تسوية أيلول القادم بين إعلان موسكو ونتائج قمة هامبورغ

تسوية أيلول القادم بين إعلان موسكو ونتائج قمة هامبورغ

أخبار عربية ودولية

الجمعة، ٢١ يوليو ٢٠١٧

تأسيساً على سلسلةٍ من الانتكاسات في التفاهمات الروسية الأميركية بدءاً من التفاهم المشترك على وقف الأعمال القتالية في (22/2/2016) وصدور القرار (2268) عن مجلس الأمن وصولاً إلى تراجع واشنطن عن تفاهمات (15/7/2016) و فشلها في مبادرة لوزان (15/10/2016)، كان القرار الروسيّ في إيجاد مساراتٍ أخرى بديلةً عن التفاهم مع واشنطن حول التسوية في سورية.

وعلى هذا الأساس جاء الاجتماع الثلاثي في موسكو (20/12/2016) ليؤسس لاحقاً إلى ما عرف بسياق أستنة للحل في سورية ضمن رؤيةٍ روسيةٍ عبّر عنها إعلان موسكو (باعتباره الإطار الثلاثي لروسيا وتركيا وإيران الأكثر فاعلية بشأن سوريا)، ورغم ثغرات هذا السياق وفقدانه قدرة الضبط الكليّ لفواعل الأزمة ومصادر تأزيمها إلّا أنّه نجح في فرض رؤية موسكو للحل في سورية، ولكنّ النتيجة الأهم الذي حققها هذا السياق هو جرّ واشنطن مجدداً إلى دائرة التفاهم مع روسيا وإلّا فبحساب التسويات النهائية فحصة واشنطن أضحت من نصيب تركيا من التسويات، أمرٌ عجّل في إعادة بناء عجلات التفاهم الأميركيّ الروسيّ في ظلّ برغماتية أميركية في التعاطي مع الأزمة السورية آثرت ضمان النتائج على حسابات صورة أميركا الجديدة في العالم دون تعميم هذا النموذج أميركياً على باقي الملفات المشتركة مع روسيا تأزيماً، ضمن رؤية أميركية جديدها الدخول المباشر على خط الأزمة السورية وتحجيم دور أدواتها الذي أضّر بمصالح واشنطن عموماً جراء التضارب بين مصالح أدواتها وخير مثال على ذلك تفاهمات روسيا وتركيا في أحد جوانبها، ورغبة قطر في تعميق علاقتها بطهران كنموذجٍ آخر.

وضمن ذات الرؤية تدرك واشنطن أنّ موسكو لن تدخل في حرب استنزاف طويلة الأمد في سورية حتى لو اضطرت إلى زيادة فاعليتها الميدانية، وهو ما يعني بالناتج الإجمالي أنّ الأزمة انحسرت وأنّ واشنطن خاسرةٌ ببقائها قوةً دافعةً ومحركة لأدواتها فقط لا فاعلةً في تحريك مجريات الأزمة.

من هنا ارتكزت الرؤية الاميركة “الترامبية” في التعاطي مع الملف السوريّ على قاعدتين: القاعدة الأولى التدحرج المحسوب شكلاً ومضموناً بعيداً عن مواجهةٍ واسعةٍ في سورية، والقاعدة الثانية تكريّس نتائج هذا التدحرج في تفاهماتٍ مباشرةٍ مع روسيا في سورية، وهو ما بدا جليّاً في تفاهمات دائرة التنف ولاحقاً اتفاق جنوب غرب سورية (7/7/2017)، وهو ما يعني أنّ إدارة الرئيس ترامب أصبحت فاعلاً مباشراً في مجريات الحدث السوري، واستناداً إلى ذات القاعدة التي أسست عليها روسيا سياق أستنة أيّ الأطر الأكثر فاعليةً في الأزمة وبالتالي الأصلح للحل، أصبح سياق أستنة بحاجةٍ ماسةٍ لاستمراره إلى تشميل الولايات المتحدة ضمن إطاره الثلاثي ليغدو رباعياً وهو أمٌر مستحيل الحدوث نظراً لاستحالة الجمع بين طهران وواشنطن بذات الصفة في الأزمة السورية، ضمن حساباتٍ أكثر تعقيداً إذا وسعنا دائرتها الإقليمية، ورغبة واشنطن في نزع صفة “ضامن” عن الدور الإيرانيّ وتحويله إلى عقبةٍ في طريق ” السلام ” في سورية.

لذلك انقسم سياق أستنه إلى إطارين، الإطار الأول هو ترويكا إعلان موسكو أيّ روسيا تركيا وإيران، و الإطار الثاني هو ثنائية هامبورغ الروسية الأميركية فيما سمح للأردن بهامش مناورةٍ في الإطارين، وبالتالي تم تجزئة مجال العمل الجغرافي لتفاهمات كلّ من السياقين بعد أن كان مقرراً أن يكون سياق أستنة شاملاً لكلّ الجغرافية السورية -استثناءاً مناطق عمل ميليشيات قوات سورية الديموقراطية-، أما الآن ومع اطار عمل (هامبورج/عمان) أضحى سياق أستنه بإطار الترويكا محصوراً بمناطق الشمال والوسط ومحيط العاصمة، وسياق هامبورج/ عمان معنيّ بالمنطقة الجنوبية، ولكنّ الأمر لم يقتصر على هذا الحد، فمحاولات واشنطن توسيع نطاق عمل تفاهماتها مع روسيا لتشمل وسط سورية وريف العاصمة مطلع أيلول المقبل وما يسبقه من احتمالٍ لوقف إطلاق النار منتصف آب القادم في تلك المناطق يعني أنّ سياق أستنة للحل العسكري قد تقلّص إلى حدود الجبهة الشمالية (غرب الفرات) وهذا بحدّ ذاته نسفٌ لأسس إعلان موسكو، وبالتالي جولة أستنه السادسة نهاية آب قد تشهد انحساراً في الزخم وصوغاً جديداً لإعلان موسكو، بشرط نجاح التفاهم الأميركي الروسي الجديد في التوسع لتشمل نطاق تفاهماته الغوطة الشرقية وأرياف حمص الشمالية والشمالية الشرقية، نجاحٌ إذا لم يراعي المصالح الإقليمية المتضاربة من شأنه خلق قوى تنافر قد تعيق سياق جينيف للحل السياسيّ في سورية، لأنّ نجاح التسويات الأميركية الروسية سيزيد مخاوف أطراف متحاربة في سورية كتركيا وإيران وقطر، التي تبدو علاقتهما جيدة حالياً بتأثير المواجهة مع ذات المحور الخليجي المصري الذي يحاول الهيمنة على إقليم الشرق الاوسط.

