستورية ذات الصلة».

وإضافة لكل ما سبق من صعوبات تبرز مدينة كركوك الغنية بالنفط، والتي يسيطر عليها الأكراد عسكريًا منذ عام 2014، بعد تقهقر الجيش العراقي وانسحابه منها إثر سيطرة «تنظيم الدولة» (داعش) على الموصل ومدن أخرى في يونيو (حزيران) 2014 ، حيث طالب محافظ كركوك، نجم الدين كريم، بشمول المدينة باستفتاء الاستقلال، وأكد محافظ كركوك تشكيل لجنة خاصة بالاستفتاء، مؤكدًا أن الاستفتاء على حق تقرير المصير سيجرى في المحافظة في حال قررت اللجنة ذلك. كركوك التي تعيش وضعًا مترددًا منذ عام 2014 يجمع كثيرًا من الخبراء على أن الحكومة لن تتنازل عن المدينة النفطية مهما كلف الثمن.

لم ينته الأمر عند هذا الحد، فهناك ما يعرف عراقيًا بـ«المناطق المتنازع عليها» في المادة 140 من الدستور العراقي، ومن هذه المناطق ما يقع خارج حدود إقليم كردستان الرسمية، لكن الأكراد يسيطرون عليها، ويقولون: إنها أراضي كردية، فما مصير هذه المناطق في حال الاستقلال؟

وفي حال حل هذه المشاكل التي تبدو لوهلة أنها عصية على الحل، يعود التساؤل الأول ليقفز إلى ذهن المتابع للشأن العراقي عن الجهة التي ستحكم إقليم كردستان في حال استقلاله؟

رفض إيراني – تركي للاستقلال

أعلنت إيران معارضتها خطة سلطات إقليم كردستان العراق إجراء استفتاء على الانفصال عن العراق يوم 25 سبتمبر (أيلول) المقبل، ولإيران حجتها في ذلك، فأكراد إيران يتوقون للحرية والخلاص من سطوة نظامهم، واستقلال أكراد العراق سيحفز شهيتهم لمزيد من التمرد.

الرفض الإيراني جاء على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية «بهرام قاسمي» الذي أكد أن العراق الموحد والمستقر والديمقراطي يضمن مصالح الشعب العراقي ومكوناته العرقية والدينية، لافتًا في نفس الوقت إلى أن العراق يحتاج إلى السلم والمصالحة الوطنية أكثر من أي وقت مضى، وشدّد قاسمي على أن إقليم كردستان هو جزء لا يتجزأ من العراق، وأن الإجراءات الأحادية الجانب والخارجة عن المعايير والإطار القانوني الوطني، وكذلك الدستور العراقي، خاصة في الظروف المعقدة التي يمر بها العراق تؤدي إلى تنفيذ مشاريع الطامعين في عدم الاستقرار وخلق مشاكل جديدة في هذا البلد، بحسب قوله.

وتتابع إيران القضية الكردية في الدول المجاورة الثلاث: تركيا، والعراق، وسوريا بحساسية كبيرة، حيث حصل الأكراد في الدول المذكورة على بعض ما يناشدون بأنه حقوقهم القومية بنسب متفاوتة، بينما لا تزال طهران تعارض أبسط تلك المطالب القومية، منها الزي الكردي في الإدارات، وتعليم اللغة الأم في المدن الإيرانية الكردية.

أما تركيا، فوصفت خطة أكراد العراق إجراء استفتاء على الاستقلال في أيلول (سبتمبر) المقبل بأنه «خطأ فادح»، وقالت وزارة الخارجية التركية في بيان لها: إن «إعلان إقليم كردستان العراق تنظيم استفتاء حول استقلال الإقليم سيشكل خطأ فادحًا».

وأضاف البيان أن الحفاظ على سلامة أراضي العراق ووحدته السياسية مبدأ أساسي في السياسة التركية، كما نقلت تركيا قلقها وموقفها من الاستفتاء للحكومة المركزية في بغداد، وللإقليم الكردي، وأهم الدول الفاعلة في المجتمع الدولي.

وتقيم تركيا علاقات جيدة مع رئيس الإقليم مسعود بارزاني، لكنها تعارض بشدة إعلان دولة كردية على قسم من أراضيها أو في أية دول مجاورة لها.

موقف دولي معارض لاستقلال اقليم كردستان

إن لم يكن رفضًا فهو عدم رضا، هذا ما يُفهم من بيان مكتب المساعدة الانتخابية التابع لبعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) الذي أكد عقب اجتماعه مع المفوضية العليا للانتحابات في إقليم كردستان العراق أن المكتب لا يعتزم الانخراط بأي شكل من الأشكال في ما يتعلق بالاستفتاء على الاستقلال المزمع إجراؤه في 25 سبتمبر (أيلول) 2017 في إقليم كردستان.

مجلة الـفورين بوليسي الأمريكية قالت في تقرير لها الاثنين الماضي 19 حزيران (يونيو) تحت عنوان «لا يوجد دعم دولي للاستفتاء الكردستاني» جاء في مطلعه: «انضم الاتحاد الأوروبى إلى الأمم المتحدة والولايات المتحدة وتركيا والعراق لثني الأكراد العراقيين عن إجراء استفتاء حول الاستقلال فى 25 سبتمبر» وقال ممثل حكومة إقليم كردستان في واشنطن «بيان سامي عبد الرحمن» إن ذلك كان متوقعًا، ولن يثني ذلك السلطات الحكومية الإقليمية في أربيل عن إجراء الاستفتاء».

وأضاف: «هذا ما كنا نتوقعه، كنا نأمل، بطبيعة الحال، للحصول على استجابة أكثر إيجابية، لكن نمط حركات الاستقلال في أماكن أخرى أظهر أن هذا هو النمط. لا أحد يرغب في تغيير الحدود، ولا أحد يريد تغيير أي شيء».

وأضافت كاتبة التقرير « EMILY TAMKIN» أن وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي حذروا من «الخطوات الأحادية الجانب»، في حين أعلنت الأمم المتحدة أنها لن تشارك بأية طريقة أو شكل في الاستفتاء، بينما الولايات المتحدة، مشغولة بمعارك ضد الدولة الإسلامية في العراق، وتقول واشنطن: إن محاولة الاستقلال الآن سوف تصرفها عن أولويات أكثر إلحاحًا. أما بغداد من جانبها، فإنها تواجه مشاكل كبيرة مع الإقليم الذي يرغب بضم مساحات واسعة من الأراضي التي تقع خارج الحدود الجغرافية له من وجهة نظرها.

وبالتالي، ونتيجة لكل هذه العوامل الداخلية والخارجية، لم يكن بد من أن يصرح هوشيار زيباري وزير الخارجية العراقي الأسبق والقيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني أن الاستفتاء الكردي لن يكون ملزمًا لحكومة الإقليم، هذا التصريح جاء ليؤكد أن الهدف الرئيس من الاستفتاء هو لمزيد من الضغط على الحكومة العراقية وليكون ورقة جاهزة في يد الأكراد.