أميركا تبحث عن نافذة جديدة بعد إغلاق باب داعش.. مرحلة ما بعد الموصل

أميركا تبحث عن نافذة جديدة بعد إغلاق باب داعش.. مرحلة ما بعد الموصل

أخبار عربية ودولية

الثلاثاء، ٤ يوليو ٢٠١٧

 تختصر الموصل حال العراق. استعادتها سيشكل تحوّلاً في توازنات المنطقة. سعت واشنطن إلى إطالة أمد داعش. تصريحات مسؤوليها كانت تتوقع عقوداً للقضاء عليه. صحيفة الــ"ديلي تلغراف" تعرّفنا على السبب: هزيمة داعش والقضاء عليه لا يخدمان أهداف السياسة الخارجية الأميركية. برأيها الظروف ليست مهيأة للبدائل التي كان يريد أوباما وضعها موضع التنفيذ.

لن تنسحب أميركا من العراق. ستبحث عن ثغرة جديدة لتدخل إليه بعد إغلاق نافذة داعش. اللعب على التناقضات والتباينات الداخلية ساحة لم تبارحها أساساً. المشاكل الأمنية لن تنتهيَ بزوال "دولة الخلافة". العراق بيت بنوافذ كثيرة. تحرير الموصل محطة مفصلية في استعادته، أما تحصينه فحديث آخر.

تختصر الموصل حال العراق. لم تكن المدينة التاريخية ذات الموقع الاستراتيجي سليمة قبل احتلالها من داعش. بين أحيائها كان ثمة بيئة حاضنة. كان هناك أيضاً ناقمون على سياسة الحكومة المركزية. وفي ظل الفوضى والفساد وترنح الأمن تحرّك المتربصون. استغل داعش الظروف الاجتماعية والسياسية في المدينة ومحيطها كما استغلتها القاعدة من قبله. احتلها في غفلة، موسّعاً حدود سيطرته، ثم عاد وخسرها كما خسرتها القاعدة من قبله.

استراتيجياً، شكّلت استعادة ثاني أكبر مدن العراق تحوّلاً في توازنات المنطقة. خطوة سيكون لها انعكاساتها ومفاعيلها في صراع المحاور. لن تكون الموصل آخر المعارك، لكنها تتعدى برمزيتها وموقعها ما حصل في مدن ومحافظات عراقية سابقة.

هل تخدم هزيمة داعش أهداف واشنطن؟

تجنباً لهذه الانعكاسات والمفاعيل أُريدَ لداعش أن يعمّر طويلاً. من يملء الفراغ من بعده؟ من يبسط نفوذه على أنقاضه؟ من يتحكم بمفاتيح المنطقة بعد طرده؟ أسئلة تعطي لمعركة تحرير الموصل أهميتها في ظل التطورات بالمنطقة. استعراض بعض التصريحات الأميركية بتسلسلها الزمني ربما يجيب على أسئلة أخرى.

في سبتمبر/ أيلول 2014، تشكل التحالف الدولي  بقيادة واشنطن ضد "داعش". في تشرين الأول/ أكتوبر 2014 قال باراك أوباما إن القضاء على داعش لا يزال مهمة صعبة.

في الشهر نفسه قال وزير الدفاع الأميركي الأسبق ليون بانيتا إن الحرب على "داعش" ستستمر 30 عاماً ملقياً اللوم في ذلك على قرارات أوباما.

في تموز/ يوليو 2015، يقول رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية حينذاك ريموند أوديرنو، إنه يعتقد بأن هزيمة "داعش" قد يستغرق 10 إلى 20 سنة.

في آب/ أغسطس 2015 يشير تقرير لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية إلى أن القضاء على داعش سيستغرق نحو 20 سنة.

في تشرين الأول/ نوفمبر 2015 يقول أوباما إن القضاء على داعش في سوريا يحتاج 30 عاماً.

في كانون الثاني/ يناير 2016، يصرح الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية مايكل موريل، أن مشاركة الولايات المتحدة في الحرب ضد مسلحي تنظيم "داعش" وغيره من الجماعات الإرهابية في سوريا والعراق يمكن أن تستمر لمدة من 10 إلى 20 سنة.

في آب/ أغسطس 2016، يقول أوباما إن القضاء على تنظيمي "داعش" و"القاعدة" لن يتم إذا لم تتوقف الحرب الأهلية في سوريا.

في كانون الأول/ ديسمبر من 2016 يعترف أوباما أن "أخطاء الولايات المتحدة بالتدخل في العراق كان أحد أسباب نمو تنظيم داعش".

في كانون الثاني/ يناير 2017 يتهم الرئيس المنتخب دونالد ترامب إدارة أوباما بخلق تنظيم "داعش".

