كيف يسير السلطان قابوس على الحبال دون أن يسقط؟ ليس محايدًا كما يبدو!

كيف يسير السلطان قابوس على الحبال دون أن يسقط؟ ليس محايدًا كما يبدو!

أخبار عربية ودولية

السبت، ٢٤ يونيو ٢٠١٧

محمد طارق الرشيدي
«السرية» هي مفتاح فهم قصة حياة ثالث أقدم حاكم على وجه الأرض، وإذا ما أُضيفت إلى كلمة «الوحدة»؛ فهي عنوان حياة السلطان قابوس، الذي يعيش بلا زوجة أو ابن يرث العرش، وإذا أضفنا كلمة ثالثة على قصته، فستكون «الصمت» هو عنوان السياسة، فحتى الآن لم يعرف الشعب العُماني منه أسباب الانقلاب الذي حدث على أبيه عام 1970، لكنه برع في الصفة الرابعة؛ فـ«الحياد» أجادَه حتى أصبح كل الخصوم يجتمعون على أرضه، حتى أصبح «المحايد» المستفيد دائمًا.

في هذا التقرير نشرح لك كيف أصبحت طهران أهم شريك اقتصادي لعُمان، ولماذا لا ترغبُ السعودية والإمارات في حصار صديق إيران في مجلس التعاون الخليجي، وصديق قطر؟

1-  «حصار قطر».. عُمان تغرّد خارج السرب

«عمان ربما تعتقد أن السعودية ترغب في حصارها.. لكنها لا تستطيع»

السطور القادمة بها مفارقة غريبة؛ ففي ديسمبر (كانون) الأول من العام الماضي، قام الملك سلمان بن عبد العزيز بجولة خليجية؛ كان أحد أسبابها بحث قيام اتحاد خليجي، وهو الحُلم الذي يضمن للرياض أن تكون أكبر قوة مؤثرة في المنطقة؛ وكانت قطر إحدى محطات الزيارة، إلا أن المثير للاهتمام أن الملك تجاهل زيارة سلطنة عمان خلال الجولة الخليجية التي قام بها لجميع دول الخليج؛ والأسباب كانت واضحة، حيث رفض السُلطان قابوس الانضمام إلى «عاصفة الحزم» في اليمن، إضافة إلى إعلانه رفض الانضمام للاتحاد الخليجي، كما أنه تجمعه علاقات ودّية مع إيران، ويتفق معها في كثير من الآراء السياسية، بجانب المشروعات الاقتصادية العملاقة التي تجمع الطرفين.
والغريب أن الشهر لم يكد ينتهي، حتى أعلنت عُمان انضمامها لقوات التحالف العربي في اليمن، في خطوة غير متوقعة للدولة التي انسحبتْ في السابق بطريقة حيادية مُبررة، حيث إنها امتنعتْ عن الانضمام للحلف بدعوى أنّ دستورها يَحظُر «الانضمام إلى التحالفات الأجنبية خارج دول الخليج»؛ لكنها عادت هذه المرة لتخطبَ ودّ الرياض التي احتفت كثيرًا بالقرار؛ لأنها اعتبرته انتصارًا إقليميًا وعسكريًا لها ضد طهران: بانضمام الدولة التي تنتهج سياسة «حُسن الجوار» في حلفها.

على جانب آخر، كان من المثير أن أمير قطر زار السعودية في مايو (آيار) من العام الجاري، أي قبل ثلاثة أسابيع من زيارة ترامب، وقبل شهر من قطع العلاقات، وبين الزيارتين وما حدث بعدهما كثيرٌ من التفاصيل.

لكن ما يهمنا هنا أن ثلاث دول من مجلس التعاون الخليجي، وهي: السعودية والإمارات والبحرين، أعلنت قطع العلاقات مع قطر، وقررت إغلاق كافة المنافذ الجوية والبحرية والبرية؛ بعد اتهامها بدعم الإرهاب والتعاون مع إيران؛ وبعد سبع ساعات كان وزير الخارجية العُماني في قطر في زيارة غير مُعلنة، ولكي لا تُغضب السعودية وحلفاؤها؛ أوضحت الخارجية العُمانية أن الزيارة كانت ضمن ترتيبات الوزير قبل قطع العلاقات، وهكذا اتخذت «الحياد» شعارًا لها في مواقفها الرسمية، لكن خُطواتها الفعلية كانت أبعد من ذلك بكثير.

