ما بعد عمليّة الأقصى: الذرائع الإسرائيلية والتداعيات المفترضة

ما بعد عمليّة الأقصى: الذرائع الإسرائيلية والتداعيات المفترضة

أخبار عربية ودولية

الاثنين، ١٧ يوليو ٢٠١٧

لا يزال الغموض يلفّ مشهد الأقصى وكل منطقة الحرم القدسي الشريف رغم قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بفتح أبواب المسجد الأقصى امام المصليّن بعد يومين على إغلاقه.

البيان الصادر عن مكتب نتنياهو أوضح أن الأخير أجرى اتصالا هاتفيا مع كل من وزير الأمن الداخلي والمفتش العام للشرطة ورئيس الشاباك وقائد محافظة أورشليم في الشرطة. وأن الهدف من الاتصال هو تقييم الموقف الميداني، مشيرا إلى أنه تقرر افتتاح الحرم الشريف ابتداء من يوم الأحد تدريجيا أمام المصلين والزوار والسياح". كما تقرر وضع أجهزة كشف المعادن في مداخل الحرم الشريف ونصب كاميرات خارج الحرم ستراقب ما يدور فيه. وأضاف البيان "سيتم لاحقا اتخاذ إجراءات أمنية أخرى".

لا ندري ماهيّة الإجراءات الأمنية الأخرى التي تحدّث عنها نتنياهو في بيانه، إلا أن اليهود يديرون معاركهم بالتدريج، وهم منذ الاحتلال الثاني عام 67، يفرضون الوقائع في المدينة، كما أن قراءة المشهد السياسي الإسرائيلي ترسم معالم جديدة لتعاطي السلطات الإسرائيلية مع المسجد الأقصى. فقد صادقت اللجنة الوزارية للتشريع، أمس الأحد، على المرحلة الأولى من مشروع قانون عرضه وزير التربية الإسرائيلي، نفتالي بينيت، لتعديل قانون أساسي "القدس الموحدة"، يتطلب دعم الأغلبية للمصادقة على تقسيم القدس وأصبح قريبا من إحراز المصادقة النهائية. ووفق هذا القانون، هناك حاجة إلى أغلبية ساحقة من 80 عضو كنيست من بين 120 عضوا بهدف أن يقرر الكنيست الإسرائيلي تقسيم القدس. "القدس هي مدينة ذات أهمية خاصة وتاريخية لدى الشعب اليهودي وعاصمته الأبدية"، جاء في مشروع القانون.

ما يعزّز نظريّة الغموض القائم هي معارضة نتنياهو لتصريحات الشرطة حول إزالة البوابات الإلكترونية عن أبواب المسجد الأقصى، اليوم الأحد، قائلاً إن هذه البوابات ستبقى ولن تزال، وأن القرار بإزالتها "لم يمر من خلالي"، وأكد على نصب كاميرات متطورة حول المسجد الأقصى لمراقبة كل ما يحدث.  إلاّ أنّ وزير الأمن الداخلي الصهيوني جلعاد أردان رفع هذا الغموض عبر رسالة على الهواء قال فيها إن "الأقصى بيد إسرائيل، وهي صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في فتحه وإغلاقه"، الأمر الذي يعدّ محاولة لفرض أمر واقع جديد.

ما حصده نتنياهو اليوم من هذه العملية، إضافةً إلى أسباب أخرى سنتعرّض لها بين ثنايا هذا المقال، هي الإدانة من قبل بعض العرب لهذه العملية. الإدانة التي بدأت من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس سرت على العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، ووصلت إلى وزير الخارجية البحريني. أي أن الإداناة هذه تعدّ مقدّمة لإدانة كافّة العمليات اللاحقة بما يخدم الكيان الإسرائيلي على الصعيدين الإقليمي والدولي.

ولكن، رغم فتح الأبواب تدريجيا أمام الزوّار والمصليّين، إلا عشرات المصلّين الذين توافدوا إلى المسجد الأقصى لأداء صلاة العصر من "باب الأسباط"، رفضوا بشكل جماعي الدخول عبر البوابات الإلكترونية التي تم نصبها صباحًا، الأمر الذي أدّى إلى إصابة عدد من المواطنين الفلسطينيين جراء اعتداء قوات الاحتلال الإسرائيلي عليهم بالهراوات.

هناك محاولات لرمي الشكوك نحو أفراد الوقف، موظفي دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس، وذلك استكمالاً لاعتقال مفتي الديار الفلسطينية لأسباب معروفة سلفاً، تتمثّل في كسر الخطوط الحمراء داخل القدس الشريف. أي أن الترهّل العربي والتطبيع القائم على قدم وساق بين الأنظمة العربية والكيان الإسرائيلي، كانت بمثابة الضوء الأخضر للجانب الإسرائيلي بغية التقدّم خطوة إلى الأمام في انتهاكاته بحقّ المسلمين عموماً، وشعب فلسطين على وجه الخصوص.

السؤال الأبرز يتعلّق بالخطوة التالية التي يمكن قراءتها في كلام نتنياهونفسه الي قال في جوابه على سؤال حول طلب الصلاة لليهود المتدينين في المسجد الأقصى، إن الظروف الإقليمية لا تسمح بتغيير الوضع القائم حاليًا، وهو ما يؤكد وجود نية مبيتة لتغيير الوضع القائم، لكن السلطات الإسرائيلية بانتظار وقت مناسب. وأضاف: "يمكن النقاش حول ما إذا ما تم إقراره عام 1967 كان صحيحًا أم لا، لكن هذا ما تقرر في النهاية، وتغيير الوضع القائم اليوم في ظل هذه الظروف الإقليمية لا يخدم أمن دولة إسرائيل، ومن الممكن أن يجر ردات فعل غير متوقعة".

إلا أن ما غاب عن حكومة نتنياهو اليمينيّة المتطرفة أن هذه الإجراءات المتمثلّة بتصعيد إجراءاتها القمعية بحق المقدسيين ومدينة القدس والمسجد الأقصى وتقييد حرية العبادة وهدم البيوت والمنشآت واستباحة الأماكن المقدسة في فلسطين تفتح بوابة الصراع والحرب الدينية.

تعدّ الإجراءات العدوانية في المسجد الأقصى المبارك عدوان سافر، وبالتالي لا بد من أي فعل حقيقي يوقف عدوان الاحتلال وانتهاكاته اليومية لقدسية المسجد الأقصى المبارك، خاصّة أن الكيان الإسرائيلي يجد الوقت مناسب لتقسيم المسجد الأقصى زمانيا ومكانيا كما فعلت في الحرم الإبراهيمي في الخليل سابقاً. نستدلّ على ذلك بكلام  "بن غوريون": "لا معنى لإسرائيل بدون القدس، ولا معنى للقدس بدون الهيكل". وهو ما ردّده نتنياهو بطريقة أخرى: "ألم يقل "الحمامة" يوسي بيلين: إن الهيكل بالنسبة لليهود كما الكعبة للمسلمين؟!".

الإجراءات الجديدة التي تنتقص من دور المسلمين في المسجد الأقصى وتتحدى مشاعر المسلمين والفلسطينيين، تعدّ في الوقت عينه بمثابة إعطاء السيادة لسلطات الاحتلال للتحكم بمصير المسجد. وبالتالي، ما هو مطلوب اليوم توجيه رسالة شعبية للاحتلال برفض الإجراءات الجديدة في الأقصى، الرسالة الشعبية يجب أن تكون عريبةّ إسلاميّة لأولى القبلتين، نبض الأحرار وبوصلة الثائرين والمتمسكين بالحق الديني والتاريخي في الأرض المباركة.