هل وقع «التلّي» ضحيّة الرهان على إسرائيل؟

هل وقع «التلّي» ضحيّة الرهان على إسرائيل؟

أخبار عربية ودولية

الجمعة، ٢١ يوليو ٢٠١٧

فيما يغرق اللبنانيون المستفيدون من سلسلة الرتب والرواتب، وغير المستفيدين منها، في اجراء حسابات الربح والخسارة، وفي وقت تقاسمت القوى السياسية الممثلة في مجلس الوزراء التعيينات الديبلوماسية، تتكشف فصول جديدة من ابعاد وتداعيات معركة الحسم في الجرود.. «فالزحف» لتحريرها ان لم يكن قد بدأ على نطاق واسع مساء امس، فهو سيبدأ خلال ساعات، اذا لم يقبل المسلحون التسوية. معركة «التطهير» «نضجت» ولم يعد التأخير مجديا، آخر عمليات الاستطلاع «بالنار» بدأت قبل منتصف الليل، بشكل عنيف من قبل سلاح المدفعية والراجمات التابعة لحزب الله فتم استهداف مواقع المسلحين في وادي العويني ووادي الخيلفي جرود عرسال، فيما شن الطيران السوري غارات مكثفة على مواقع قيادية وعملانية للمسلحين، وسط معلومات عن سيطرة مقاتلي حزب الله بعد منتصف الليل على منطقة الكسارات و3 مراكز لـ«جبهة النصرة» في وادي العويني في جرود عرسال، وكذلك على نقطتين استراتيجيتين في جرود فليطا.
المساحة الزمنية التي تم منحها مساء لم تكن للتفاوض وانما للقبول بالشروط او رفضها، فالتفاوض توقف منذ اسبوع، والوساطات لم تعد خلال الايام القليلة الماضية في اطار تبادل المطالب، بل في اطار معادلة اما الرضوخ للتسوية او اختيار طريق «الانتحار»… لكن يبقى السؤال الاهم: «على ماذا يراهن امير «جبهة النصرة» ابو مالك التلي؟ خصوصا ان «الوظيفة» السياسية لمجموعته المسلحة القاضية بإسقاط النظام السوري قد انتفت وباتت جزءا من الماضي… فهل حصل على «وظيفة» جديدة وكان يعول على مشغليه الجدد لحمايته في الجرود؟
اوساط معنية بملف الجرود اكدت ان الساحة السورية تشهد تقلبات جذرية في موازين القوى الداخلية، وفي تداخل الحسابات الخارجية التي ازدادت تعقيدا بفعل الخلافات الخليجية الاخيرة، والتفاهمات الاميركية- الروسية وكذلك التفاهمات الايرانية -التركية – الروسية. هذه العوامل ادت الى خلط الاوراق والتحالفات وبرزت خارطة مصالح متضاربة بين اصدقاء الامس، ما انعكس بشكل مباشر على الفصائل والمجموعات المسلحة التي دخلت مجددا في اتون حرب «الاخوة» في الشمال السوري والغوطة الشرقية، في انعكاس مباشر للخلاف بين قطر والسعودية والامارات.

استثمار اسرائيلي
ووفقا للمعلومات، منذ نحو العام والنصف اصبحت مجموعة ابو مالك التلي في الجرود جزءا مما تعتبره اسرائيل امتداداً حيويا لنفوذها في مواجهة حزب الله، وبات جزء من استثمارها في المجموعات السورية المسلحة على طول الحدود مع الجولان السوري، فمنذ ان بدأت اسرائيل تعمل بجهد كبير للتواصل مع المسلحين تحت عنوان «جيرة جيدة» على طول الحدود جنوب سوريا، دخل في سياق اهتمامها تطويق حزب الله من الجهة الشرقية للحدود اللبنانية، وبما ان الاستثمار في «داعش» صعب  «التسويق» فتحت خطوط التواصل مع امير جبهة النصرة في القلمون عبر الاستخبارات القطرية التي عملت على «تعبيد الطريق» امام هذه العلاقة «المصلحية» خصوصا خلال العام المنصرم حين ايقن التلي ان «المظلة» الاقليمية السابقة لم تعد قادرة على حمايته والمحافظة على دوره ووافق على الدخول ضمن منظومة دعم الاستراتيجية الاسرائيلية القائمة على خلق جبهة معادية في «الحديقة الخلفية» لحزب الله.
بعد التفاهم الروسي -الاميركي في الجنوب السوري، خرجت اسرائيل عن «طورها» وعبر رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو صراحة عن رفضه للتفاهم لانه لم يراع المصالح الاسرائيلية، ووفقا لتقارير الاجهزة الامنية الاسرائيلية فان المشروع الاسرائيلي الذي تعاظم خلال السنة الاخيرة من خلال اقامة بنية تحتية استخباراتية على الحدود اللبنانية الشرقية، بات معرضا للانهيار بعد «الصفقة» الاميركية – الروسية في الجنوب، وتبين للاسرائيليين ان الاميركيين لم يبالوا من خلال دعمهم للجيش اللبناني بالمصالح الاسرائيلية، وكذلك لم يبدوا اي اهتمام للتنسيق الميداني بين المؤسسة العسكرية وحزب الله، واتضح ايضا ان التفاهم في الجنوب السوري على وقف النار لن ينطبق على الحدود الشرقية، اي ان الامور تتجه الى الاسوأ، خصوصا ان حزب الله وعبر الجانب الايراني ابلغ الروس بأن بقاء هذه البؤرة غير مقبول ولن يسمح بأن تكون الحدود اللبنانية مع سوريا جزءا من اي تفاهمات تبقي المسلحين في مواقعهم، وبالتالي فان اسرائيل التي قدمت العلاج لاكثر من 4000مسلح سوري، و55 طناً من الالبسة ، وحوالى 12 طنا من الاحذية، و250 طناً من المواد الغذائية، و465 الف ليتر من الوقود للمعارضة السورية، ترى انها امام خسارة جديدة لاحد حلفائها الموضوعيين على الحدود اللبنانية.