وفي الوقت الذي أعلنت فيه إيران فتح خطوطها الجوية لكسر الحظر الجوي أمام الطائرات القطرية، وفيما كانت الحاويات القطرية محتجزة في ميناء جبل علي بالإمارات، سارعت عُمان لفتح خطين ملاحيين تابعين لها بين ميناء حمد ومينائي صحار وصلالة لكسر الحظر البحري، كما أعلنت بعض شركات القطاع الخاص العماني استعدادها لتقديم الدعم اللوجستي للشركات القطرية المستوردة للمواد الغذائية؛ وهي خطوة أثارت غضبًا مكتومًا؛ لأنها من شأنها أن تفسد خطط المملكة.

وبعد مرور عشرة أيام على الأزمة وتأكيد قطر فشل الحصار عليها؛ أعلنت الخارجية العُمانية «إمعانًا في الحياد» تطلعها لحل الأزمة الخليجية الراهنة، ودعمها لجهود الوساطة الكويتية؛ من أجل احتواء الأزمة.

وما يحدث اليوم تكرر قبل ثلاث سنوات، حيث لعبت نفس الدولتان دور الوسيط بعد أزمة سحب السفراء التي اندلعت في مارس (آذار) عام 2014، عندما سحبت كل من السعودية والإمارات والبحرين سفراءها من قطر؛ بسبب مواقفها السياسية من مصر؛ وانتهت الأزمة بعد سبعة أشهر؛ والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، لماذا انحازت عُمان لقطر، بالرغم من حيادها الظاهر؟

على الرغم من أن أسباب عدم قطع السعودية علاقتها بعُمان غير معلومة حتى الآن في السطور الأولى من التقرير، إلا أن مبررات مسقط للانحياز نحو قطر تبدو واضحة؛ فعمان في نظر السعودية ارتكبت أخطاء ربما أكثر من الدوحة؛ فهي رفضت علانية إنشاء الاتحاد الخليجي، وألمحت بصورة غير مباشرة إلى إمكانية خروجها من مجلس التعاون الخليجي، إضافة إلى اعتذارها عن استضافة القمة كما أن السلطان قابوس لم يحضر ردًا على تجاهل الملك سلمان له خلال الجولة الخليجية؛ لذا لم يكن غريبًا أن تدعم عُمان قطر؛ لأنّها تدرك أنه من الممكن أن يتكرر السيناريو عليها؛ وحتى الآن فمسقط باتت غير قادرة على الاستغناء اقتصاديًا عن طهران، في الوقت الذي يغيب سلطانها عن حضور القمم الخليجية منذ عام 2011.

2- صديق إيران في مجلس التعاون الخليجي

«عُمان تجني مكاسب اقتصادية من إيران، وعسكرية من الولايات المتحدة، وسياسية من الخليج»

التاريخُ والجغرافيا يستطيعان أن يوضحا لك أسباب الصداقة الإيرانية التي تبدو «حتمية» في نظر البعض؛ ففي عام 1973 قام شاه إيران بمساعدة السلطان قابوس بالتعاون مع البحرية البريطانية على إنهاء التمرد الداخلي المعروف باسم «ثورة ظفار» ضد الثوار المدعومين رسميًا من بعض الدول العربية؛ والدولة التي تشترك مع طهران في أطول حدود بحرية تُقدر بـ 400 كيلو متر، ورفضت عمان في عام 1980 طلب الرئيس العراقي صدام حسين باستخدام أراضيها لقصف إيران خلال الحرب التي دامت ثماني سنوات، والتي أيدتها بالقول، ثم رفضت مرة أخرى تدخل قواتها لردع انتفاضة الشيعة البحرينية في عام 2011.
وخلال العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، استفادت عُمان كثيرًا من عُزلة جارتها عن طريق إنعاش اقتصادها، فوصل حجم الشراكة التجارية بين عامي 2012 و2013 نحو 873 مليون دولار، بينما في نهاية عام 2015، تجاوز هذا الرقم المليار الدولار؛ كما أن السلطات العمانية يبدو أنها تجاهلت عن قصد المهربين الذين كان لهم دور كبير في تجاوز الأزمة عن طريق نقل البضائع إلى طهران من خلال مسقط؛ وبعدما استطاعت إيران الوصول إلى اتفاق أمريكي ناجح بشأن رفع الحظر الاقتصادي بمساعدة عُمانية، إضافة إلى تقديم السلطنة بعض الخدمات المجانية، مثل الموافقة على تمثيل المصالح الإيرانية في بعض الدول التي لا تمتلك إيران فيها أي تمثيل دبلوماسي، كبريطانيا وكندا.

