اتفاقات الجنوب السوري بين القضم الناعم والقضم الخشن للجغرافيا

اتفاقات الجنوب السوري بين القضم الناعم والقضم الخشن للجغرافيا

أخبار عربية ودولية

الأحد، ٩ يوليو ٢٠١٧

بعد عقدين من التفرد بالقرار الدولي، أصبح إصرار الولايات المتحدة على لعب دور المتفرد واللاعب الوحيد شبيهاً بالطرافات، فالتسريبات التي نُقلت عن وزير الخارجية الأمريكي ريك تيلرسون عن "تسليم ملف مصير الرئيس السوري للروس"، وهو ما يوحي بأنّ أمريكا هي من تتسلم زمام الأمور، وهي التي توّزع المهام وتقسم الملفات، أو أنّ الصراع في سوريا كان في أساسه على أحقية استلام ملف مصير الأسد، والأطرف هو أنّ الولايات المتحدة عبر تيلرسون تتعامل مع هذا التصريح باعتباره تنازلاً أمريكياً في مواجهة روسيا، تنتظر التنازلات مقابله، ولكن هذا ليس أقل طرافة من زوبعة الكيماوي التي أثارتها الإدارة الأمريكية، حين أكدت استعداد "النظام" السوري لاستخدام السلاح الكيماوي، واستعدادها لتوجيه ضربة ساحقة له، ثم تراجعت لأنّ "النظام" لم يستخدم الكيماوي تحت ضغط تهديداتها، كما تأتي تصريحات تيلرسون عن دور القوات الأمريكية في سوريا، تكراراً لتصريحات سلفه جون كيري، حين بدأت إدارة أوباما الحديث عن اقتصار حربها على الإرهاب لا الدولة السورية، الفرق الوحيد أنّ تصريحات جون كيري كانت تؤخذ أحياناً على محمل الجد.

ولا تنتهي الطرافات حين تتابع الحديث عن اتفاق روسي أمريكي أردني في الجنوب السوري، حيث تبدو الأطراف المعنية في حالة انعدام وزن، خصوصاً المعنّي الأول بإضعاف وتقسيم الدولة السورية "إسرائيل"، فيبدو أنهم يتحدثون عن أمانيِّهم كأنها وقائع، فتجزم "إسرائيل" بأنّه حسب الاتفاق التزمت روسيا بضمان إبعاد حزب الله عن الجنوب السوري-بل أبعدته وانتهى الأمر-، وعدم السماح لقوات إيرانية بالتواجد في تلك المنطقة، والأردن يدعي ذات الادعاء باعتبار أنّه يرفض أيّ تواجد إيراني على حدوده، وبينما تقول ما تسمى بـ"الجبهة الجنوبية" فيما يسمى "المعارضة السورية"، أنّ هذا الاتفاق يؤدي إلى تقسيم سوريا، يقول تسيفي بارئيل الكاتب في جريدة "هآرتس" أنّ الضمانة الوحيدة لإبعاد حزب الله هي تقسيم سوريا، ويضيف الكاتب "أنّ إسرائيل كانت مشاركة في مفاوضات أمريكية روسية أردنية في الأردن، ونجحت في الحصول على موافقة بإنشاء منطقة نظيفة من إيران وحزب الله"، ويضيف بأنّ الخلاف فقط على مساحة تلك المنطقة الآمنة، حيث تريدها "إسرائيل" 30كم، بينما روسيا تريد تقليصها، ألا يبدو هذا المنطق أقرب للأمنيات منه للوقائع دون حاجة لتفنيد.

يستبطن هذا المنطق نزع أيّ دور أو أيّ فعالية لأيّ دور خلاف الدور الروسي، فإيران وحزب الله والأخص والأهم الدولة السورية لا دور لهم سوى تنفيذ الإرادة الروسية، وهو إسقاط الحالة الأمريكية بالتعامل مع أدواتها وأتباعها في المنطقة على حلف دمشق، وهي القناعات التي يحاول إعلام النفط ترسيخها، ليردم البون الشاسع بين مفاهيم التبعية والعبودية التي لا تبرع أنظمته في سواها، وبين مفاهيم التحالفات وتقاطع المصالح، ويتبجح هذا الإعلام بما يعتبره انتصاراً ثورياً فريداً من إبعاد إيران وحزب الله وكف يد الجيش السوري عن الجنوب، وما يعتبره الإعلام الصهيوني نجاحاً، وينسى في خضم هذه النشوة المفتعلة سؤالاً حقيقياً واحداً، لماذا ترفض الولايات المتحدة و"إسرائيل" وحتى الأردن ذلك التواجد، بينما يرحبون جميعاً بوجود قوات "ثورية جهادية"، حيث يدّعون جميعاً محاربة الإرهاب في الوقت الذي يسعون جميعاً لترسيخ وجوده، قد يكون الجواب سهلاً، فـ"إسرائيل" ملّت من الهدوء على جبهة الجولان، فـ"النظام" لم يطلق طلقة واحدة منذ أربعين عاماً، لذلك تحاول انتزاع شرعية وجودية للـ"الثوار والمجاهدين"، حتى يهددوا أمنها ويشكلون الخطر على مستقبلها، بعكس وجود "النظام" وإيران وحزب الله الذي سيعمل على حمايتها وتأمينها.

لم يصدر حتى كتابة هذه الأسطر أيّ تعليق رسمي سوري على هذا الاتفاق، ولكن يبدو أنّ الهدنة التي أعلنها الجيش السوري قبيل التوصل لاتفاق، تشي ببادرة حسن نية وقبولاً مبدئياً، فالدولة السورية تتعامل مع هذا النوع من الاتفاقيات والهدن على صعيدين، الأول أنه أقل كلفةً على المستوى البشري والعسكري، والثاني أنّه مدخل طبيعي لاستكمال المصالحات وتفعيل مراسيم العفو، وهذا ما اثبتته السوابق في هذا المجال، وأما القائلين بأنّ هذه الاتفاقيات هي مقدمة للتقسيم والتجزئة وإقامة الفدراليات، فهم يعبرون عن أمنياتهم لا عن عقل الدولة السورية، التي تتمسك بسيادتها على كل الجغرافيا السورية، وفي حال التزام الولايات المتحدة وأدواتها بالاتفاق واستتباب الهدوء على خطوط التماس، سيكون من شأن ذلك حدوث أمرين، تمدد مرن وغير مكلف للدولة السورية عبر سياسة المصالحات، وصراع دموي بين فصائل العمل الإرهابي في تلك المناطق، وهذا ما سيجعل هذه الاتفاقيات على المحك، فتكون الخطة البديلة هي خرق الهدنة وإعادة تفعيل المواجهة مع الجيش السوري، ولكن خلال هذا الوقت ستكون الدولة السورية مارست قضماً ناعماً للجغرافيا، وعززت من قوتها واستردت أنفاسها، حتى إذا ما حان الوقت لتعيد أمريكا تفعيل الجبهات، كانت فرصة الجيش السوري لممارسة القضم الخشن للجغرافيا، فأياً كانت الوسائل والتكتيكات، فإن الدولة السورية ستبسط سيادتها على كل شبرٍ في الأرض السورية في النهاية.