أموال وهدايا ترامب لن تحمي الرؤوس الإسرائيلية.. هل يكون الضحية القادمة؟

أموال وهدايا ترامب لن تحمي الرؤوس الإسرائيلية.. هل يكون الضحية القادمة؟

أخبار عربية ودولية

الخميس، ٢٠ يوليو ٢٠١٧

ميشيل كلاغاصي
لم تتوقف التظاهرات في الولايات المتحدة الأمريكية منذ أن أعلن دونالد ترامب ترشحه للرئاسة الأمريكية، وأثناء الفترة الإنتخابية، وعشية فرز الأصوات وإعلانه رئيسًا، وتابعت دون توقف خلال الستة أشهر التي مكثها دونالد ترامب في البيت الأبيض حتى الآن، وترافقت بسيل من الإنتقادات والإعتراضات والغضب الشعبي العفوي والمسيّس من قبل خصومه ولوبياتهم المختلفة، ووصل الإمتعاض والخلاف ليطال مراكز صنع القرار وما يعرف بالدولة العميقة، ما أجبره على القيام بسلسلة إقالات كبرى تخلى فيها عن عدد كبير من فريق عمله وبالأحرى عن خطهم وتوجهاتهم السياسية ومن يمثلون، كإقالة فلين وبانون وكومي وآخرين.. وخاض حروبًا داخلية منها ما يتعلق بالدولة الروسية، استمرت مفاعيلها وتداعياتها إلى لحظة لقائه الأول بالرئيس بوتين على هامش قمة الـ20 في هامبورغ، تلك الإتهامات التي تحدثت عن تدخل روسيا في الإنتخابات الأمريكية والتي نفاها بوتين وقدم توضيحات قبلها ترامب.

لا تبدو المسألة ضمن حدود المنطق والمعارضة لحكم الرجل، فأعداد المدن والمتظاهرين تؤكد أن هناك جهات كبرى تدعم هذه التحركات، تحت عناوين كثيرة كالهجرة واللاجئين والصحة، لكن الأخطر هي تلك الشعارات التي ترفع في التظاهرات والتي تصفه وتشبههه بهتلر وتصف سياسته بالنازية، الأمر الذي يدفع البوصلة نحو الحركة الصهيونية ولوبياتها.

ويرى المتابعون أن التظاهرات تندلع بالتوازي مع الأحداث والحروب العاصفة التي تخوضها واشنطن في الشرق الأوسط والعالم العربي وفلسطين المحتلة، والتي تمتد أذرعها لتطال كافة الصراعات الدولية حول العالم، الأمر الذي يضع إشارات الإستفهام حول توقيت التظاهرات ومدى إرتباطها بالشان الدولي، وحول الرسائل منها.

لقد أنهى أوباما فترتي حكمه، وخلفه ترامب، دون أن تشن الولايات المتحدة حربًا مباشرة على أعداء "إسرائيل" في سورية ولبنان وفلسطين أو حتى إيران، على الرغم من بعض الإستفزازات والهجمات المباشرة على سوريا وقواتها النظامية في جبل الثردة والتنف ومطار الشعيرات وإسقاط الطائرة السورية، بما لا يرتقي إلى مستوى الحرب التي تتمناها "تل أبيب"، وهي ترى القوات السورية وحلفاءها في المقاومة السورية وحزب الله والقوات الإيرانية تحصد الإنتصارات في الجنوب السوري وتستعيد أماكن تموضعها الجغرافي والإستراتيجي الجديد.

فكلما تقدمت الدولة السورية في حربها على الإرهاب وداعميه كلما وجد ترامب نفسه يغرق في مأزقه أكثر فأكثر، ويتأرجح بحساباته ما بين التقسيم والتفاوض والتدمير، ويجد نفسه عاجزًا عن تجميد أو تحييد الدور العسكري الروسي والإيراني في سوريا، فإتفاق الجنوب والذي يعتبر - كما هو مفترض - خطوة هامة على طريق السلام وإنهاء الحرب في سورية، تبدو معه احتمالية تطويره ضد الدولة السورية أمرًا متناقضًا، ويحضرنا السؤال التالي: هل رضخت واقنتعت أطراف الحرب والعدوان على سورية بما آلت إليه نتائج الحرب حتى الآن؟ بمن فيها سلطة الكيان الغاصب الإسرائيلي؟ وهل قادوا حربًا كي تنتهي بإعلان السلام ونصر سورية والرئيس الأسد على حساب أهدافهم التي خاضوا الحرب من أجلها؟ وهل تخلت "إسرائيل" عن هواجسها وذرائعها بحماية نفسها، وتغيرت طبيعتها العدوانية وأصبحت تبحث عن السلام؟ وهل تراجعت واشنطن عن مشاريع تغيير خريطة العالم وفق المخطط الماسوني، وعن مصالحها في ثروات المنطقة، وتجاهلت خطوط عبور (سرقة) النفط العربي عبر خط نابوكو؟ وعشرات ومئات الأهداف في سورية والمنطقة والإقليم والعالم؟

لا تبدو الأمور بهذه البساطة، ومن المؤكد أنهم يضمرون ما يضمرون.. فسلطة العدو الإسرائيلي أفصحت عن شروطها ورفضها للإتفاق "ما لم يضمن إنسحاب حزب الله وإيران ورحيل الأسد وأنها لن تقف مكتوفة الأيدي"، وتخشى أن يترك دونالد ترامب الملف في عهدة روسيا، في وقت حصل فيه على فرصة تمتد حتى شهر أيلول القادم بالتوازي مع إعلان ديمستورا موعد جلسة جنيف القادمة.