والخدمات السياسية التي قدمتها عُمان، كانت تريدُ في مقابلها خدمات اقتصادية تساعدها على تجاوز أزمة انخفاض أسعار النفط، وعجز الموازنة والتضخم الداخلي؛ لذا ففي فبراير (شباط) من العام الماضي أعلنت شركة «إيران خودرو» لصناعة السيارات، إطلاق مشروع مشترك مع عمان لإنتاج سيارات محلية، بتكلفة بلغت 200 مليون دولار؛ وتمثل مشروعات الطاقة هدفًا أساسيًا للدولة، لذا حرصت مسقط على توقيع اتفاقية تسمح لها باستقبال 28 مليون متر مكعب من الغاز من إيران عن طريق خط أنابيب يمر عبر الأراضي الإماراتية، لكن المشروع توقف بعد رفض الإمارات، واتفق الطرفان على تعديل مسار خط الأنابيب لتكون بحرية بين سلطنة عُمان والهند، لكن الموضوع تعثر حتى الآن بسبب رفع تكلفته الاقتصادية.

ويجب التوضيح أن عُمان تشارك الخليج مخاوفه بشأن إغلاق مضيق هُرمز في حالة خلاف أو صدام، تابعوا المزيد من الاخبار المميزة على موقع أوقات الشام - وهو أحد شرايينها الاقتصادية الذي يمر منه 40% من نفط العالم، ، لذلك تشرع حاليًا في بناء ميناء الدقم على بحر العرب، والذي سيُمكن لها القدرة على تصدير مواردها الهيدروكربونية، دون الاعتماد على المضيق، وترغب حاليًا الإمارات والسعودية في إنشاء خط أنابيب لنقل النفط والغاز إلى «الدقم»، وهذه إحدى الأسباب الإضافية التي لن تجعل الدولتين تفكران في معاقبة مسقط بشأن تعاونها مع إيران؛ لأن السعودية تصدر 88 % من إنتاجها النفطي عبر المضيق.

والسؤال المثير للاهتمام، لماذا أعلن قابوس مشاركته في عاصفة الحزم؟

الإجابة على هذا السؤال ستعيدنا إلى وثائق ويكيليكس المنشورة عام 2011 ، وبحسب الوثائق فإن السلطان قابوس يسعى لتطوير البنية التحتية، ويرغب بشدة في الحصول على الغاز الطبيعي، كما أنه يتشارك مع الولايات المتحدة في مخاوفها من التدخل الإيرانى فى العراق وفي أماكن أخرى، وهو يعتقد أن «إيران دولة كبيرة ذات عضلات وعلينا التعامل معها»، إلا أنه يثق في التواجد الأمريكي في بلاده قائلًا: «لا بد لي من القول بأنه طالما أن الولايات المتحدة في الأفق، ليس لدينا ما نخشاه»، وفي تلك السطور السابقة نصف الإجابة.

ويجب التوضيح أن عُمان كانت تشارك في البداية بقواتها في تدريبات الحلف العربي بصورة غير رسمية، إلا أنها قررت في النهاية الانضمام رسميًا لأسباب غير مُعلنة، لكنها تبدو واضحة، فالسلطان الهادئ الذي لديه ذكريات سيئة مع «ثورة ظفار»، لن يحب أن تواجه بلاده فوضى على حدودها الغربية؛ بسبب تدخل إيران في اليمن، كما أن البعض يربط هذه الخطوة العقابية بمماطلة إيران في تنفيذ مشروعاتها الكبرى في عُمان في وقت تعاني فيه الأخيرة من أزمة اقتصادية.

3- ألا تؤثر سياسة «جيران بلا مشاكل» على السعودية؟

«قطر تُفسد سياسات المملكة، وعُمان تُحطم أحلام الأمير محمد بن سلمان»

إذا كانت السعودية تشن هجومًا على قطر لأنها ترى الأمير تميم يفسد سياسات المملكة، فإن الحقيقة أن قابوس يحطم أحلام الملك سلمان، وولي ولي عهده الأمير محمد بن سلمان في السيطرة على المنطقة، بداية من عدم إعلانه حتى الآن وريثًا للعرش، إضافة لسياسة لعب دور الوسيط، والتوازن بين الخصوم؛ فاستراتيجية «الحياد» التي ليست كذلك في حقيقتها جعلت من عُمان «جنيف» الشرق الأوسط الموثوق به عالميًا؛ لأن على أرض قابوس يلتقي كل الخصوم، تابعوا المزيد من الاخبار المميزة على موقع أوقات الشام - وهذه أحد أنواع النفوذ التي قد لا تقبلها المملكة، لذلك لم يكن غريبًا أن يتجاهل الملك زيارة مسقط خلال جولته الخليجية التي أشرنا إليها.
وربما أكبر طعنة تلقتها السعودية، كانت تلك اللقاءات السرية التي نظمتها مسقط بين دبلوماسيين وقادة أمنيين من إيران والولايات المتحدة في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2013؛ للتفاوض بشأن الوصول إلى أرضية مشتركة، وهو ما نتج عنه اتفاق «جنيف» التي أسفرت عن اتفاق إيران النووي في عام 2015، الذي كان بمثابة هزيمة كبيرة للسعودية التي كانت تسعى لإقناع الولايات المتحدة بشن هجمات على إيران لتجريدها من سلاحها النووي.