حسابات خاطئة
ووفقا للمعلومات، فان «التلي» استمر حتى الساعات الاخيرة يراهن على قدرة الاسرائيليين بفرض «خطوط حمراء» تمنع حزب الله والجيش السوري من القيام بعملية عسكرية في الجرود، على الرغم من فشل الاتصالات مع الروس، وكذلك عدم اعطاء الاميركيين اهتماما كبيرا للمطالب الاسرائيلية، خوفا من انهيار التفاهمات مع موسكو في مناطق أخرى. اما بالنسبة للاسرائيليين فكانت اطلالة الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الاخيرة، حاسمة في تأكيد عدم وجود اي احتمال لتراجع حزب الله عن الحسم، خصوصا ان الاستعدادات على الارض قد اكتملت، والمسح  الجوي والاستخباراتي لمنطقة العمليات اكد هذا الامر، وجاءت التغطية السياسية الداخلية لعملية الجرود لتؤكد ان الحزب بات مرتاحا على المستوى الداخلي، وغير مقيد بأي حسابات داخلية تمنع انطلاق العملية العسكرية.
وتلفت تلك الاوساط، الى ان اسرائيل لم يعد لديها خيار لحماية «حليفها» الا عبر التدخل المباشر في مسرح العمليات، لكن هذا الامر مكلف ودونه مخاطر كبيرة لا تستطيع القيادة الاسرائيلية تحملها، لكن سبق وغامر الاسرائيليون بغارات جوية منتقاة في منطقة القلمون بحجة استهداف شحنات اسلحة «كاسرة للتوازن» تابعة للمقاومة، وهذا الامر قابل التكرار، وقد حصل امر مشابه له في معارك الجيش السوري مع المجموعات المسلحة قرب الجولان المحتل، حيث دخلت اسرائيل مباشرة على خط المواجهات لحماية المسلحين من الانهيار بذريعة سقوط قذائف في المناطق المحاذية للعمليات العسكرية.

«مناورات صامتة»
وفي هذا السياق، تفيد المعلومات ان قيادة حزب الله لم تسقط من حساباتها العامل الاسرائيلي في معركة الجرود، وهي تدرك جيدا تلاقي مصالح الطرفين عند نقطة العداء للمقاومة، وتملك المقاومة معلومات عن حجم تورط المسلحين مع الاستخبارات الاسرائيلية، ولذلك لم يترك هذا الملف دون معالجة موضوعية على الارض، وقد شاهد الاسرائيليون «بأم العين» عند الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة، ما يمكن اعتباره «مناورات صامتة» جرت خلال الاسبوعين الاخيرين، الهدف الرئيسي منها كان ايصال «رسالة ردع» واضحة بأن المقاومة جاهزة لكل الاحتمالات، وتجهيزها لمعركة الحدود الشرقية لا يعني ابدا اهمال الجبهة الجنوبية، واي تدخل اسرائيلي لقلب مسار الامور سيكون مكلفا لانه لن يبقى دون رد مناسب… وفي هذا الاطار يمكن فهم تكثيف قوات اليونيفل انشطة مراقبتها ودورياتها على الحدود، خصوصا عند نقاط الخط الازرق المتقاربة.