هذا الاستعراض تلخصه صحيفة الــ"ديلي تلغراف" البريطانية بنتيجة مؤداها أن هزيمة داعش والقضاء عليه لا يخدمان أهداف السياسة الخارجية الأميركية. برأيها الظروف ليست مهيأة للبدائل التي كان يريد الرئيس الأميركي السابق أوباما وضعها موضع التنفيذ.

أخطاء أميركا المميتة

لم تشهد الموصل استقراراً طيلة الأعوام التي سبقت احتلالها على يد داعش في شهر حزيران/ يونيو من عام 2014. المدينة التي سقطت بسرعة خاطفة، شكلت أحياناً ملاذاً لخلايا إرهابية وتاريخاً من سيطرة المتشددين.

منذ الاحتلال الأميركي عام 2003 أصاب الموصل ما أصاب العراق. خلال السنوات التسع التي تمركز فيها الجيش الأميركي (حتى 2011)، أخفق الأميركيون في تشكيل جيش وطني فعّال يعيد الاستقرار الأمني للعراق.

أحدث سقوط صدام حسين وحلّ الجيش العراقي السابق فراغاً أمنياً. بموازاة ذلك تضرّر النسيج الاجتماعي الهش إلى حدّ كبير.

في البداية شغل فرع القاعدة في العراق هذا الفراغ مستفيداً من تفاقم الشقاق الاجتماعي السياسي. كان عام 2004 عندما تشكل هذا التنظيم بقيادة أبي مصعب الزرقاوي تحت اسم "القاعدة في بلاد الرافدين". لوّح التنظيم بشن حرب ضد قوات التحالف الأميركية وضد الشيعة في عمليات لم يسلم منها سنة البلاد. انتهت هذه المرحلة بمقتل الزرقاوي في هجوم أداره الأميركيون في حزيران/ يونيو 2006.

من 2006 وحتى 2011 مرحلة ثانية تأسست فيها "دولة العراق الإسلامية" لتجمع تحت عباءتها عدد من التنظيمات المشتددة. العنصر الأساسي في هذه "الدولة" التي تنتمي إلى تنظيم القاعدة كان "مجلس شورى المجاهدين".

ضعُفت "الدولة الإسلامية في العراق" بعد ظهور "مجالس الصحوة" المكونة من قبائل في المناطق ذات الأغلبية السنية. لم تنته القاعدة رغم انحسارها وبقيت جمراً تحت الرماد.

عام 2011 انسحب الأميركيون من دون أن يستطيعوا فرض شروطهم على حكومة بغداد. إلا أنهم خلفوا وراءهم جرثومة الإرهاب القابلة للتكاثر، إضافة إلى مشاكل سياسية واجتماعية. وجدت هذه الجرثومة بيئة خصبة في الانقسام. تحوّل تنظيم القاعدة إلى داعش.

 

الموصل بين احتلالين
في الموصل كان الوضع شبيهاً بما يجري في عموم العراق، لا سيما في الأنبار. بعد الاحتلال الأميركي للعراق بدأ الوضع الأمني يتدهور تدريجياً في المدينة، عاصمة محافظة نينوى. انتقلت القاعدة إليها بعد عام 2004 وتصاعدت في 2006.

بدأ تنظيم القاعدة أعماله في الموصل بالهجوم على الأميركيين ثم انتقل إلى استهداف المدنيين والأيزيديين والمسيحين.

منذ العام 2006 لم تعد الموصل مدينة مستقرة وتعرضت لسلسلة من الأحداث. في شباط/ فبراير 2006 أعلن مجلس شورى المجاهدين عن "غزوة أبي عبدالعزيز الأنصاري" لاحتلال المدينة.

في آب/ أغسطس 2006 أعلن المجلس سيطرته على الجانب الغربي للمدينة.

في أيلول/ سبتمبر 2006 قبضت الشرطة العراقية على أمير المجلس ومساعده.

في تشرين الأول/ أكتوبر 2006 أعلنت الشرطة عن إفشال مخطط إرهابي للسيطرة على المدينة.

في 2007 انتقل الكثير من عناصر القاعدة إليها بعد محاولات طردهم من محافظات مجاورة، ولم تنته القاعدة بشكل كامل حتى بعد تطهير المدينة في 2007. بقي التنظيم الإرهابي يستهدف المدنيين والعسكريين عبر عمليات الخطف والفديات المالية والعبوات الناسفة.

شهدت السنوات الأربع من 2006 إلى 2010 موجات عنف استهدفت الأقليات الدينية، وأدى استهداف المسيحيين عام 2008 إلى نزوح أغلبهم إلى سهل نينوى شرق الموصل.

بدأت الحياة تعود إليها نسبياً عام 2009 مع بقاء نفوذ المسلحين وظلت من أكثر المدن العراقية خطورة.