الصراع الوجودي بين "النصرة" و"أحرار الشام": الواقع، الحقائق والخلفيات!

الصراع الوجودي بين "النصرة" و"أحرار الشام": الواقع، الحقائق والخلفيات!

أخبار عربية ودولية

الاثنين، ٢٤ يوليو ٢٠١٧

 تعيش الجماعات المُسلحة واقعاً أشبه بحرب الوجود والإلغاء. حتى باتت هذه الجماعات فاقدة للثقة بالأطراف التي كانت داعمة لها، أو مازالت. خصوصاً أن أولويات الجميع تغيرت. ولم تعد المصالح المشتركة سمة الصراع بين هذه المجموعات، على قدر المصالح المتشابكة التي أفرزها واقع الأزمة السورية بنتائجها. فماذا في آخر التطورات بين جبهة النصرة وأحرار الشام؟ وكيف بدأت قصة الإقتتال؟ وما هي الحقائق والخلفيات التي تقف وراء هذه الخلافات؟

جبهة النصرة تطرد احرار الشام

أعلنت تنسيقيات المسلحين عن تمكُّن جبهة النصرة من طرد مقاتلي حركة أحرار الشام من مدينة إدلب والسيطرة عليها بشكل كامل. وذكرت التنسيقيات التابعة للجماعات المسلحة أن هيئة تحرير الشام، (النصرة سابقاً)، سيطرت على "القوة التنفيذية" في مدينة إدلب وطردت كل العناصر التابعين لأحرار الشام منها. يأتي ذلك بعد سيطرة تنظيم "جبهة النصرة" على شركة الكهرباء داخل إدلب وطرد كل عناصر الحرس الموجودين فيها، كما جرى السيطرة على حواجز "جيش الفتح" بإدلب ووضع دبابات على الحواجز بعد طرد عناصر أحرار الشام.

قصة الإقتتال: كيف بدأت؟

تُشير المصادر الى القصة الحقيقية خلف الإقتتال وكيف بدأ من خلال ما يلي:

أولاً: على خلفية رفع حركة أحرار الشام علم الثورة في مناطق سيطرتها وفي المدن التي تتواجد فيها جبهة النصرة، اندلع خلاف بين الطرفين، ما دفع جبهة النصرة لرفع رايات تنظيم القاعدة السوداء على مبان في مدينة ادلب وفي باقي القرى والمناطق.

ثانياً: أدى هذا التوتر لرفع منسوب الخلاف بين الطرفين، ما استتبعه شحناً اعلامياً، وحشودات عسكرية متبادلة. وهو ما نتج عنه مقتل مسلحين من من النصرة في جبل الزاوية، فاتهم بمقتلهم عناصر من ألوية صقور الشام المقرَّبة من حركة احرار الشام، واستدعى ذلك هجوماً من النصرة على مقرات للصقور والأحرار في أكثر من بلدة في جبل الزاوية في ريف إدلب.

الخلافات: الحقائق والخلفيات

عدة مسائل يجب تسليط الضوء عليها، تتعلق بالحقائق والخلفيات المتعلقة بهذه الخلافات، وهو ما نُشير له عبر التالي:

أولاً: تعود حقيقة الخلاف إلى محاولة كل جهة بسط المزيد من النفوذ والسيطرة على مناطق جديدة. في حين اندلعت الخلافات بين جبهة النصرة وحركة أحرار الشام بسبب الخلاف الإداري حول كيفية تقديم الخدمات إلى السكان في ريف ادلب، والذي نتج عنه محاولة كل جهة بيع الكهرباء إلى السكان، ما نشأ عنه منافسة اقتصادية ومالية سرعان ما تحولت إلى حرب شوارع عسكرية.

ثانياً: لم تكن تصريحات الحركتين وما نتج عنها من صراع عسكري، سوى انعكاس لما آلت إليه الحالة بين التنظيمين والذين كانا أكثر من قاتلا الى جانب بعضهما البعض. وهو ما يدل على حجم الخلاف بين الحواضن الإقليمية والتغيُّر الحاصل في أولويات من كانوا حلفاء أمس. في حين تنعكس الأزمات التمويلية على هذه الأطراف ما يدفعها لإقصاء بعضها البعض.

ثالثاً: إن صراع الزعامة بين حركة أحرار الشام وجبهة النصرة، ليس بجديد. حيث أن حركة أحرار الشام كانت ترى دائماً بأن "أبو محمد الجولاني" يعد السبب الرئيسي وراء الأزمات الحاصلة بسبب إصراره على الإندماج مع حركة أحرار الشام بشروطه الخاصة شرط أن يصبح هو القائد العام الجديد للحركة الجديدة، وأن يتولى نوابه المناصب الأساسية.

رابعاً: لا شك أن كل طرف بات يعيش أزمة غياب الحاضن، وهو ما جعل هذه الأطراف تسعى لكسب الميدان، ليكون صاحب الكلمة والطرف المفاوض مع الجهات الإقليمية، خصوصاً بعد أن دخلت محادثات استانة مرحلة متقدمة ونتج عنها ما يُعرف بمناطق خفض التصعيد، والذي جعل تركيا تدخل في خطر الإختيار بين حركة احرار الشام وجبهة النصرة!

خامساً: يُحكى عن مساعي تركية للتدخل في ادلب، وهو ما يُشكِّل هاجساً لدى جبهة النصرة الأمر الذي دفعها للسيطرة على الخط الموازي لمعبر باب الهوى بين سوريا وتركيا، عبر الهجوم على المناطق التي تُشكل خطاً فاصلاً بين الحدود التركية والداخل الإدلبي وهو ما يهدف لجعل أي تدخل تركي عسكري من جهة الحدود أمراً صعباً بشكل نسبي.

سادساً: تحدَّثت بعض الجهات عن وجود تراجع تكتيكي من قِبَل أحرار الشام لتسريع التدخل التركي في ادلب، والتخلص من جبهة النصرة في إطار حرب تصفية بين الطرفين، تُشبه عملية "درع الفرات" في الشمال السوري.

إذن، تعيش الأزمة السورية لا سيما فيما يخص الصراع بين الجماعات المسلحة، واقعاً يبدو أنه سينتهي بتصفية هذه الجماعات لبعضها. في ظل احتدام الواقع الإقليمي ودخول الدول في أزمات خاصة، لا تجمعها فيها الكثير من المصالح المشتركة. في حين يجد بعض المسلحين أنهم باتوا نقطة الضعف التي يمكن التضحية فيها، إما سياسياً عبر التسويات أو عسكرياً من خلال حرب التصفيات.


الوقت