أيضًا الأزمة السورية كان لها نصيب من الوساطة العُمانية؛ فمسقط رفضت التصويت على إيقاف عضوية «سوريا الأسد» من الجامعة العربية، لتقطع الأمل على السعودية التي أرادت توحيد الصف العربي ضد الأسد؛ من أجل الضغط بالتدخل العسكري لحل الأزمة، وهو ما فشل بتهديد روسيا، ومساعي عُمان.

والسعودية التي اشتكت مرارًا بأنها وحيدة في الهجوم على الرئيس السوري بشار الأسد، لم ترغب في المساعدة العُمانية من مسقط التي ترغب في الوصول لنقاط مشتركة لحل الأزمة ودّيًا، لأن حتى الآن مطالب الرياض لم تتغير بشأن الأزمة السورية، وهو ما جعل وزير الخارجية السوري، وليد المعلم يتجه صوب مسقط في عام 2015، وهى أول دولة خليجية يقوم بزيارتها منذ الأزمة؛ لإيجاد مخرج لإنقاذ الجميع، ثم تلاه زيارة وزير الخارجية العماني ولقائه الرئيس السوري، وهو ما أغضب السعودية مرة أخرى التي وجدت نفسها مرة أخرى خارج الصورة بسبب الدولة التي تنتهج سياسة «حُسن الجوار»، وتقوم باستضافات سرية وزيارات علنية لحل الأزمات؛ مما يضع المملكة في النهاية في صورة المُتفرج.

أما موقف عمان من اليمن فيدعو للانتباه، ففي كل مرة تتخذ عمان موقفًا تقوم السعودية بإرسال وزير خارجيتها إلى مسقط، لحثها على التحرك ضمن مصالح دول مجلس التعاون الخليجي، وتوضيح موقفها من الأزمة السورية؛ إلا أنه بعدما أعلنت مسقط عدم مشاركتها، «قامت قوات التحالف العربي بقصف منزل السفير العماني في اليمن»، وهذه هي الرواية التي نفتها السعودية عندما تم استدعاء السفير السعودي لتسليمه مذكرة احتجاج رسمية، وتصاعد التوتر بين الطرفين على إثر نشر وكالة الأنباء الفرنسية «رويترز» خبرًا يفيد قيام إيران بتهريب الأسلحة إلى الحوثيين عبر الحدود العُمانية، وهو ما نفته الأخيرة، وما لبثت أن انضمتْ إلى قوات التحالف العربي، وسط حفاوة سعودية خاصة.

4- الحرب الباردة بين عمان والإمارات والسعودية

«عمان تتبع المذهب الإباضي لذا فهى لم تنحز للصراع السني الشيعي»

قبل أن تعلن المملكة السعودية عن خططها الاقتصادية «رؤية 2030»، كان لسلطنة عُمان خطة مشابهة «رؤية 2020»، حيث تخطط إلى تقليل اعتمادها على النفط الذي يُسهم بنسبة 44% في الناتج المحلي، وتستهدف الخطة تقليل عجز الموازنة – بلغ العام الماضي 4.8 مليار دولار- عن طريق تقليل النفقات، وخفض مساهمة النفط إلى 22%، من خلال استثمار 106 مليارات دولار على مدى خمس سنوات.
ونتيجة لاتفاق الدول المُصدرة للنفط في منظمة «أوبك»، والتي حثت فيه السعودية أعضاءها على  خفض إنتاج النفط، فإن عمان تضررت بشدة؛ لأن خفض الإنتاج لا يخدم خططها الاقتصادية، كما أنه يساهم في عجز الموازنة، والأهم أنه ليس لديها فائض مالي يساعدها على تجاوز فجوة الأسعار؛ فسعر البرميل انخفض من 115 دولار للبرميل إلى 46 دولار، وهو ما أجبرها على تخفيض انتاجها من النفط، ويتوقع أن يطيل أزمتها الاقتصادية، لأنه سيحرقُ مزيدًا من احتياطاتها النقدية البالغة 20 مليار دولار.