وبقراءة بسيطة للتحركات العسكرية الأمريكية على الأراضي السورية وسعيها لزيادة عديد قواعدها العسكرية فيها، بالتوازي مع تحرير الموصل والقضاء على تنظيم داعش فيه، وبقراءة المشهد السوري الذي يسير على ذات الخطى ويقترب من تحرير دير الزور وعينه على تحرير الرقة، يظهر الإرباك الذي يشكله هذا الأمر لترامب، والذي قد يرعبه ويدفعه إلى تحريك المشهد نحو التصعيد العسكري، على أمل تغيير قواعد اللعبة، ليتجنب ذلًا جعله يستجدي الأسد على أبواب إتفاق الجنوب، على غرار ذل أوباما حينما استجداه على أبواب حلب.

فالمأزق.. كما يحاول الأمريكان وأدواتهم إظهاره يتمثل بوجود القوات الروسية والإيرانية والدعم والإسناد العسكري الذي تقدمانه إلى القوات السورية في حربها على الإرهاب، ولطالما ركزت إدارتا أوباما وترامب على إيجاد الوسيلة للحد أو لتحييد وتقييد ما يقومان به للتفرد بالدولة والشعب السوري، وفي هذا السياق تأتي عودة الحديث عن التواجد الإيراني وحزب الله في سورية، من بوابة القلق الإسرائيلي من بقاء تلك القوات بالإضافة إلى المقاومة والجيش السوري على الحدود الجنوبية، مع سريان مفعول الإتفاق ومراقبة تطبيقه بمواكبة من الشرطة العسكرية الروسية، مما استدعى تذكيرًا إيرانيًا بشرعية التواجد وبطلب من الدولة السورية، وبعدم رضوخ إيران لإتفاقات الغير حتى لو كانوا أقطابًا.

ولا بد من ملاحظة أن القضاء على "داعش" قبل أن تحقق واشنطن غايتها من وجوده، وإطلاق العنان لمشروع استبدال العدو الصهيوني بالعدو الإيراني في المنطقة العربية أولًا، و إرتباط كافة المخططات المرتبطة من عزل سورية وإجبارها على التخلي عن محور المقاومة بدءًا من طهران وصولًا إلى الناقورة ورفح، وإنهاء القضية الفلسطينية على طريقتهم، وإقامة الدولة اليهودية الصرفة، والدفع بتشكيل الناتو العربي وتوحيد المنطقة تحت قيادة المملكة الوهابية، وإتمام التطبيع مع الكيان الغاصب، وتشكيل فريق الحرب ضد إيران للمرحلة القادمة، لا يمكن أن يتم دون سقوط أو رضوخ الدولة السورية الكامل، وستبقى مشاريعهم رهينة أضغاث أحلامهم.

ولكن.. كيف يمكن للعقل الإسرائيلي والأمريكي أن يتمكنا من تحييد أو تجميد الدور الروسي والإيراني؟

لا يحتاج الأمر سوى للتذكير بأفعالهم على مدى التاريخ والحروب التي خاضوها، باعتمادهم الوحشية والقتل والإغتيالات استراتيجيةً حقيقيةً للمواجهة والتقدم، خصوصًا في ظل حكام قساة مجرمين لا يتردّدون بالقيام بأي شيء، فقد تبين ومن خلال دراسة بحثية أن الولايات المتحدة ارتكبت سلسلة من الجرائم "المسكوت" عنها حول العالم، وحاولت قلب نظام الحكم في 127 دولة، وحاولت إغتيال 54 زعيمًا وطنيًا في العالم، وأشعلت الحروب الأهلية في 85 دولة، وبحسب البنتاغون فقد شاركت في 17 عملية في الشرق الأوسط خلال أعوام 1985 -1980، وأنها مسؤولة عن قتل ألف 200 ألف عراقي وإبادة 10 ملايين صومالي على يد مشاة البحرية الأمريكية، ناهيك عن جرائمها خلال العقد الأخير والذي تستمر فيه بقتلها المدنيين في سورية والعراق وغيرها.