لذلك ستغدو مهمة التوفيق بين المصالح الإقليمية والدولية على كاهل روسيا أمراً معقداً وصعباً وشاقاً ويجعل من تسوية شاملة أمراً ليس بقريب، مع احتدام الاستقطاب الأميركي الإيراني، الذي سيشعله محاولات واشنطن استغلال اتفاق جنوب غرب سورية لنقل فصائل “ميليشيات” عسكرية إلى منطقة شمال دير الزور استعداداً لفتح معركة الشدادي والبوكمال الأمر الذي يجعل التواصل البري بين طهران دمشق بيروت في مرمى النار الأميركي سواء في دير الزور أو التنف، وهو أمرٌ يرفضه المحور برمته.. وبدوره تغيير منظومة وقواعد السياق العسكري للحل سيتبعه حكماً تغيير في القوى الدافعة لمنظومة الحل السياسي في جينيف، فلم يعد جينيف ميدانياً للصرف السياسي لتفاهمات استنه، بقدر ما أصبح ميداناً للصرف السياسي للتفاهم الأميركي الروسي، وهو ما بدأ يتبلور بصيغٍ جديدةٍ كإعادة تفعيل عمل مجموعة الدعم حول سورية (SSIG) والتي من الممكن أن تحل مكانها مبادرة الرئيس الفرنسي ماكرون لمجموعة الاتصال حول الوضع في سورية ما بعد الصراع، وبالتالي جينيف (8) قد يحمل روحاً جديدة إذا أحسن ديمستورا ضبط عقارب ساعاته جيداً واختار لحظاتٍ سياسيةٍ مناسبةٍ و دولية إيجابية، وإذا ثبتنا فرضية الصرف السياسيّ للتفاهم الأميركيّ الروسيّ على حساب سياق استنة بإطار الترويكا فمن المحتمل خلق قوى تنافر قد تعرقل سياق الحل السياسيّ تتجسد في الأطماع التركية، التي قد تتعمد خلق محور داخل الإقليم لعرقلة تفاهمات روسيا والولايات المتحدة لأنها ستفضي إلى جعل إيران والسعودية قطبا الرحى في السياسة الإقليمية…وهو ما يرفضه نظام أردوغان الباحث عن إمبراطوريته الخاصة منافساً محمد بن سلمان على إمبراطوريته التي يسعى لتشكيلها.

ختاماً، تجزئة الحل ضمن مساراتٍ سياسيةٍ وعسكريةٍ منفصلة ومجزئّة، على أكثر من حيزٍ جغرافيّ سلاحٌ ذو حدين، فقد يكون إيجابياً لأنّه يراعي المصالح المتضاربة وهو شرطٌ لابدّ منه لإيقاف ذر الوقود على النار كشرطٍ لإنجاح المسار السياسي وفق رؤية القرار (2254)، ولكن الحدّ الثاني قد يحمل في طياته إطالة وقد يكون تكريس أمد الوجود الأجنبيّ الغير شرعيّ على الأرض السورية بذرائع تلك الاتفاقات، وهو أمرٌ ملّحٌ طرحه على طاولة التفاوض الإقليمي والدولي وهو برسم الضامن الروسي الذي بدأ بسياق أستنه والآن بدأ بشق مسار جديد مع الولايات المتحدة…دون أن ننسى أنّ أمد التفاهمات الروسية مع الولايات المتحدة في سورية قصيرٌ بفعل السياسات الأميركية وتجربة اتفاق (15/7/2016) ماتزال في الأذهان، الأمر الذي يثير الكثير من التساؤلات والهواجس حال تكرر سيناريو ذاك الاتفاق في التسويات الراهنة، لتبقى الأعين شاخصةً إلى أيلول القادم وما تحمله على صعيد التسويات في السياقين العسكري والسياسي فثلاث جولات من المفاوضات قادمة (استنة6، وجينيف8، وجولة ثانية من تفاهمات هامبورغ/عمان)، فهل يكون أيلولاً أبيض على السوريين وهو ما نتمناه أم أنّ تاريخ العرب مع أيلول سيبقى أسوداً سياسياً نظراً للمآسي التي مرّت على العرب في هذا الشهر تاريخياً؟ وخصوصاً أنّ المشهد العراقي في أيلول المقبل قادمٌ على احتمال اجراء استفتاءٍ لانفصال كردستان العراق (25/9/2017)، أمرٌ إن حدث سيعقد المشهد كثيراً في سورية لأنّ ردّة الفعل التركية قد تكون غير منضبطة كأن تشنّ عدواناً برياً على سورية في عفرين أو تل رفعت تحت ذريعة مواجهة “المشروع الكردي”، الأمر الذي قد يجهض نهائياً سياق استنه بإطاره الثلاثي.

المصدر : دمشق الآن