والإمارات لها وقائع تاريخية سيئة مع السلطنة، فبخلاف النزاعات الحدودية التي تجاوزها الطرفان بالهدوء، فإن الإمارات تورطت في عام 2011 بإرسال خلية تجسس إلى عُمان هدفها كسب ولاءات ضباط وسياسيين عمانيين، وجمع معلومات خاصة عن الرجل الذي يخلف السلطان «قابوس»، وتعاملت مسقط كعادتها بهدوء واكتفت بنشر الخبر، لكن الخلاف لم ينته؛ ففي عام 2015، رفضت الإمارات طلب عمان بمد خطوط الغاز الإيراني عبر أراضيها، وكانت نتيجة ذلك الرفض توقف المشروع حتى الآن، وكانت عُمان تعول عليه لتقليل اعتمادها على النفط أثناء أزمتها الاقتصادية.

أيضًا السلطنة التي يتبع 80% من أهلها المذهب الإباضي، صرحت في وقت سابق بأنه ليس من مصلحتها التدخل في الصراع «السني – الشيعي»، وهو أيضًا أحد الأسباب المنطقية وراء إعلان «حيادها» الدائم للصراع الإيراني الخليجي، إلا أنه في عام 2014، فوجئت مسقط ببرنامج دين سعودي على قناة «اقرأ» يُهاجم المذهب الإباضي، ويُكفر أتباعه، وأفتى بجواز قتلهم؛ كما أن العُمانيين غضبوا في نفس العام مرة أخرى، بعد واقعة تعذيب مواطن عُماني بالإمارات، حيث قام الضحية برفع رسالة مكتوبة إلى السلطان قابوس، تداولها النشطاء على صفحاتهم الشخصية بمواقع التواصل، وحملت هجومًا صريحًا على الشرطة الإماراتية، ولم يعلق الطرفان كعادتهما في تجاوز أزماتهما بهدوء وبسرية.

السبب الأهم الذي يمنع عُمان من إعطاء مباركتها للسعودية والإمارات، هو رفضها لمشروع الهيمنة التي تسعى له الدولتان، ولعل تلويحها بالانسحاب من مجلس التعاون الخليجي الذي يسعى لاتخاذ خطوات الهيمنة، وكذلك إعلانها وقف مشروع اتحاد الخليج لهروبها من سيطرة الرياض، لذلك لم يكن غريبًا أن يكون قابوس هو أول زعيم عربي يزور إيران بعد تولي روحاني للسلطة في عام 2013، وأن يبادله الأخير بزيارة أخرى في فبراير (شباط) من العام الجاري.

5- ما هو مصير عمان بعد موت الرجل الذي لا ينحاز لأحد؟

السلطان قابوس ليس محايدًا كما يبدو، فهو انحاز للجميع، بدليل أنه حصل على مكاسب متساوية؛ ففي الوقت الذي كانت عمان فيه تحصل على أفضل المعدات العسكرية من الغرب، كانت تتجه شرقًا بحثًا عن انطلاقة اقتصادية مع إيران والهند، وهي لم تنس سياسة الحياد التي نجحت في إجادتها، فهي الدولة الوحيدة التي تجمع إيران وواشنطن، كما تقوم بتدريبات عسكرية مع طهران والسعودية، لذلك فإن قابوس يدرك أنه ترك إرثًا ثقيلًا لخليفته الذي لم يظهر بعد؛ لأن سياسة «الحياد» التي أجادها طوال 47 عامًا ربما لن ينجح فيها خليفته الذي أصبح سرًا يُقلق الجميع.

فالسعودية التي أعلنت عن وريث العرش الأول والثاني بعد الملك سلمان، ترغبُ في تفعيل الاتحاد الخليجي من أجل تدعيم نفوذها السياسي في المنطقة، كما أن إيران ترغب في استمرار سياسة حُسن الجوار؛ لأن بدونها سيكون هناك أزمات عالقة منها، افتعال أزمات في خليج هُرمز، والتلويح بملفات الطاقة.

إلا أن السؤال الذي لم نجد إجابته في تسريبات «ويكيليكس» حتى الآن؛ هو هل يكره كل هؤلاء الذين أجاد قابوس على مدار السنين أن يكسب منهم جميعًا بشكل متساوي، ويحافظ على مصالحه معهم مهما تخاصموا بينهم؟

ساسة بوست