كما اتهمت أجهزة استخباراتها بالإشتراك مع أجهزة الموساد الإسرائيلي بإغتيال عدد من الرؤساء الأمريكيين أمثال جون كنيدي، ابراهام لينكولن، جيمس جارفيلد، ويليام مكينلي، وعدد من محاولات الاغتيال الفاشلة، منها محاولة إغتيال روزفلت، ريغان، أوباما، ولا يستطيع أحد حتى اليوم استبعاد أيّ من نظريات تصفيتهم.. بالإضافة لأصابع الإتهام التي وجهت إليها في إغتيال الرئيس الإكوادوري خايمي رودلس، ورئيس بنما عمر توريخوس، والرئيس الكونغولى باتريس لومومبا، الجنرال نغو دييم رئيس فيتنام الجنوبية، الزعيم والرئيس الكوبي فيدل كاسترو، مالكوم إكس، ومارتن لوثر كينج، جمال عبد الناصر، ياسر عرفات، الشيخ أحمد ياسين وكثيرين.

بالإضافة إلى ما افتعلته في أحداث أيلول الشهيرة عام 2001، وصفعت نفسها من أجل إفتتاح المعركة على الإسلام وما أوصلها إلى الإعتماد على النسخ الحديثة المشتقة عن تنظيم القاعدة في الحرب الحالية كـ"داعش والنصرة".

ومع إصرار وتقدم الدولة السورية وحلفائها نحو النصر العسكري، ومحاولات المجموعات الإرهابية تأخيره ما أمكن، ومع إنسداد الأفق أمام الدبلوماسية الأمريكية والإسرائيلية في تغيير قواعد الحرب وقلب نتائجها، فقد تفكر تلك العقول المجرمة بتوجيه صفعة جديدة إلى نفسها، وتقوم بإغتيال الرئيس دونالد ترامب - فيما إذا فشل في مهلته الأخيرة -، وتستفيد من ماكيناتها الإعلامية وتقدم أدلة سريعة مزيفة عن تورط إيران (النووية – الصاروخية ) والحرس الثوري في الإغتيال، وبأياد إيرانية مأجورة، لتقوم بردٍ قاسٍ تجاه الدولة الإيرانية (التراجع عن الملف النووي، حصار ومزيد من العقوبات، هجوم سياسي وربما عسكري.... إلخ)، من داخل مجلس الأمن أو من خارجه، كما فعلت أثناء اجتياح العراق وإغتيال رفيق الحريري في لبنان، الأمر الذي قد يُحرج موسكو ويضعها أمام مصداقية سياستها الأخلاقية ويجعلها عاجزة – مؤقتًا - عن فعل الشيء الكثير ويُصيب الدور الإيراني في سورية وفي صراعات المنطقة بالشلل، حتى لو ظهرت الحقيقة فستبقى البروباغندا حاضرة، و الأثر السلبي السريع سيكون عميقًا ومؤثرًا.

إنّ استعارة وزير الدفاع الأمريكي ماتيس ملف إغتيال الحريري وتوجيهه يوم أمس الأول، الإتهام المباشر لإيران دون أدلة وبراهين لا يمكن إعتباره حدثًا عابرًا وفي هذا التوقيت، بالإضافة إلى التهيئة النفسية للشعب الأمريكي حول إغتيال ترامب، حيث تمتلئ الميديا بالتوقعات والإحتمالات، وربما التمهيدات!

إن تحوّل ترامب إلى عدو صهيوني، وطفَح الإعلام الإسرائيلي بالحديث عن خيبة أملهم به، خصوصًا ما يتعلق بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ودعم التوسع الاستيطاني وضم أجزاء من الضفة، وطي صفحة حل الدولتين.. وما يؤكده "معهد الشرق الأوسط" في واشنطن الذي يرسم خطوط السياسة الأمريكية في المنطقة، أن مستقبل "إسرائيل" لن يكون ورديًا على أيدي ترامب مع تبنيه شعار "أمريكا أولًا".. بالإضافة إلى امتعاضهم من إتفاق الجنوب السوري، والذي يعتقد فيه الإسرائيليون أنه لم يأخذ بمصالحهم ورؤيتهم حول أمنها بعين الإعتبار، على رغم التطمينات الأمريكية – الروسية، وعليه تكون الإعتداءات الحالية واستباحة المسجد الأقصى وكل ما يحصل في الأراضي المحتلة من مواجهات مباشرة بتخطيط اسرائيلي يهدف إلى إعادة جلب الأنظار الأمريكية نحو مصالحها، ووضع ترامب تحت سندان "إسرائيل" أولًا، ودونه سيكون هبوب العاصفة.

ومن خلال نظرة شاملة لما تم طرحه، لا يمكن تجاهل هذا السيناريو، والذي ترتفع معه إحتمالات تنحية ترامب و ربما إغتياله، فوجود "إسرائيل" أهم من حياة ترامب – بإعتقادهم-، وأنها لن تنتظر هداياه وماله الوفير الذي حصده من دول الخليج، ولن يحمي الرؤوس الإسرائيلية في الشتات مجددًا، إذا هُزمت على أرض فلسطين، كما هزمت في مصر على يد الهكسوس، الأمر الذي لم ولن يفهمه ترامب أو العقل الأمريكي عمومًا.